تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المعرفة تتحدى المستغل



المراسل الإخباري
12-08-2022, 07:01
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
قد يساعد كثيرٌ من الناس المستغل من حيث لا يشعرون، وذلك بنزع الثقة من الحقيقة التي استغلها المتلاعب، وظهر على يديه زيف النتائج، والزهد في معالي الأمور وأنواع العلوم والمهارات بسبب إخفاقات من يتعاطاها لمآربه ما هو إلا مساعدة لذلك المتلاعب؛ لأنه اعترافٌ بأنه من أهل هذا المجال وأنه مارسه كما ينبغي..
العاقل من يحترم الثوابت والحقائق والمعارف، ويتحاشى العبث بها، والتقليل من شأنها، ويدرك أنها وسيلةٌ لسير حياة الناس على السداد، ويفي لها بما تستحق من التقدير والاحترام، ولا سيما ما تعلق منها بالدين والشرع، وما هو آلة لحفظ الضروريات من المعارف التي تخدم أمن الناس في أبدانهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم، وما هو آلة لتحصيلهم لحاجياتهم من المعارف التي لا تستغنى عنها الحياة في شتى نواحيها، ولا تتحقق عمارة الأرض بدونها، والمغفل من يجهل أو يتجاهل أهمية الإبقاء على أبهة تلك الحقائق ولا يرعى لها حرمتها، بل يتجاسر على محاولة النيل منها بأي طريقةٍ أمكنته، ولا يفكر في أنها -بإذن الله تعالى- مأمن له يستظل بوارف ظلها من حيث يشعر أو لا يشعر، ولو اتبع الناس كلهم منهجه فضربوا بقواعد العلوم والمعارف عرض الحائط لاستحالت الأرض غابة لا تُحفظُ فيها حرمة، ولا يكفُّ فيها أحدٌ عما اشتهاه وقدر عليه، وهل الفرق بين مجتمعات البشر وحيوانات الغابة إلا بوجود الضوابط والحدود التي ترسمها العلوم والأنظمة والأعراف؟ ولي مع تحدي المعرفة للمستغلين وقفات:
الأولى: استغلال المعارف دليلٌ على الجهل، لكنه جهل من نوعٍ خطيرٍ ليس هو الغالب على عوام الناس، فالكثير من عوام الناس عصمهم الله من هذه الورطة بالإقبال على شؤونهم والاشتغال بأعمالهم على حسب قدراتهم واهتماماتهم، ولا خوف عليهم في هذا الباب إلا من خلال إمكانية ثقتهم بمن لا ينبغي أن يوثق به، وأما المستغل فهو فاشلٌ حتى فيما نجحت فيه العامة من الأشغال النافعة والمكاسب المعتادة، فأراد أن يتذاكى ويترفع بالتربح في استغلال حب الناس للمعارف وتوقهم إليها، وهان عليه أن يُعرِّضَها لهذا؛ لأن من جهل شيئاً عاداه، والعالم -حقّاً- محبٌّ لما تعلمه حريصٌ على نقاء منبعه وخلوصه من كل كدر؛ لأنه يعرف قيمة العلم في نفسه، وأن اللعب به أبعد ما يكون عن أن يسمح به، ويعلم ضخامةَ وتنوعَ ما يبذله أهل العلم وذووهم ومربّوهم من أساتذةٍ وهيئاتٍ تربويةٍ ومصنفي الكتب من جهودٍ وتضحيةٍ ومثابرةٍ ليصل إلى ما وصل إليه من معرفة، وهذا ما يجعله يربأ بالعلم عن أن يُمتهن بالاستغلال.
الثانية: يُغرَى المستغل بحقيقةٍ ثابتةٍ فيستخدم ما يزعم أنه قواعدها في موضوعات محسوسة الأثر، ويظهر للعيان عدم إنتاج تلك القواعد، ومن أمثلة ذلك ما يُولعُ به بعضهم من التلاعب بتأويل الرؤى المنامية في بعض المناسبات التي يتحمس الناس فيها لما يترقب حدوثه، ولا شك في خطأ كثيرٍ من تلك التأويلات؛ لأنها لم تُبنَ على علمٍ ولا قاعدةٍ، وإنما هو استغلالٌ عابرٌ أراد فاعله كسب الشهرة أو أي مأرب آخر وراء هذا ولو في ظرفٍ يسيرٍ قبل انكشاف زيف دعواه، أو أنه يُراهنُ على ضربة حظٍّ فقد ينجلي الأمر على حسب ما تقوله رجماً بالغيب، وسيبقى لتأويل الرؤيا الصادقة ذا مصداقية بشروطه وضوابطه، وليس بوسع المتلاعب أن يزحزح تلك الحقيقة عن محله، فهذا علمٌ جليلٌ تفاءل نبي الله يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام بأن يناله فقال: (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ)، وحمد يوسف عليه السلام ربه على هذا التعليم فقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)، ولو كان المغرى باستغلاله عالماً لاحترم هذا العلم أشد الاحترام، كما هو سيرة العلماء، وقد قيل للإمام مالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب.
الثالثة: قد يساعد كثيرٌ من الناس المستغل من حيث لا يشعرون، وذلك بنزع الثقة من الحقيقة التي استغلها المتلاعب، وظهر على يديه زيف النتائج، والزهد في معالي الأمور وأنواع العلوم والمهارات بسبب إخفاقات من يتعاطاها لمآربه ما هو إلا مساعدة لذلك المتلاعب؛ لأنه اعترافٌ بأنه من أهل هذا المجال وأنه مارسه كما ينبغي، وكان الخلل في الوسيلة لا في المستعمِل لها، وهذا جزءٌ من مآربه، فاللوم هنا ليس عليه وحده، بل يُشاركه فيه أهل هذه الصناعة، والذي يجب على المتابع أن يجعل هذا الخلل الحاصل في النتائج إذا اكتنفته أمارات التلاعب وتعمد الاستغلال أمارةً على أن هذا جاهلٌ أو متجاهلٌ يندسُّ فيما لا شأن فيه، وتبقى الحقيقة ثابتة متحدية لذلك المستغل، ناصعة الأثر كلما أحسن الناس استخدام قواعدها، ويبوء المستغل بالخيبة وسوء السمعة، وهذا منطبقٌ على كل مستغلٍّ لعلمٍ شريفٍ أو ديانةٍ أو عرفٍ أو أي سببٍ محترمٍ، وعصرنا يعجُّ بمن ينتهزون الفرص فيتاجرون بكل ما يرون أنه يعود عليهم بالفائدة العاجلة مادية أو معنوية، وتفويت تلك الفرص عليهم لازم.




http://www.alriyadh.com/1986301]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]