المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العَدُّ بوصفه حُجَّةً



المراسل الإخباري
11-12-2022, 03:13
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png لا أحد ينكر أن العدَّ - الذي هو ذكر الأرقام مضبوطة ومرتبة – أمر مهم في حياة الناس، وهو معيار كمي ونوعي، به يقاس التقدم والتأخر، والصعود والنزول، وتأتي قيمته من كونه أحد المبادئ التي ترتكز عليها النظريات الرياضية، وبخاصة تلك التي تقوم على الإحصاء والحسبان، ومن هنا عُرفت ظاهرة العد بوصفها ظاهرة طبيعية في الإنسان منذ القديم؛ فهي مؤشر لجودة الأشياء، أو عدم جودتها؛ ولهذا فإنه لا يمكن للإنسان الاستغناء عن هذه الظاهرة الحسابية، فهو يعد ماله، ويعد أيامه، ولا ينفك عن هذا العد في سائر أمور حياته الخاصة، والعامة، الإيجابية والسلبية، ومن أجل ذلك أصبح العد معياراً مهماً في حياتنا، ومن خلاله تُرسم الأهداف، وتُحدد الغايات، وتُحقق الطموحات، وتُتخذ الإجراءات، ويكون الطريق واضحاً نحو الفوز أو الخسارة.
ولولا أهمية العدّ ما وجدناه في القرآن الكريم في أكثر من موضع، يقول تبارك وتعالى في سورة مريم: «فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا»، ويقول تعالى في السورة ذاتها: «لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا»، وفي سورة الحج يقول جلَّ وعلا: «وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ»، وفي سورة النحل يقول عزّ وجل: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ»، وفي سورة المؤمنون يقول سبحانه وتعالى: «قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسَْلِ ٱلْعَاّدِينَ»، وفي الحديث النبوي الشريف، جاء في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عيناً...»، وقد ورد فيه هذا الدعاء: «اللهم أحصهم عدداً..»، وفي حديثٍ آخرَ أخرجه مسلم، وجاء في سنن أبي داود «إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليُحدِّثُ الحديثَ، لو شاء العادُّ أن يحصيه أحصاه».
وبعيداً عن الفارق الدقيق بين العدّ والإحصاء، وأيهما الأوسع، أو الأضيق، فإن الذي يعنينا هنا هو أن هذا العدّ قد يكون حجّةً قولية، أو خطابية، يستخدمها المتكلم، أو الكاتب، أو المتحدث، في إقناع المتلقي، وعندئذ يكون لهذا العدّ قيمته التداولية التي قد لا يُتفطّن لها، ولننظر مثلاً في الخطاب الأدبي، فحينما قال المتنبي في إحدى مدائحه الشهيرة: «لَهُ أيَادٍ إليّ سَابِقَةٌ // أعُدّ مِنْهَا وَلا أُعَدّدُهَا» إنما أراد أن يقنع مخاطبه بشكل استدلالي يعتمد العدّ الواسع - الذي لا يمكن حصره - حجّةً ودليلاً، وبهذا يسعى إلى الوصول نحو قوة إقناعية، وهي التسليم بأن الممدوح ذو عطاء كثير لا يمكن عدّه.
فأي نص يحوي عدّاً أو عدداً سيكون في غالب الأحوال نصّاً حجاجياً، يميل إما إلى صالح المرسل والمتلقي، أو في غير صالحهما، وعادة ما يوظف المرسِلُ العدَّ في صالحه؛ ليكون حجة له لا عليه؛ لذلك نحن نلجأ أحياناً إلى توظيف العدّ لنثبت للآخرين جدارتنا، وذلك من خلال أرقامنا وإحصاءاتنا، والمعول عليه في نهاية الأمر هو قناعة المتلقي بذلك التعديد، فكلما كان العدُّ منضبطاً، ومتناسباً، ومحققاً لحسن التقسيم، وجودة الترقيم، كان أكثر حجة في إقناع الآخرين؛ فليس الرقم في حد ذاته هو المقنع، وليست كثرته أو قلته هي المقنعة، وإنما المقنع فيه هو طريقة توظيفه، وصحة أن يكون شاهداً ودليلاً.




http://www.alriyadh.com/1982109]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]