تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : «أمن الْخليج الْعربِي».. شِعَار دولِي تُكذِبهُ السياسَات الدولية



المراسل الإخباري
11-02-2022, 04:31
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن شِعار «أمن الخليج العربي» ليس إلا سِتاراً عالياً يخبئ خلفه مصالح ومنافع ورغبات وأطماع ونزاعات الدول الكُبرى، وغِلافاً جميلاً يُبرر السياسات التوسعية، والحملات الإعلامية والدعائية، والصِراعات المُسلحة، والوجود العسكري المُكثف..
أصوات عالية يتردد صداها في أطراف المجتمع الدولي شِعارها الرئيس "أمن الخليج العربي" حتى ظن العالم أجمع أنها ستكون المنطقة الأكثر أمناً واستقراراً وهدوءًا في العالم. وهذه الظنون التي تمكنت من عقول وقلوب أبناء المجتمع الإقليمي والدولي نتيجة الخطابات السياسية المُتكررة والمؤكدة على أهمية "أمن الخليج العربي"، ترسَّخت في وجدان شعوب المنطقة والعالم نتيجة للأهمية الاستراتيجية الرفيعة التي تتميز بها منطقة الخليج العربي وما تحتويه مياهها الدافئة وأراضيها الممتدة من ثروات طبيعية عظيمة تؤثر بشكل مباشر في السياسات والاقتصادات والصناعات العالمية. هكذا هو تاريخ منطقة الخليج العربي مع شعارات السياسة الدولية مُنذُ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهكذا هو واقعها في وقتنا الحاضر مع خطابات القوى الرئيسة في المجتمع الدولي. فإذا كان "أمن الخليج العربي" هو شعار تُردده القوى الرئيسة في المجتمع الدولي بمختلف أطرافه وأطيافه، فهل فِعلاً تحقق هذا الشعار على أرض الواقع في التاريخ القريب أو في وقتنا الحاضر؟
قد تكون الإجابة المُباشرة على هذا التساؤل المُركب مُستوحاة من الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية الكبيرة التي عاشتها منطقة الخليج العربي خلال الأربعين عاماً الماضية، وما شهدته من نزاعات إقليمية وصراعات دولية، وما أورثته أحداثها الجِسام من مآسٍ عانت منها شعوب ومجتمعات المنطقة، حتى أصبح الواقع المُعاش يتناقض تناقضاً صارخاً مع شعار "أمن الخليج العربي". نعم، إن واقع منطقة الخليج العربي - السياسي والأمني والعسكري - يشهد بِجلاء على الغياب التام لِشعار "أمن الخليج العربي"، ويُدلِل على كذِب الظُنون الشعبية التي بُنيت على الأصوات الدولية المُرتفِعة عالياً بكلمات هذا الشِعار، ويُؤكِد بِكل وضوح على حجم التناقضات الدولية القائمة في منطقة الخليج العربي، حتى أصبحت توصف بأنها المنطقة الأكثر تعقيداً والأقل استقراراً أمنياً وعسكرياً في العالم. نعم، إنها الحقيقة الصعبة التي تعيشها منطقة الخليج العربي - بمياهها الدافئة، وسواحلها المُمتدة لآلاف الكيلومترات - على الرغم من أهميتها العظيمة في السياسة الدولية. فإذا كانت هذه الحقيقة الصَّعبة مُستمدة من الواقع السياسي والأمني والعسكري الذي تعيشه منطقة الخليج العربي - خاصة خلال الأربعين عاماً الماضية - نتيجة للأزمات والنزاعات والصراعات والسياسات الدولية في المنطقة، فإنه يحق لنا أن نتساءل عن الأسباب والمُسببات التي جعلت هذه المنطقة تعيش حالة من التفاعلات السلبية الدائمة حتى أصبحت المنطقة الأقل استقراراً أمنياً وعسكرياً في العالم على الرغم من تأكيد المجتمع الدولي وترديده لِشعار "أمن الخليج العربي".
إننا إذا أدركنا حجم التفاعلات الدولية بين الأقطاب والقوى الرئيسة في المجتمع الدولي، وإذا أدركنا الطبيعة المُعقدة والمُركبة للسياسة الدولية، وإذا أدركنا الأهمية العظيمة لمنطقة الخليج العربي في السياسة والاقتصاد والصناعة والأمن الدولي، فإننا ندرك الأسباب والمُسببات التي جعلت من شعار "أمن الخليج العربي" ليس إلا شِعاراً توظيفياً تستتر خلفه سياسات وأهداف وغايات الأقطاب الدولية والقوى الرئيسة في المُجتمع الدولي. فإذا كانت هذه الأقطاب والقوى الرئيسة في المجتمع الدولي تسعى جميعها لتعزيز مكانتها العالمية، وتعمل على زيادة نفوذها السياسي والاقتصادي والصناعي والأمني والعسكري، في الوقت الذي تعمل فيه على إزاحة منافسيها من الساحة الدولية، فإنها حتماً ستصل لنقطة تتصادم عندها هذه القوى الدولية فيما بينها، وهذه النقطة الرئيسة هي منطقة الخليج العربي.
وبما أن هذه الأقطاب والقوى الرئيسة في المجتمع الدولي تختلف أيديولوجياً وثقافياً وحضارياً، وتتناقض مصالحها وأهدافها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وتتصادم اهتماماتها الأمنية والعسكرية واللوجستية، فإن هذه الاختلافات والتناقضات والتصادمات ستنعكِس حتماً على مُمارساتها السياسية وسلوكياتها الأمنية لتؤثر تأثيراً سلبياً على المنطقة التي يسعون للوصول إليها وتعزيز نفوذهم فيها، وهذا الذي حدث ويحدث بين هذه الأقطاب والقوى الدولية في منطقة الخليج العربي. فإذا أضفنا إلى هذه الحقائق القائمة حقائق أخرى تتعلق بحجم التناقضات والاختلافات والصِراعات القائمة في منطقة الخليج العربي، فإننا نُدرك مدى خُطورة هذه التفاعلات الدولية على منطقة الخليج العربي، كما نُدرك حجم المصالح المُختفية وراء شِعار "أمن الخليج العربي" الذي ترفعه عالياً هذه الأقطاب والقوى الرئيسة في المُجتمع الدولي.
نعم، "أمن الخليج العربي" شِعار سياسي رفعته الأقطاب والقوى الرئيسة في المجتمع الدولي، إلا أنها عملت بما يتناقض مع مضمونه النبيل، ويتصادم مع أهدافه السامية، ويتعارض مع غاياته الجليلة. فالولايات المتحدة رفعت شِعار "أمن الخليج العربي"، إلا أن مفهومها للأمن الخليجي يعني تعزيز نفوذها السياسي والأمني والعسكري في منطقة الخليج العربي، ومنع القوى الدولية المنافسة من الاقتراب من المنطقة. وهذا المفهوم لـ"أمن الخليج العربي" يعني من وجهة النظر الأمريكية فرض الهيمنة الأمريكية بأي شكل كان حتى وإن تطلب الاحتلال المُباشر كما حصل في العراق 2003م، أو بتوقيع اتفاق نووي مع نظام مُتطرف يرعى الإرهاب العالمي، ويزعزع الاستقرار، كالنظام الإيراني المُتطرف. ودول المجموعة الأوروبية رفعت شِعار "أمن الخليج العربي"، إلا أن مفهومها للأمن الخليجي يعني تعزيز مصالحها الاقتصادية والصناعية والتجارية والاستثمارية في منطقة الخليج العربي، بالإضافة لِضمان حصولها على إمدادات دائمة لِمصادر الطاقة، حتى وإن تطلب ذلك إقامة علاقات كاملة مع نِظام مُتطرف يرعى الإرهاب العالمي، ويُزعزع استقرار المجتمعات، كالنظام الإيراني المتطرف، أو إن تطلبت المصالح امتداح النَّظام الإيراني والصمت والتغافل عن رؤية الإرهاب الذي يمارسه. وجمهورية روسيا الاتحادية رفعت شِعار "أمن الخليج العربي"، إلا أن مفهومها للأمن يعني مُنافسة، أو مواجهة، الوجود الأمريكي في منطقة الخليج العربي من خلال إقامة علاقات مُتقدمة جداً مع النظام الإيراني المُتطرف والداعم للإرهاب العالمي، والمزعزع للاستقرار والمدمر للمجتمعات، فقط لأنه يُعادي الولايات المتحدة وينادي بإقصائها وإبعادها عن المنطقة، وفي نفس الوقت يساهم في تقريب روسيا من المياه الدافئة. وجمهورية الصين الشعبية رفعت شِعار "أمن الخليج العربي"، إلا أن مفهومها للأمن يعني المحافظة على مصالحها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وضمان مصادر الطاقة، في المنطقة، كما أنه يعني السعي لمواجهة الهيمنة الأمريكية على السياسة الدولية، بالإضافة لسعيها الدائم لفك الحصار عنها والخروج من منطقتها الجغرافية الضيقة لمناطق دولية ذات أهمية استراتيجية عالمية، حتى وإن تطلب ذلك منها إقامة علاقات مُتقدمة جداً مع نظام مُتطرف يدعم الإرهاب، ويزعزع الاستقرار، ويُدمر المجتمعات، كالنظام الإيراني المُتطرف. وما ينطبق على هذه النماذج الدولية في نظرتها لـ"أمن الخليج العربي"، ينطبق على غيرها من دول ومجتمعات قدمت مصالحها ورغباتها الخاصة، وتجاهلت التزاماتها الدولية، وتنازلت عن قيم ومبادئ القانون الدولي بشكل مُطلق.
وفي الختام من الأهمية القول إن شِعار "أمن الخليج العربي" ليس إلا سِتاراً عالياً يخبئ خلفه مصالح ومنافع ورغبات وأطماع ونزاعات الدول الكُبرى، وغِلافاً جميلاً يُبرر السياسات التوسعية، والحملات الإعلامية والدعائية، والصِراعات المُسلحة، والوجود العسكري المُكثف، لهذه القوى الرئيسة في منطقة الخليج العربي، لتعلوا بهذه الممارسات والسلوكيات السلبية قيم النِفاق والتدليس والكذب على قيم ومبادئ العدل والصدق والأمانة، في رسالة ضمنية للعالم بأن الشعارات لا تقود السياسات، وإنما تُبررها. إن الصراع الدولي القائم بين القوى الرئيسة في المجتمع الدولي يُعبر عن أنانية مُفرطة لن تتوقف حتى وإن دمرت خصومها وحققت أهدافها وفرضت هيمنتها على المجتمع الدولي بكل أركانه.




http://www.alriyadh.com/1980455]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]