المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فنون الأطفال ذاتية أم موضوعية؟!



المراسل الإخباري
11-25-2022, 13:39
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إنّ الطفل في محاولاته لتحريك القلم والفرشاة، يصبو إلى استهجان الأشكال التي تتحرك في مخيلته، ولكنه هنا لا يصل إلى كنه الصورة، فلا يستطيع أن يجسدها، وقد تبدو له مجسدة؛ فهو يكمل الأبعاد الخطية في مخيلته النشطة كما هي الحال عند الرجل البدائي..
إن سيكيولوجية الطفل تبدأ في التعبير عن نفسه منذ ميلاده فهو يبدأ برغبات غريزية معينة لا بد له من إبلاغ العالم الخارجي بها، وهو عالم تمثله الأم في البداية تمثيلاً يكاد يكون تاما، ومن ثم فإن أول صيحاته وحركاته تكون لغة بدائية يحاول الطفل بواسطتها الاتصال بالآخرين.
يقول أحد الباحثين في علم الجمال: فالأطفال شأن وشأن الحيوانات والبدائيين في ذلك، يخبرون الحياة خبرة مباشرة، وليس عن مسافة عقلية؛ ولا بد لهم في الوقت المناسب من فقدان هذه البدائية، كما ذكر هلبرتريد في كتابه التربية عن طريق الفن.
يبدأ الطفل بالالتحام بالعالم الخارجي شيئاً فشيئاً، متطوراً مرحلياً بما يسمى بالبدائية والتلقائية في التعبير، وهو التحام يصعب عليه للغاية، وخصوصاً بعد مرحلة الفطام أو انفصاله عن عالم الأم التي تمثل العالم بالنسبه له في بادئ الأمر، وقد يكون أول هذا التعبير هو الرسم مثلاً، فتقول الدكتوره "مو تنسورى": إن الرسم لا يمكن أو لا ينفي أن يُعلِم، وإنما ينبغي أن يكون نشاطاً تلقائياً أي تعبيراً عن ذات الطفل نفسها وأفكار الطفل نفسها.
وهي طبيعة النشاط الذي يواصله الأطفال عندما يقع في أيديهم قلم رصاص أو فرشاة رسم ويقبلون على الرسم، ولا خفاء في أنهم بقدر ما يتصرف هؤلاء الأطفال بمحض إرادتهم الحرة يكون نشاطهم تلقائيا، إذ نجد أن هناك حرية مطلقة وتلقائية دون قيود؛ ينشدها الطفل دون أن يسعى إليها، إنما تأتي إليه طواعية نابعة من وجدانه ودواخله الانفعالية، كل هذه الطواعية تأتي لعباً، فهو يلعب.. واللعب هو أسمى الوجدانيات في حرية الانطلاق الصادق، ثم يقول" هلبرتيد" في كتابه التربية من أجل الفن: "إن اللعب أغلى نوع من أنواع التعبير عن التطور البشري لدى الطفل، وذلك وحده هو التعبير الحر عما يوجد في نفس الطفل فهو أنقى ما ينتجه الطفل من ثمرات وأشدها، كما أنه في الوقت نفسه يعد طرازا ونسخة من الحياة الإنسانية في كل مراحلها وجميع علاقاتها".
والطفل في بداية مراحله البدائية يحقق ما يسمى بالسعادة التي ترافق هذه العملية التلقائية الحرة، فالطفل الصغير يبتهج باستطاعته تحضير صور بالتخيل، فثم عرض عسكري أو سيرك أو رحلة بالقطار أو حتى مشهد منزلي تافه، وكل منها يلاحقه أياماً أو أسابيع كاملة، فتزوده بمواد تثير اهتماماً عظيماً لديه أثناء مناشط لعبه.
وكثيرا ما يصعب إقناعه لضرورة عدم تصديق هذه الصورة القوية؛ فهو يتفاعل معها بنفس الجدية التي يتفاعل بها مع الموقف منبه حقيقي، فنرى الرعب يملأ نفسه من الصورة التي كونها الحيوان الضار، كما أنه يقلد وساعات متتالية يقود إلى الرضا والسعادة بصحبة رفيق اللعب الخيالي، كما أنه يصر جازما بصدق وجود أشد رؤاه؛ إمعاناً في الخيال.
إنها بلغة القوة عند بعض صغار الأطفال الذين بيد أنهم يقضون سنوات عديدة يجدون فيها صعوبة في التمييز بين العالم الذاتي والعالم الموضوعي".
إن الطفل في محاولاته لتحريك القلم والفرشاة، يصبو إلى استهجان الأشكال التي تتحرك في مخيلته، ولكنه هنا لا يصل إلى كنه الصورة، فلا يستطيع أن يجسدها وقد تبدو له مجسدة؛ فهو يكمل الأبعاد الخطية في مخيلته النشطة كما هي الحال عند الرجل البدائي، سيتوقع أي واحد منا أن الرجل البدائي شأنه شأن الطفل، سيحاول قبل كل شيء تمثيل الشيء كما يراه في وضعه الطبيعي والمتماثل، منذ ذلك الحين ونحن نرى الأشياء مثل المدلول والدرجة اللونية والضوء والظل، والتمثيل الفني بصورة أكثر مباشرة وبداهة، ولذلك يبدو الأمر غريبا وعندما نلاحظ أن الطفل ورجل الكهف شرعا بواسطة التجريد، انطلاقا من الواقع ونفذا مخطوطات عريضة توضيحية لشيء؛ إنهما ينفذان تصويراً تمثيلياً وليس نسخة طبق الأصل".
فالأطفال الذين أوتوا القدرة على أشد التصورات خصوبة، يبدؤون في أن يكونوا ذاتيين صرفا، وأنهم يكتسبون نظرة موضوعية إلى العالم بغاية البطء والمشقة.
ربما حدث أن بعض الأفراد ينجحون في القضاء التام على إدراكاتهم ووجداناتهم الذاتية، على أن الكائن البشري المتكامل يتكامل اجتماعيا ينتقل بين الحالات العقلية أو لحظات الانتباه الموضوعية والذاتية، وبقدر ما يسيطر هذا الاتجاه أو ذاك على أي فرد بعينه يمكن وصف ذلك الفرد من الطراز الموضوعي أو الذاتى.
إن الطفل كالرجل البدائي كلاهما تحركهما طاقة فطرية خارقة يجب الانتباه إليها كما تحمله خطوطهم من قيمة فنية عالية.
يجد المرء نفسه أن نسبة مئوية خارقة الارتفاع هي في الواقع غالبية الأطفال تحرز نتائج في الرسم والتصوير والفنون التشكيلية التي يعترف الكل أن وراءها قيمة فنية عالية.
أتذكر وأنا عضو لجنة تحكيم في فنون القارات الخمس للطفل، أن اللوحة الحائزة على المركز الأول كانت لوحة رسمتها طفلة بشكل عشوائي بقلم الرصاص وبشكل بدائي، ثم لونت وردة حمراء برأس الطفلة مع الاعتماد الكلي على قلم الرصاص الحر الجريء الذي يجري بعفوية في كل اتجاه! وبعد المسابقة اشترت ألمانيا نسخة للوحة البريئة بمبلغ باهظ، لتطبعها على أقمشة ستائر غرف الأطفال ثم طبعتها بالفعل وشاهدت تلك الأقمشة بعد طباعتها، حقيقة إنه كان عالما رائعا، وشيئا مذهلا للغالية!




http://www.alriyadh.com/1984270]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]