تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حماية المعنويات



المراسل الإخباري
11-03-2022, 05:09
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
ليس هناك وسيلةٌ تُبيحُ للإنسان النيل من معنويات غيره بلا سندٍ شرعي ونظامي، والسند الشرعي في ذلك إنما يتوفر للسلطان ومن يُنيبه، فلهم تطبيق العقوبة المتضمنة لذلك؛ زجراً للمذنب وتنكيلاً به وردعاً لغيره إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما يُشرعُ التشهير بأهل البدع والأهواء..
كرَّم الله تعالى بني آدم بكراماتٍ تُحقِّقُ لهم حق التمتع بالسلامة الشاملة الكفيلة بصيانة أبشارهم ومعنوياتهم وأموالهم، ما لم يَسْعَ أحدهم بنزع العصمة عن نفسه ببعض التصرفات التي تسلبها، ولما كانت سلامة الأبدان والأموال متعلقة باندفاع الأضرار المحسوسة استوى جميع المميزين في إدراك فداحتها وترتبِ الأضرار عليها، فلا يسع العاقل أن يغفل عن كون التعدي على الجسد والمال ضاراً بمن لحق به، ولو أقدم عليه مُقدِمٌ بغير وجهٍ سائغٍ لكان واعياً أن من فُعِلَ ذلك بحقِّه مضرورٌ متأذٍّ وإن لم يعبأ بذلك لغلبة التشهي على ضميره، أو لتأويلٍ خاطئ جرأه على ذلك، وعلى كل حال فلن يتصور أن الضحية مُعافاةٌ لم تُنَلْ بسوءٍ وإن كابر وادعى استحقاقها ذلك، وهذا بخلاف الأضرار المعنوية فمنها ما قد يخفى على بعض الناس أنه إيذاءٌ أو لا يعي مدى خطورته، أو يدرك أنه ضررٌ لكنه يتظاهر بدعوى أنه ليس ضرراً، فيتساهل فيه ويكون راتعاً في حمى حمته الشرائع والأنظمة والأعراف وقيم النبلاء، ولي مع حماية المعنويات وقفات:
الأولى: صيانة المعنويات مكفولةٌ ضمن الضروريات الخمس التي أجمعت الشرائع على حمايتها، فإن منها العرض، فالاستطالة عليه تُلحق بالمجني عليه ضرراً معنويّاً بالغَ السوءِ، فإن كان بالقذف استوجب الحدَّ الشرعي، وأفضى بمرتكبه إلى الفسوق وسقوط الشهادة وانخرام العدالة، وإن لم يصل إلى ذلك ترتب عليه التعزير على حسب درجته كما بينه العلماء في بابه، ومهما كانت رتبة التعدي على معنويات الشخص فهو منهيٌّ عنه شرعاً موصومٌ بأن الله لا يحبه، قال تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) والـمُقدمُ عليه ظالمٌ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وكما أحيطت أساليب خدش الشعور بسياج النهي والوعيد رُغب في ضدها وهي تحسين القول وجبر الخاطر، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه المتفق عليه: «وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ».
الثانية: الضرر المعنوي لا ينفك عن فداحته وثقله على النفس، وفِعلِهِ بها الأفاعيل، ولو افترض أنه مقصورٌ على هذه المفاسد لكان هذا مدعاةً إلى الكفِّ عنه، لكنه لا يقتصر أثره - غالباً - على تضرر المشاعر وتألم النفس، بل تنجر خلفه أصنافٌ من الأضرار الظاهرة الأثر سواء الجسدية والمادية والاجتماعية، وقد لا يقتصر أثره على الفرد بل يمتد إلى أسرته وبيته، فهو ضررٌ شاملٌ عريضٌ، فكم من كلمةٍ جارحةٍ مثبطةٍ أوهنت العزائم، وأورثت المضرور فشلاً ذريعاً، ولم يكن تنقصه القدرات الكافية للنجاح لو لم يتعرض لهذه النكسة، وكم من تنمُّرٍ باهظ الثقل صُعق به إنسانٌ صحيحُ الجسم، فلم يزل به يُكابدُ أثره حتى أورثه أمراضاً تُهدِّدُ حياته المعنوية والجسدية، أما الأثر السلبي الذي تُخلِّفُهُ الأَضرار المعنوية على أسرة من تعرض للتعدي المعنوي فحدث عنها ولا حرج، فالمعنويات حقٌّ مشتركٌ بين الأمة وكلما ضاقت دائرة الخصوصية زاد اشتراكها، فإذا وصلت الدائرة إلى الأسرة اكتمل الاشتراك، فلا وجه لإغفال المتعدي على شخصٍ بما يشينه أنه متطاولٌ على أسرةٍ بأكملها في حاضرها ومستقبلها، فهو يتخيل أنه يتعاطى مماحكةً هينةً، والواقع أنه يجني جنايةً عظيمةً {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.
الثالثة: ليس هناك وسيلةٌ تُبيحُ للإنسان النيل من معنويات غيره بلا سندٍ شرعي ونظامي، والسند الشرعي في ذلك إنما يتوفر للسلطان ومن يُنيبه، فلهم تطبيق العقوبة المتضمنة لذلك زجراً للمذنب وتنكيلاً به وردعاً لغيره إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما يُشرعُ التشهير بأهل البدع والأهواء والجاهدين في الفتن لفضح دسائسهم وكشف أسرارهم؛ ولتجنيب الناس عاقبة الاغترار بهم، وغير ذلك من المقاصد الشرعية المعروفة كتجريح الشهود ونحو ذلك، أما ما سوى ذلك من الذرائع فلا يُبيحُ الكلام في الـمُعيَّن، فلا يسوغ أن يتخذ المزاح ذريعةً إلى الإذاية والتعدي، ولا أن يجعل النقد والنقاش الفكري وسيلةً للثلب والقدح وشخصنة الأمور، ولا أن يحوَّلَ النصح والتوجيه إلى سيفٍ مسلولٍ من التعيير والتنكيل والمناداة باسم فلان على رؤوس الأشهاد، ففي الهدي النبوي من مراعاة مشاعر المنصوح وعدم تنفيره ما يكفي ويشفي، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم - إذا بلغَه عن الرَّجُل الشَّيءُ لم يقُل: ما بالُ فلانٍ يقولُ؟ ولكن يقول: «ما بَالُ أقوَامٍ يقولون كذا وكذا» أخرجه أبو داود وغيره.




http://www.alriyadh.com/1980651]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]