المراسل الإخباري
11-17-2022, 05:04
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
الغرور يبدأ بهاجس عُجْبِ الإنسان بإنجازه أو بمقوماته، فيتمادى في ذلك مدعياً الفضل لنفسه، والعُجْبُ كغيره من أنواع الشعور يعتري أغلب الناسِ، لكن الموفق منهم لا يسترسل فيه..
يسهل على الإنسان أن يتعاظم فيتضخّم شأنه في عينه، وأن يرى لنفسه من المحاسن ما يحلو له أن يتصف به، فيكون أدقها وأيسرها ماثلاً في ذهنه، وأن تدق في تصوره عظائم عيوبه حتى لا يكاد يستشعر شيئاً منها، ومن اجتماع دعوى توفر المحاسن وتجاهل أصناف القصور والتقصير ينشأ الغرور المفضي إلى تعطل المصالح الدينية والدنيوية، ومنهما تتولد الغفلة المثبطة عن طلب معالي الأمور أو السعي في تنمية الحاصل منها، والغرور قد ينشأ عن نعم معنوية وحسية موجودة بالفعل، لكن لم يُحسن صاحبها التعامل معها، ولم ينظر إليها بعين الشكر والتقدير كما ينبغي، بل اتخذها ذريعة للإخلاد إلى الأرض، واكتفى بالاعتداد بما عنده، ولا يكاد من وقع في هذه الإشكالية ينجو من آثارها السلبية ما لم يتمكن من التخلي عنها والانطلاق من جديد في درب الإنجاز الذي عُرف عن سالكيه بكفاءةٍ أنهم ينظرون إلى الأمام دائماً، ولا تُلهيهم الإنجازات عن التركيز على الزيادة.. ولي مع الغرور وقفات:
الأولى: الغرور مذمومٌ شرعاً، وحُقَّ له ذلك؛ فهو جهلٌ بما يجب على العبد أن يستقبل به مواهب الله تعالى عليه، سواء منها السمات الخِلقية التي خُلِقَ ممتعاً بها كتمام الخلق والصحة والعافية، وما ألهمه الله اكتسابه وأعانه عليه بفتح الأبواب الموصلة إليه من مالٍ وجاهٍ وعلمٍ وذريةٍ، وأقصى ما يُمكنُ أن يصله الغرور ألا يُقرَّ المغرور بأن النعمة التي نالها هي منحةٌ من ربه، ويُصرُّ على عزوها إلى مجرد الأسباب التي تعاطاها، كما فعل قارون لما ذكّره قومه بإحسان الله إليه بما حباه من كنوزٍ، فقال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عندِي)، ومثل هذا النوع من الغرور مُؤذنٌ بذهاب النعمة وحلول الحسرة، وقد قصَّ الله تعالى علينا قصصاً مُعبرةً من سرعة اضمحلال النعم بسبب الإفصاح بالغرور، وتنوع في القرآن الكريم ذكر سوء عواقب المغترين بأصناف النعم والإمكانات كاغترار قوم عاد بالقوى البدنية، واغترار صاحب الجنتين بكثرة ماله وعزة نفره، واغترار فرعون بالسلطة والنفوذ، وقد يكون الاغترار بالنعمة على وجهِ تَخَيُّلِ أنها غير مُمتعةٍ، فيتشوَّفُ الغامط لها إلى مواجهة التحديات التي أزاحتها عنه النعمة، كفعل أهل سبأ لما يسر الله عليهم العيش وجعل أسفارهم مريحةً، (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ).
الثانية: الغرور يبدأ بهاجس عُجْبِ الإنسان بإنجازه أو بمقوماته فيتمادى في ذلك مدعياً الفضل لنفسه، والعُجْبُ كغيره من أنواع الشعور يعتري أغلب الناسِ، لكن الموفق منهم لا يسترسل فيه، بل يقمعه ببعض الأسباب التي تُفضي إلى تلاشيه، ثم يُكملُ مسيرته بعافيةٍ، وأسباب تلاشي شعور العُجْب كثيرةٌ، أهمها استحضار ألا حول ولا قوة إلا بالله، ومنها التأمل في سير خواصِّ الناس وعِليتهم وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم أماثل الناس في كل مجالات الفضل، والـمُنعمُ عليهم الشاكرون لنعم الله تعالى، فما من مجالٍ من المجالات المرموقة التي يُمكن أن يُعْجَبَ فيها الإنسان بنفسه إلا وفي القرآن الكريم والسنة والسيرة وكتب التاريخ قصص للمبرّزين فيه إذا تأملها الإنسان تضاءلت عنده نفسه، وأيقن أن ما أحسَّ به وضخَّمه لا يُساوي شيئاً مما تحلَّى به غيره، فتنشغل نفسه بالنشاط لتحصيل ما أمكنه أن يُنجزه مما فاقوه به، ومن الناس من إذا حصل له هاجسٌ يكاد يُوقعه في العُجْبِ منَّ الله تعالى عليه بأن يُوقظه ويحول بينه وبين التمادي فيه بأن يحدث له موقفٌ معبِّرٌ عن ضعفه وأن ما أعجبه لا ينبغي أن يغترَّ به، وقد ذكر الماوردي أحد أعيان الشافعية قصة له من هذا القبيل، حاصلها أنه صنّف في البيوع كتابا كاد يعجب به وتصور أنه أشد الناس اضطلاعاً بعلمه، فسأله بعض العوامِّ عن بيعةٍ عقدوها، فلم يعرف جوابها، ثم ذهب السائلان لمن لا يُساوي في العلم بعض تلامذة الماوردي فأجابهم، قال: "فكان ذلك زاجرَ نصيحةٍ ونذيرَ عِظةٍ تذلَّل بها قياد النفس، وانخفض لها جناحُ العُجْبِ، توفيقاً مُنِحْتُهُ ورشداً أُوتيته".
الثالثة: كما أن النفس تؤزُّ الإنسانَ إلى الغرور فقد يُبتلى بأن يُسمعَهُ الناس من الإعجاب به وتضخيم شأنه ما يُدخلُ في قلبه العُجْب إلى أن يُصاب بالغرور، وكم من طالبٍ تعطل تحصيله، وظن أنه في غُنيةٍ عن الاجتهاد والمثابرة تأثراً بكلامِ ناسٍ أسمعوه من مديحه ما غرّه، فينبغي أن يتحفظ الإنسان عن أسباب الغرور، وألا يُعين النفس المتشوفة إلى العُجْبِ على المنجزين من المتعبدين والمحسنين وطلبة العلم وغيرهم، فإن أثنى فبما لا يصل إلى درجة التغرير، فهناك فرقٌ بين الثناء على المنجز وبين إغرائه بالعُجْبِ وإيهامه ألا مزيد على ما أحرز من الفضائل.
http://www.alriyadh.com/1983065]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
الغرور يبدأ بهاجس عُجْبِ الإنسان بإنجازه أو بمقوماته، فيتمادى في ذلك مدعياً الفضل لنفسه، والعُجْبُ كغيره من أنواع الشعور يعتري أغلب الناسِ، لكن الموفق منهم لا يسترسل فيه..
يسهل على الإنسان أن يتعاظم فيتضخّم شأنه في عينه، وأن يرى لنفسه من المحاسن ما يحلو له أن يتصف به، فيكون أدقها وأيسرها ماثلاً في ذهنه، وأن تدق في تصوره عظائم عيوبه حتى لا يكاد يستشعر شيئاً منها، ومن اجتماع دعوى توفر المحاسن وتجاهل أصناف القصور والتقصير ينشأ الغرور المفضي إلى تعطل المصالح الدينية والدنيوية، ومنهما تتولد الغفلة المثبطة عن طلب معالي الأمور أو السعي في تنمية الحاصل منها، والغرور قد ينشأ عن نعم معنوية وحسية موجودة بالفعل، لكن لم يُحسن صاحبها التعامل معها، ولم ينظر إليها بعين الشكر والتقدير كما ينبغي، بل اتخذها ذريعة للإخلاد إلى الأرض، واكتفى بالاعتداد بما عنده، ولا يكاد من وقع في هذه الإشكالية ينجو من آثارها السلبية ما لم يتمكن من التخلي عنها والانطلاق من جديد في درب الإنجاز الذي عُرف عن سالكيه بكفاءةٍ أنهم ينظرون إلى الأمام دائماً، ولا تُلهيهم الإنجازات عن التركيز على الزيادة.. ولي مع الغرور وقفات:
الأولى: الغرور مذمومٌ شرعاً، وحُقَّ له ذلك؛ فهو جهلٌ بما يجب على العبد أن يستقبل به مواهب الله تعالى عليه، سواء منها السمات الخِلقية التي خُلِقَ ممتعاً بها كتمام الخلق والصحة والعافية، وما ألهمه الله اكتسابه وأعانه عليه بفتح الأبواب الموصلة إليه من مالٍ وجاهٍ وعلمٍ وذريةٍ، وأقصى ما يُمكنُ أن يصله الغرور ألا يُقرَّ المغرور بأن النعمة التي نالها هي منحةٌ من ربه، ويُصرُّ على عزوها إلى مجرد الأسباب التي تعاطاها، كما فعل قارون لما ذكّره قومه بإحسان الله إليه بما حباه من كنوزٍ، فقال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عندِي)، ومثل هذا النوع من الغرور مُؤذنٌ بذهاب النعمة وحلول الحسرة، وقد قصَّ الله تعالى علينا قصصاً مُعبرةً من سرعة اضمحلال النعم بسبب الإفصاح بالغرور، وتنوع في القرآن الكريم ذكر سوء عواقب المغترين بأصناف النعم والإمكانات كاغترار قوم عاد بالقوى البدنية، واغترار صاحب الجنتين بكثرة ماله وعزة نفره، واغترار فرعون بالسلطة والنفوذ، وقد يكون الاغترار بالنعمة على وجهِ تَخَيُّلِ أنها غير مُمتعةٍ، فيتشوَّفُ الغامط لها إلى مواجهة التحديات التي أزاحتها عنه النعمة، كفعل أهل سبأ لما يسر الله عليهم العيش وجعل أسفارهم مريحةً، (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ).
الثانية: الغرور يبدأ بهاجس عُجْبِ الإنسان بإنجازه أو بمقوماته فيتمادى في ذلك مدعياً الفضل لنفسه، والعُجْبُ كغيره من أنواع الشعور يعتري أغلب الناسِ، لكن الموفق منهم لا يسترسل فيه، بل يقمعه ببعض الأسباب التي تُفضي إلى تلاشيه، ثم يُكملُ مسيرته بعافيةٍ، وأسباب تلاشي شعور العُجْب كثيرةٌ، أهمها استحضار ألا حول ولا قوة إلا بالله، ومنها التأمل في سير خواصِّ الناس وعِليتهم وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم أماثل الناس في كل مجالات الفضل، والـمُنعمُ عليهم الشاكرون لنعم الله تعالى، فما من مجالٍ من المجالات المرموقة التي يُمكن أن يُعْجَبَ فيها الإنسان بنفسه إلا وفي القرآن الكريم والسنة والسيرة وكتب التاريخ قصص للمبرّزين فيه إذا تأملها الإنسان تضاءلت عنده نفسه، وأيقن أن ما أحسَّ به وضخَّمه لا يُساوي شيئاً مما تحلَّى به غيره، فتنشغل نفسه بالنشاط لتحصيل ما أمكنه أن يُنجزه مما فاقوه به، ومن الناس من إذا حصل له هاجسٌ يكاد يُوقعه في العُجْبِ منَّ الله تعالى عليه بأن يُوقظه ويحول بينه وبين التمادي فيه بأن يحدث له موقفٌ معبِّرٌ عن ضعفه وأن ما أعجبه لا ينبغي أن يغترَّ به، وقد ذكر الماوردي أحد أعيان الشافعية قصة له من هذا القبيل، حاصلها أنه صنّف في البيوع كتابا كاد يعجب به وتصور أنه أشد الناس اضطلاعاً بعلمه، فسأله بعض العوامِّ عن بيعةٍ عقدوها، فلم يعرف جوابها، ثم ذهب السائلان لمن لا يُساوي في العلم بعض تلامذة الماوردي فأجابهم، قال: "فكان ذلك زاجرَ نصيحةٍ ونذيرَ عِظةٍ تذلَّل بها قياد النفس، وانخفض لها جناحُ العُجْبِ، توفيقاً مُنِحْتُهُ ورشداً أُوتيته".
الثالثة: كما أن النفس تؤزُّ الإنسانَ إلى الغرور فقد يُبتلى بأن يُسمعَهُ الناس من الإعجاب به وتضخيم شأنه ما يُدخلُ في قلبه العُجْب إلى أن يُصاب بالغرور، وكم من طالبٍ تعطل تحصيله، وظن أنه في غُنيةٍ عن الاجتهاد والمثابرة تأثراً بكلامِ ناسٍ أسمعوه من مديحه ما غرّه، فينبغي أن يتحفظ الإنسان عن أسباب الغرور، وألا يُعين النفس المتشوفة إلى العُجْبِ على المنجزين من المتعبدين والمحسنين وطلبة العلم وغيرهم، فإن أثنى فبما لا يصل إلى درجة التغرير، فهناك فرقٌ بين الثناء على المنجز وبين إغرائه بالعُجْبِ وإيهامه ألا مزيد على ما أحرز من الفضائل.
http://www.alriyadh.com/1983065]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]