المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحياة الزوجية



المراسل الإخباري
11-24-2022, 06:40
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
التعايش بين الناس مظنةُ الاحتكاك، واطلاعُ كل طرفٍ على بعض جوانب الضعف عند الطرف الآخر، وسببٌ لتقاطع طرق التفكير والاختيار بين الأطراف، ولتعارض بعض الرغبات والاهتمامات، ومن شأن ذلك أن يُثير شيئاً من الخلافات والمشادة..
الإنسانُ مفطورٌ على الحاجة إلى أمورٍ هي من قوام حياته، منها الضروري والحاجي والتكميلي، وما اقتضت الحكمة الإلهية حاجته إليه فإما أن يتعاطاه على وفق ما تقتضيه الحكمة، وإما أن يتهاون به وببدله إن كان له بدل، فيفوته من المصالح ما يسدُّهُ ذلك الفائت، ولو ادعى مدعٍ أن المتخلّي عن شيءٍ من هذه الاحتياجات كالمستفيد منها لكان العقل والحس شاهدي عدل على زيف دعواه، ومن احتياجات الناس الفطرية الحاجة إلى السكن بمعناه المعنوي، وهو من يسكن إليه الإنسان سكوناً تاماً لا حواجزَ فيه، وهو أحد الزوجين بالنسبة إلى الآخر، والحياة الزوجية ككلِّ مُكتسبٍ مُنتفعٍ به لا بد لتحصيلها واستبقائها من مكابدةِ مشاقِّ تحصيلِ الأسباب واستعمالها على الوجه المفضي إلى النتيجة، ثم الاحتفاظ بما اجتلب بها وإن استلزم ذلك صبر النفس على كثيرٍ مما يشقُّ عليها، ولا ينبغي أن يَهون ذلك السكن العظيم على الإنسان حتى يتسرع للتخلص منه بأدنى الأسباب، ولي مع خطورة التهاون بالحياة الزوجية وقفات:
الأولى: من الخطأ الفادح جعل فكِّ عقدة النكاح أداةً للعقوبة والتشفي؛ لأن هذه العقدة ميثاقٌ سامٍ يكفيه أهمية وصف الله له بالميثاق الغليظ، ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقوله: (فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ)، فما كان ميثاقاً غليظاً وبأمان الله وكلمته، فحقيقٌ به أن لا يُعرَّض للزوال بمجرد إظهار القدرة والغلبة، والنكاية بالآخر، على أن هذه النكاية ليست مقصورة على المطلقة ولا على المخلوع، بل الأعمُّ الأغلبُ أن انفكاك الزواج خسارةٌ للطرفين، وليس فيهما مُتربِّحٌ منه، والأسباب التي تكون مدعاة لقطع هذه العلاقة مأمورٌ بمدافعتها، فمثلاً: سخط الرجل شيئاً من أخلاق زوجته مدعاةٌ لطلاقها، وقد حُضَّ على التغاضي عن المسخوط ومراعاة غيره، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أخرجه مسلم، والمرأة لما شُرِعَ لها الخلع للضرر رُبِطَ ذلك بخوف أن لا يُقيما ما أُمرا به من حسن العشرة، (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، وليس معنى تشريع إزاحة المشقة عند حدوثها أن يستدرَّ الإنسان حصولها لتشهِّي ممارسة تلك الإزاحة، وهل مثل هذا إلا من قيل له: يسوغ التخلص من العضو المتآكل بالشروط المتقررة فسعى لإعطاب عضوٍ منه لكي يُمارس هذه الصلاحية مؤثراً نشوة لحظة اتخاذ القرار على مصلحة سلامة البدن.
الثانية: التعايش بين الناس مظنةُ الاحتكاك، واطلاعُ كل طرفٍ على بعض جوانب الضعف عند الطرف الآخر، وسببٌ لتقاطع طرق التفكير والاختيار بين الأطراف، ولتعارض بعض الرغبات والاهتمامات، ومن شأن ذلك أن يُثير شيئاً من الخلافات والمشادة، ولا سيما إذا كان التعايش في أضيق دوائرها، وأكثرها رفعاً للحواجز بالإطلاق وهو تعايش الزوجين، فمن الندرة بمكانٍ أن يخلو من نوبات مَعتبةٍ وغضبٍ على الأقل، والسبيل الأمثل لتخطي ذلك التحمل وابتغاء الحلول الناجعة، وتغليب المصالح العليا التي لا تُحصى على مشقة الإشكالات العابرة، وعدم تحميل المواقف أكثر مما تحمل، ومن النقاط الجامعة في هذا الصدد عدم التماس المثالية المطلقة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» متفق عليه، وإذا جرت المعالجة كما ينبغي فالأغلب إصلاح ما شاب البيت من الخلل إذا توفر القصد الصحيح عند الطرفين.
الثالثة: الأصل في الإنسان الاعتدادُ بأهله من زوجٍ وامرأةٍ وأقاربٍ، وقد يكون أحد الزوجين جارياً على هذا الأصل، والبيت يعيش في سعادةٍ وعافيةٍ حتى يُبتلى أحد الزوجين بمن يُغيِّرُ قلبه على شريكه، ويُخبِّبُهُ عليه، ويُبصِّرُهُ بعيوبه ومشكلاته، ويُضخِّمُ له ما قد يعترض طريقهما من الإشكالات، ولا يسع المخبب أو المخببةَ الإفصاحُ عن المنطلق السيئ للتخبيب، بل يتقنَّع كل منهما بقناع النصح والتوعية والتضامن، وتعاطي تخبيب أحد الزوجين على الآخر حرامٌ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَبَّبَ عَبْدًا عَلَى أَهْلِهِ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا» أخرجه ابن حبان في صحيحه، ولا يجوز لأحد الزوجين أن يُصغي إلى المخبب، بل يجب عليه أن يبتعد عنه ويسد الطريق أمام محاولاته، ولا ينبغي له أن يغترَّ بما قد يبدو في أثناء وسوسته من تشخيص بعض المشكلات التي يتسبب فيه الآخر، وإبراز ظالميته، فهو لا يذكرها لكي يعالجها، بل ليستغلها استغلالاً سيئاً.




http://www.alriyadh.com/1984109]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]