المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثقلاء



المراسل الإخباري
11-20-2022, 19:43
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
يُحكى عن الشافعي قوله: أثقل إخواني على قلبي من يتكلف لي وأتكلف له، وأحب إخواني إلى قلبي، من أكون معه كما أكون وحدي، وهذا فيه إرشاد لمن أراد القرب من الناس وكسب ألفتهم..
لقد أُلفت فيهم كتب، وقيلت فيهم أشعار، وسيقت في طبائعهم أمثلة، فمن هم الثقلاء؟ عسى ألا أكون أنا ولا أنت منهم ونحن لا نشعر.
قد لا يكون أحد الثقلاء يفعل إلا ما ظاهره الصواب، ولم يقل إلا ما ظاهره أنه صحيح، ولكن بعض الناس تنفر منه لسبب لا تفسره الألفاظ، وكما قيل في الحب: أفسر ماذا والهوى لا يُفَسّرُ.
فكذلك كراهة الشخص لثقله لا يستطع تفسيرها الكلام، ولذلك كان مما أنعم الله به على نبيه - صلى الله عليه وآله وسلـم - هذا الوصف الجميل: "فبما رحمةٍ من الله لنت لهم، ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك". وفظاظة القلب هي الثقالة التي لا يستطيع المجالِس معرفة أسبابها ولا إدراك كنهها غير أنه ينفر من صاحبها، وفي موسى عليه السـلام، قال الله تعالى: "وألقيت عليك محبة مني".
وما زال بنو البشر ينتقون لمعاملاتهم ومجالساتهم وتجاراتهم "ذوي الطباع الخفيفة" والكلمة الرقيقة، وفي التنزيل الإشارة إلى التحلي بذلك في قول الله: "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن"، "وقولوا للناس حسنا". فاكتساب خفة الطبع الذي يحف معاملة الآخرين هو من "التي هي أحسن" فإن العطاء من كلام كان أو مال أو من أي شيء كان إذا اقترن بالكلام الجميل، وبنقاوة النفس وانشراح الصدر، فإن ذلك يكثر القليل، ويجمل الرديء، ويقبله الآخر بطيبة نفس، ومن أشعار عنترة التي قد تشير لذلك قوله:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ
بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
وثقالة الطباع في العطاء والكلام والمعاملات هي جزء من المذلة التي يصبر عليها من يتعامل معهم، فلولا الحاجة وضرورة الأخذ والعطاء لا انقطع عن الثقلاء كثير من الخلق، وفي الأثر المرفوع الذي صححه الحاكم: "إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق"، وليس ذلك في المعاملات والأخذ والعطاء، بل حتى في إبلاغ الدعوة والنصح والوعظ، نحتاج إلى تعلم واكتساب الخفة والقرب من السامع والمنصوح حتى ندنو إليه بطباعنا قبل ما نريد أن نقوله.
ومن فكاهات الأعمش كما يحكي عنه صاحب كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" قال: "خرج الأعمش ذات يوم من منزله بسحر، فمر بمسجد بني أسد وقد أقام المؤذن الصلاة، فدخل يصلي، فافتتح الإمام الركعة الأولى بالبقرة ثم في الركعة الثانية آل عمران، فلما انصرف قال له الأعمش: أما تتقي الله، أما سمعت حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أمّ الناس فليخفف فإن خلفه الكبير والضعيف وذا الحاجة، فقال الإمام قال الله - عز وجل -: "وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين"، فقال الأعمش: أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل.
ومن هذه القصص يحصل الكثير والكثير في المجتمع المسلم وقد ينفر عن الحق لثقالة حامله، ويؤخذ الباطل لخفة قائله، فأهل الحق أحق أن ينقوا طباعهم من الصفات التي تباعد بينهم وبين الأحبة، وبينهم وبين سائر الناس، ويحكى عن الشافعي قوله: أثقل إخواني على قلبي من يتكلف لي وأتكلف له، وأحب إخواني إلى قلبي، من أكون معه كما أكون وحدي، وهذا فيه إرشاد لمن أراد القرب من الناس وكسب ألفتهم، سواءً في الوعظ والنصح، أو في مواقع التواصل ومنصات البث، والقنوات الفضائية، فإن تكلف الطباع والخروج عن حقيقة الشخصية إلى شخصية متكلفة، يعد من أكثر الأسباب لبناء الحواجز بين المتجالسين والمتناصحين والمتصاحبين، وبالتالي شرود القلب عن الحضور، وافتعال وترقب فرصة الفراق والانصراف.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1983481]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]