تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لعنة العبقرية



المراسل الإخباري
11-01-2022, 03:53
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png يقول الأديب السوري محمد الماغوط «ما من موهبة تمر دون عقاب». تذكرت هذه العبارة وأنا أقرأ سيرة ستيف جوبز، الأب الروحي لشركة أبل وأحد أساطير التكنولوجيا، والتي كتبها مؤلف السير الذاتية الشهير والتر إيزاكسون. إذ رغم دهشتي من عبقرية ستيف، واستمتاعي بأسلوب والتر واحترافيته في الكتابة؛ إلا أنني شعرت بالشفقة على جوبز من هذه الموهبة التي حولت حياته إلى ملحمة من العذاب الروحي.
ستيف مثل الكثير من اللامعين نال نصيبه من ثنائية الإبداع والمعاناة، إذ يتطلب الأمر لكي تكون مبدعاً، أن ترى العالم بشكل مغاير، وبالتالي أن تتعاطى مع أعباء الحياة وأسئلة الوجود والخواء الروحي بشكل مختلف، وهو ما يجعل حياة المبدعين، في كثير من الأحيان، تعيسة، مثقلة بالمعاناة.
في أحد مقاطع الكتاب يذكر والتر أن جوبز، المتمرد على كل شيء، قرر في منتصف السبعينات أنه بحاجة إلى وظيفة لكي يتمكن من دفع مستحقات رحلته للهند بحثاً عن معلم روحي، جاء إلى شركة أتاري يرتدي جوربا دون حذاء وشعره أشعث ورائحته نتنة، وأخبر مدير التوظيف أنه لن يغادر دون أن يحصل على وظيفة، وافق كبير المهندسين على مقابلة جوبز، وبعد المقابلة قرر أن هذا الشخص المجنون لديه من الألمعية ما يؤهله لأن يكون ضمن فريقه، وبعد أن اشتكى الموظفون من رائحة ستيف جوبز النتنة قرر المدير أن يحوله للعمل خلال فترة الليل حيث لا يوجد عدد كبير من الموظفين. كان ستيف في ذلك الوقت غارقاً في هوسه بالروحانيات وعمره لا يتجاوز 19 عاما، وكان سبب رائحته الكريهة هو اعتقاده بأن حميته الصارمة التي تعتمد على الخضار تجعل الجسد بلا رائحة.
بعد عمله في شركة أتاري لفترة قرر التوقف واستغلال ما جمعه من مال للذهاب إلى الهند للالتقاء بالمرشد الروحي لـ»الهيبيين» مهراجا جي، وهناك تعرض للتسمم بسبب أخذه بنصيحة أحد العاملين في الفندق بإمكانية الشرب من ماء الصنبور، وكادت تلك التجربة أن تفقده حياته، حيث خسر 18 كيلوغراما من وزنه خلال أسبوع واحد فقط.
توالت تجارب ستيف في البحث عن الطمأنينة دون جدوى، خصوصاً وأنه كان يمارس كل اعتقاد جديد يعتنقه بكل تطرف، وربما كان الورم الذي أصابه في البنكرياس نتيجة لهذا التطرف في حميته الغذائية، والتي بلغت حد تغير لون جلده إلى البرتقالي في إحدى الفترات بسبب اقتصاره على أكل الجزر فقط.
هذه الحياة البائسة التي عاشها ستيف هي للأسف معاناة يمر فيها الكثير من المبدعين والفنانين والموهوبين، ورغم أن حياتهم تبدو براقة وجميلة لكنها بنيت على أكوام من الألم، فالشخصية الاستثنائية في الغالب لا تتشكل دون ثمن باهظ.




http://www.alriyadh.com/1980302]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]