تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بالعِلم تُعزِز أميرِكَا هيْمنَتها العَالمية



المراسل الإخباري
11-16-2022, 04:09
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن الولايات المتحدة توظف وتستخدم المكانة العلمية العظيمة والفريدة التي وصلت إليها لتعزيز مكانتها الدولية وهيمنتها العالمية؛ وذلك بمنع وصول التقنيات والتكنولوجيات النوعية، والصناعات والبرامج المتقدمة، لأي دولة تنافسها أو تعاديها، مما يؤدي بالضرورة لوقف تقدم تلك الدولة المُستهدفة تنموياً واقتصادياً وصناعياً..
التفوق النوعي والإبداعي بأرقى الأساليب، وأجمل الممارسات، وأقل التكاليف، منهج عمل استراتيجي تبنته الولايات المتحدة مُنذُ أن تأسست عام 1776م. ومنهج العمل الاستراتيجي هذا بُني على تجارب الأمم العظيمة التي سادت عقوداً أو قروناً عديدة ثم بادت واندثرت على الرغم من قوتها العسكرية واتساع رقعتها الجغرافية، وعُمق حضاراتها الإنسانية، وتنوع عرقياتها ولغاتها وشعوبها. فإذا كانت تلك التجارب حاضرة في العقل البشري الذي هاجر من أوروبا هارباً من ظلمات القرون الوسطى، وساعياً للمحافظة على سلامة النفس والبدن من ويلات الحروب الدينية المتطرفة والصراعات العرقية المدمرة، فإن هذه العقول حتماً لن تعيد تكرار تلك التجارب القاسية في الموطن الجديد الذي اختارته لنفسها لتقيم فيه ولتنشئ فوق أراضيه وطناً حديثاً ينظُر للمُستقبل بكُل تفاؤل واستبشار. وبالفعل، هذا الذي تحقق في الوطن الجديد - الولايات المتحدة الأمريكية -، حيث وضعت مناهج عمل صارمة تدعو بعقلانية لوحدة شعب وأقاليم الوطن الجديد، وتحرص بكل جدية على البناء المتين والأداء المُشرف للوطن وأهله، وتسعى لتحقيق التفوق النوعي والإبداعي باحترافية متناهية. نعم، إنها معايير صارمة وضعها أصحاب التجارب الصعبة والعقول المستنيرة، وأكدت عليها القوانين والأنظمة واللوائح التي اعتمدت، وضمِنت تطبيقها المؤسسات الوطنية الصلبة التي تأسست وأنشئت.
إن هذا الاستذكار للتاريخ، والاستيعاب العميق لتجارب وأحداث الماضي البعيد والقريب، والمعرفة الدقيقة بالعوامل المؤدية للخسران، وبالأسباب الهادفة للتفوق والإبداع، هو الذي جعل الولايات المتحدة - مُنذُ تأسيسها - دولة من الدول العظمى، وحتى أصبحت - في وقتنا الحاضر - القطب الأوحد في السياسة العالمية. نعم، ففي الوقت الذي استمرت فيه الأمم الأخرى في مواصلة العمل بالمناهج التقليدية القديمة في سبيل مساعيها الدائمة لفرض وجودها وقوتها وهيمنتها على باقي الأمم والشعوب، وذلك من خلال استخدام الجيوش وتوظيف الآلة العسكرية، تبنت الولايات المتحدة منهجاً مُختلفاً لفرض وجودها وقوتها وهيمنتها على باقي الأمم والشعوب وذلك من خلال امتلاك مصادر المعرفة، والسعي الدائم للتقدم في المجالات العلمية والتقنية والتكنولوجية. نعم، إن الذي عملت عليه الولايات المتحدة في سعيها للتفوق على الدول والأمم الأخرى والهيمنة على مجريات السياسة الدولية والعالمية هو الابتعاد عن الأساليب والسياسات التقليدية المُدمرة التي تقوم على الصراع الدموي، إلى تبنيها أساليب وسياسات حديثة ونوعية تقوم في أساسها على الاهتمام العظيم بالعلم في مختلف مجالاته المعرفية والإنسانية والطبيعية والصحية وغيرها من مجالات. إن هذا التحول النوعي والإبداعي الذي أحدثته الولايات المتحدة في مفاهيم وأساليب التفوق والهيمنة العالمية مكنها فعلاً من أن تتصاعد في مراتب القوة العالمية - على مدى قرنين من الزمان - حتى أصبحت القوة العظمى الأولى في السياسة الدولية والعالمية في وقتنا الحاضر.
نعم، إن المكانة العالمية الفريدة والمميزة التي وصلت لها الولايات المتحدة تحققت بسبب اهتمامها العظيم بالعلم منذ بداياتها ومازالت. وهذا الاهتمام العظيم بالعلم في جميع مجالاته وفروعه ومستوياته مكنها من التفوق النوعي على منافسيها وأعدائها في جميع المجالات الاقتصادية والصناعية والتقنية والتكنولوجية واللوجستية والأمنية والعسكرية، في الوقت الذي ظل فيه الآخرون يعملون وفق منهجهم التقليدي القديم. وعندما تواصل واستمر الاهتمام بالعلم والبحث العلمي، واصلت الولايات المتحدة تقدمها وتميزها في المجالات التقنية والتكنولوجية الدقيقة والمعقدة حتى أصبحت مرجعاً للمعرفة والعلوم، ومصدراً للأفكار والاختراعات، وموطناً متجدداً للإبداع والخيال العلمي غير المحدود بفضاءات معينة. وهذا التفوق النوعي والإبداع الفريد في المجالات المعرفية والعلمية المختلفة مكن الولايات المتحدة من النفاذ لجميع المجتمعات والدول الصديقة والمنافسة والمعادية، مما مهد لها الطريق لتؤثر بشكل مباشر في سياسات واقتصادات وصناعات جميع المجتمعات والدول والأمم. وهذا التأثير المُباشر يتصاعد بشكل مُستمر كلما تصاعد اهتمام الولايات المتحدة بالعلم والمعرفة حتى أصبحت صناعاتها وتكنولوجيتها وتقنيتها وبرامجها المعرفية وسائل حياة أساسية لباقي المجتمعات والدول، وأن يكون الاستغناء عنها سبباً رئيساً لزعزعة أمن واستقرار تلك المجتمعات والدول. وهذا التفوق العظيم والإبداع الفريد الذي وصلت له الولايات المتحدة بسبب العلم مكنها من أن تكافئ المجتمعات والدول التي تتفق معها وتساند سياساتها وذلك بمنحها مزيداً من التعاملات والتقنيات والتكنولوجيا والبرامج المتقدمة لتواصل بناء مجتمعها وخدمة شعبها، وفي المقابل أعطاها القوة والأداة من أن تعاقب المجتمعات والدول التي تعاديها أو تنافسها على مكانتها العالمية وذلك بالتوقف عن تزويدها بالتقنيات الحديثة والتكنولوجيا النوعية، أو بمنع التعامل معها في المجالات الحيوية التي تخدم اقتصادها وصناعاتها وأمنها وسلامة مجتمعها.
وبما أن الولايات المتحدة أدركت مُبكراً جداً أن العلم أداتها الرئيسة للتفوق والإبداع والتحكم والسيطرة والهيمنة العالمية، فإن ذلك الإدراك تصاعد ليصل لمرحلة اليقين التام بأن مزيداً من الاهتمام بالعلم - والبحث العلمي - يعني مزيداً من التحكم بسياسات، وتوجهات، ومصائر، المجتمعات والدول. وهذا اليقين بأهمية التفوق العلمي تؤكد عليه السياسات القائمة حالياً في الولايات المتحدة، ومن ذلك اعتماد الرئيس الأمريكي جو بايدن - في أغسطس 2022م - لقانون خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات لأمريكا (CHIPS) بعد تمريره بالتأييد المُطلق من الكونغرس بمجلسيه، والذي يتضمن تخصيص 52 مليار دولار لتعزيز أبحاث وإنتاج أشباه الموصلات المحلية. وإذا كانت هذه خطوة مهمة جداً لتُعبر عن مدى إدراك المؤسسات التشريعية والتنفيذية لأهمية مواصلة التميز والتفوق العلمي والتكنولوجي والتقني للولايات المتحدة على المستويات العالمية، فإن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي - التي اعتمدها الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكتوبر 2022م - أكدت على ذلك الإدراك واليقين حيث نصت في الجزء الثاني منها تحت عنوان "الاستثمار في قدراتنا" بالقول: "نحن أدركنا أهمية سلسلة إمدادات أشباه الموصلات لقدرتنا التنافسية ولأمننا الوطني، ونحن نسعى لتنشيط صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. يمنح قانون خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم، 280 مليار دولار للاستثمار المدني في البحث والتطوير خاصة في القطاعات الحيوية مثل أشباه الموصلات والحوسبة المتقدمة واتصالات الجيل المقبل وتكنولوجيا الطاقة النظيفة والتقنيات الحيوية".
وفي الختام من الأهمية القول: إن الولايات المتحدة توظف وتستخدم المكانة العلمية العظيمة والفريدة التي وصلت إليها لتعزيز مكانتها الدولية وهيمنتها العالمية؛ وذلك بمنع وصول التقنيات والتكنولوجيات النوعية، والصناعات والبرامج المتقدمة، لأي دولة تنافسها أو تعاديها، مما يؤدي بالضرورة لوقف تقدم تلك الدولة المُستهدفة تنموياً واقتصادياً وصناعياً، وفي غيرها من مجالات، لتحقق بذلك انتصاراً عظيماً بأسلوب بسيط وتكلفة قليلة. نعم، لقد أصبح التفوق العلمي - أو العلم - سلاحاً عظيماً وأداة صلبة بيد الولايات المتحدة لتكافئ بمنتجاته من يقف معها، ولتعاقب بأدواته من يعاديها أو يتطلع لمنافستها من الدول والأمم.




http://www.alriyadh.com/1982840]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]