المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم الاجتماع الديني - الثقافي ومنهجية تفكيك القيم



المراسل الإخباري
11-25-2022, 13:39
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن الوهم السائد بحيادية الأفكار لا وجود له فالأفكار تقوم على أساس نظري وفكري يدخل في مجال الأيديولوجية والنظرة الكونية الشاملة لذلك قد توقع المتلقى في تبني فكر مختلف عن فكره من غير أن يعلم فالأفكار موجهة ليس إلى التكنولوجيا وتيسير الحياة المادية فقط ولكنها موجهة إلى تفسير الكون والعالم الذي نعيش فيه عند ذلك يكون التلقي الناقد ضرورياً وعقلانياً..
ينظر مؤسس علم الاجتماع الديني والثقافي الدكتور ماكس فيبر إلى أن البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحديثة لا تستطيع التعايش مع القيم والغايات الدينية والأخلاقية.
ويرجع ذلك إلى عجز القيم الدينية والأخلاقية عن مقاومة ضغوط الواقع الحديث ومغرياته والذي لا يقيم وزنًا للقيم الدينية والأخلاقية.
ولذلك يرى أنه يتعذر التعايش بين المسلمات الدينية والأخلاقية القائمة على مفردات السلوك والأخلاق الإنسانية وبين النظام الرأسمالي الحديث القائم على الاستئثار والصراع.
والذي يؤدي في النهاية حسب رؤيته إلى انتصار القيم الدنيوية على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية.
وإن كان الدكتور ماكس فيبر ينطلق في رؤيته من الفلسفة اللادينية ولا سيما في تشديده على عجز الدين عن مغالبة البنى الاقتصادية الاجتماعية التي يرى من وجهة نظره أنها تبتلع الفرد قسرًا، وتوظف الدين وكل شيء داخل منطقها الصارم، إلا أنه يوجد فارق كبير بين فلسفة فيبر واعتقادات سلفه ماركس، ففيبر يمنح الدين دورًا ما في تغيير الواقع وتحديد وجهته لبعض الوقت وإن كان دوراً مؤقتًا لا يقوى على مسايرة الواقع الذي كان له مساهمة في صنعه.
ولكن إذا ما نظرنا إلى تعريف الدين عند كبار منظري الغرب لا نراه يأخذ طابعاً حيادياً أو علمياً فمثلاً دور كايم يعرف الدين بأنه نسق من العقائد والمسلكيات وبرغم أنه لا يقيم وزناً للديانات إلا أنه يحيل إلى المسيحية، وكذلك هيجل وفيبر فأغلب فلاسفة واجتماعيو الغرب الحديث رغم مناهضتهم للمسيحية فإنهم لا يترددون في التأكيد على تميز الفكر المسيحي أو التاريخ المسيحي الروماني وبالذات إذا ما تعرض الأمر إلى مقارنات مع ديانات أخرى.
وقد تعرض إلى ذلك كتاب آراء جديدة في العلمانية والدين والديمقراطية والذي لفت الانتباه إلى أن الدكتور فيبر حينما يتحدث عن عقلنة الدين، على نحو ما يتجسد ذلك في البروتستانتية فإن مصطلح العقلنة هنا يجب أن يؤخذ بشيء من التحفظ لأن هذه العقلنة تظل من وجهة نظره جزئية وناقصة حتى في أكثر أشكالها تماسكًا فهي في حصيلتها النهائية عبارة عن عقلنة ما هو غير عقلاني في جوهره.
وعلى الرغم من أن الدكتور فيبر يقيم علاقة وثيقة بين نشأة النظام الرأسمالي الحديث والحركة البروتستانتية إلا أنه مع ذلك ينبه على أن هذه العلاقة ليست من طبيعة سببية بقدر ما هي علاقة توافقية.
وبصيغة أخرى يمكن القول إنها أميل لأن تكون علاقة تقاطع والتقاء مؤقت من كونها علاقة سبب ومسبب فهي علاقة بين الروح البروتستانية التي تؤمن بأن العمل المتقن والتقشف المالي سبيل للخلاص الديني وبين النظام الرأسمالي الذي ينشد الربح المادي دونما اهتمام يذكر بالغايات والأهداف الكبرى وعلى هذا الأساس يقول فيبر بأن الحركة البروتستانية قد زرعت البذور الأخلاقية التي ساعدت على نشأة النظام الرأسمالي، ولكنها مع ذلك لم تقوَ على مسايرة العالم الرأسمالي الحديث لمصلحة رهاناتها الدينية بل جرت الأمور في الخط المعاكس إذ في النهاية ابتلع النظام الرأسمالي البروتستانية ووظفها لمصلحته.
لقد نفثت الحركة البروتستانتية روحها في مختلف المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية فضخت فيها طاقتها الدينية، ولكن هذه المؤسسات اتجهت تصاعديًا نحو امتصاص هذه الطاقة الدينية قبل أن تستقل لاحقًا بحركتها الذاتية وعلى هذا الأساس تحولت البروتستانتية إلى أولى ضحايا العالم الذي كانت سببًا في نشأته وظهوره، لأن المنظومة الرأسمالية الضخمة بجهازها البيروقراطي الصارم، وروحها التنافسية القاسية، على ما يذكرنا به فيبر، لا تعرف معنى للمشاعر الفردية أو الأخلاقية الدينية، ولا تقيم وزنًا إلا لقيمتي الربح والمردودية العملية في هذا العالم.
وهنا يؤكد الاجتماعي الألماني الدكتور فيبر أن النظام الرأسمالي هو عبارة عن بنية عقلانية باردة، ومنظومة صارمة تتجاوز نطاق الأفراد والمجموعات، مثلما تتجاوز الرهانات الدينية والفكرية، ومن ثم تضع الإنسان الحديث أمام خيارين قاسيين لا ثالث لهما:
إما قبول المنظومة الرأسمالية والتكيف مع متطلباتها، ومن ثم التحول إلى مجرد قطعة صغيرة ووظيفية في الآلة الرأسمالية الضخمة. وإما الانتهاء إلى التهميش.
وعلى هذا الأساس فإن النظام الرأسمالي ينتهي إلى الانفصال تدريجاً عن التأثيرات الدينية التي كانت عنصراً فاعلاً في نشأته. وما يصح في مجال الاقتصاد يصح على حد كبير في مجال السياسة.
ولذلك فالإنسان الحديث اليوم يلجأ الى الحقل الجمالي والمتع الحسية لسد فراغه الروحي وترميم دواخله النفسية المنهكة، وذلك بديلاً من التهدئة الروحية التي كانت تمنحها الأديان والعقائد الكبرى. وهكذا تحل الطاقة الخارقة للفن والمتع الجسدية الدنيوية محل الطاقة الخارقة للدين التي كان يلجأ إليها الإنسان ما قبل الحديث.
وإن كانت تكتنف القراءة الفيبرية مناحي التشاؤم كما تلفت الانتباه إلا أن منظومة الأشياء والوسائل الحديثة أصبحت الموجهة للأفكار فصار نمط الحياة الحديث بنظمه ووسائله وأدواته وإجراءاته طارد للدين ولم يعد للدين أو الثقافة أو الأفكار سلطة على الحياة وإن كان فيبر يمتح أفكاره من مدرسة نيتشه وكانط إلا أنه متأثر بالنزعة العدمية فمجمل أطروحاته الاجتماعية تقوم على عقلنة الكون رغم أن ما يحاول عرضه مجرد إرث مسيحي روماني ماركسي أعيد بناؤه في قالب نظري وفكري يبدو للوهلة الأولى وكأنه نسق فكري جديد.
فالموقف النقدي: يفرض على المتلقي تمحيص الأفكار إذ إن الوهم السائد بحيادية الأفكار لا وجود له فالأفكار تقوم على أساس نظري وفكري يدخل في مجال الأيديولوجية والنظرة الكونية الشاملة لذلك قد توقع المتلقى في تبني فكر مختلف عن فكره من غير أن يعلم فالأفكار موجهة ليس إلى التكنولوجيا وتيسير الحياة المادية فقط ولكنها موجهة إلى تفسير الكون والعالم الذي نعيش فيه عند ذلك يكون التلقي الناقد ضروريًا وعقلانياً لنقد تلك المفاهيم المشوشة والإبانة عن الموقف الصحيح لمعرفة المغزى والدلالة المنهجية التي تنطوي عليها تلك الأفكار.
وهي ضرورة منهجية لتمييز معنى الدين وفصله عن تلك التطبيقات المشوهة والمغرضة والمنحرفة.




http://www.alriyadh.com/1984269]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]