المراسل الإخباري
12-10-2022, 06:09
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png ينشأ التفكير البيني من أدق الأمور، ويولد من رحم تفاصيل صغيرة، إذ قد نراه في تشبيه، أو في مقابلة، أو في توافق، أو في طريقة، أو في عنوان، أو في بيتٍ شعري، أو ما شابه ذلك، ويظهر أن هذا التفكير البيني، أو ما يطلق عليه بعضهم (التداخل التخصصي) ملحوظ منذ القديم، منذ أن كان الإنسان يكتب ويرسم في آن، ويؤرخ ويترجم، وينقل الأخبار، والأشعار، ويجعل التراجم مسرحاً لاستعراض ظواهر وشخصيات ذات مسارب مختلفة، ومشارب متعددة، إلى أن أصبحت البينية اليوم اتجاهاً واضحاً، غير أنه لم يلق حظه من الرصد والاهتمام، مع وفرة نماذجه وتدفقها؛ ولعل السبب في ذلك يعود إلى أمرين في نظري هما: عدم منهجة تلك البينية والتأسيس لها، وكذلك عدم الاعتراف بها اتجاهاً معرفياً (أبستمولوجيا)، يضيف للعلوم والمعارف، ولا أدري لماذا لم يلتفت إليها النقاد بوصفها منهجاً نقدياً، أو اتجاهاً معرفيّاً على الأقل، أسوة بالمنهج التاريخي، والنقد الثقافي، ونحوهما.
ولأن أكثر النقاد القدامى لم يتفطنوا لهذه البينية؛ فقد عاب أحدهم على أبي تمّام استعماله كلمة (كيمياء) في قوله: "مازال يمتحن العلى ويرُوضُها / حتّى اتّقته بكيمياءِ السّؤددِ"، وإن كان آخرون لا يرون فيها ما يعيب، وقد سوّغ بعضهم لذلك الاستعمال بأن كيمياء كلّ شيء جوهره، ومن يبحث في ديوان أبي تمام يلمس استعماله لهذه الكيمياء واضحاً في غير موضع، وهذا الاستعمال هو ما جعل الآمدي (371هـ) الذي كان يوازن بين البحتري وأبي تمام، وكان يميل أحياناً مع الأول ضد الثاني، يقف عند هذا الكلمة، ولم ير فيها ما يشين، وقد صرّح بذلك قائلاً: "قد أنكر عليه قوم (كيمياء السّؤدد)، واستهجنوه، وليس عندي بمنكر، لأنّه أراد بكيمياء السّؤدد، أي سرّ السّؤدد، الذي هو أخلصه وأجوده"، غير أن هؤلاء النقاد - على أي حال - لم يشيروا إلى بينية هذه اللفظة مع الشعر ولو إشارة عابرة.
من هنا رأيت الانطلاق من الجذور الأولى، وذلك من خلال محاولة التنبه لهذا اللون من التفكير، ورصد بواكيره، ومعرفة بذوره وجذوره، فمن ذلك أن يجيء في بيت شِعرٍ كما ألمحنا عند أبي تمام، ومن ذلك أن يجيء العنوان ذا أثر بيني، كما في مُثلّثُ قُطْرُب، ومُرَبّع قِريمَاس في بعدهما الرياضي الهندسي، فأما المثلث فهو نظم ينهض على الجمع بين ثلاث كلمات، تتغير معانيها بتغيّر حركات الكلمة دلالياً وصرفيّاً، وقد عُرف هذا النظم بمثلث قطرب، نسبة إلى صاحبه اللغوي أبي علي محمد بن المستنير بن أحمد البصري (ت 206هـ)، أحد الذين اختلفوا إلى سيبويه، وتعلموا منه، ويظهر أن سيبويه هو من لقّبه بقطرب، عندما قال له: ما أنت إلا قطرب ليل.
وربما يكون (مربع قريماس) أكثر بينيةً من النموذجين السابقين، ولا سيما في تواشج النقد مع الحقل الهندسي الرياضي، وهذا المربع أنموذج نقدي يُستخدم للتطبيق على النصوص السردية، يعتمد على إظهار النقاط المتقابلة، وما يتقاطع معها، وما يصاحب ذلك من تطور حركة عناصر السرد وانتقالاتها من زاوية إلى أخرى، وقد سمي بذلك؛ لأنه يتشكل من خلال أربع زوايا، تمثل زاويتي الشيء ونقيضه، وزاويتي نفي الشيء ونفي نقيضه؛ لهذا كانت بينيته أعمق، ونماذج البينيات أكثر ما أن يلمها مقال.
http://www.alriyadh.com/1986656]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
ولأن أكثر النقاد القدامى لم يتفطنوا لهذه البينية؛ فقد عاب أحدهم على أبي تمّام استعماله كلمة (كيمياء) في قوله: "مازال يمتحن العلى ويرُوضُها / حتّى اتّقته بكيمياءِ السّؤددِ"، وإن كان آخرون لا يرون فيها ما يعيب، وقد سوّغ بعضهم لذلك الاستعمال بأن كيمياء كلّ شيء جوهره، ومن يبحث في ديوان أبي تمام يلمس استعماله لهذه الكيمياء واضحاً في غير موضع، وهذا الاستعمال هو ما جعل الآمدي (371هـ) الذي كان يوازن بين البحتري وأبي تمام، وكان يميل أحياناً مع الأول ضد الثاني، يقف عند هذا الكلمة، ولم ير فيها ما يشين، وقد صرّح بذلك قائلاً: "قد أنكر عليه قوم (كيمياء السّؤدد)، واستهجنوه، وليس عندي بمنكر، لأنّه أراد بكيمياء السّؤدد، أي سرّ السّؤدد، الذي هو أخلصه وأجوده"، غير أن هؤلاء النقاد - على أي حال - لم يشيروا إلى بينية هذه اللفظة مع الشعر ولو إشارة عابرة.
من هنا رأيت الانطلاق من الجذور الأولى، وذلك من خلال محاولة التنبه لهذا اللون من التفكير، ورصد بواكيره، ومعرفة بذوره وجذوره، فمن ذلك أن يجيء في بيت شِعرٍ كما ألمحنا عند أبي تمام، ومن ذلك أن يجيء العنوان ذا أثر بيني، كما في مُثلّثُ قُطْرُب، ومُرَبّع قِريمَاس في بعدهما الرياضي الهندسي، فأما المثلث فهو نظم ينهض على الجمع بين ثلاث كلمات، تتغير معانيها بتغيّر حركات الكلمة دلالياً وصرفيّاً، وقد عُرف هذا النظم بمثلث قطرب، نسبة إلى صاحبه اللغوي أبي علي محمد بن المستنير بن أحمد البصري (ت 206هـ)، أحد الذين اختلفوا إلى سيبويه، وتعلموا منه، ويظهر أن سيبويه هو من لقّبه بقطرب، عندما قال له: ما أنت إلا قطرب ليل.
وربما يكون (مربع قريماس) أكثر بينيةً من النموذجين السابقين، ولا سيما في تواشج النقد مع الحقل الهندسي الرياضي، وهذا المربع أنموذج نقدي يُستخدم للتطبيق على النصوص السردية، يعتمد على إظهار النقاط المتقابلة، وما يتقاطع معها، وما يصاحب ذلك من تطور حركة عناصر السرد وانتقالاتها من زاوية إلى أخرى، وقد سمي بذلك؛ لأنه يتشكل من خلال أربع زوايا، تمثل زاويتي الشيء ونقيضه، وزاويتي نفي الشيء ونفي نقيضه؛ لهذا كانت بينيته أعمق، ونماذج البينيات أكثر ما أن يلمها مقال.
http://www.alriyadh.com/1986656]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]