المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معايير القبول والرد



المراسل الإخباري
12-29-2022, 04:08
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
القبول والرد حكمان لا بد لهما من مستند يتقرران به، وبناء على هذا فهما متوقفان على وجود عارف قادر على النظر في الدليل المفضي إلى القبول أو الرد، وكون مجال القبول أو الرد مما لذلك العارف صلاحية الكلام فيه..
يستحق الشيء أن يُقابَل بالقَبول؛ لاشتماله على مصلحة دينية أو دنيوية معتبرة شرعاً، ولجريانه على القواعد العقلية أو العرفية العامة أو الخاصة، ويستحق أن يُقابَل بالرد إذا ترتبت عليه مفاسدُ راجحة في المعاد أو المعاش، أو عارض ما تقرر عند العقلاء وما تَعارف عليه الناس في أمورهم، ورد ما استوفى معايير القبول إعراضٌ عن سبل الفلاح، وإهدار لفرص الخيرات، وقبول ما يستوجب الرد سلوك لدرب الضياع، وَتِيهٌ في مَفاوز الهلاك، وإذا كان كذلك فلا بدّ من وقوف الإنسان عند مقدار علمه فيما يقبل وما يرد، والاستبصار بآراء أهل المعرفة في كل مجال، ومزاج المتَلَقِّي بمعزل عن أن يتدخل في القبول والرد تدخلاً يُؤبَه به، ومن الخطورة بمكان اعتِياد ثقافةِ الحكم التِّلقائي بالأخذ أو الرفض من غير اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك، ومن كانت تلك عادته لم يخْل من الندم على سوء القرار، وقد يكون ندمه من جنس ما لا يجد صاحبه فرصة للتعويض، ولي مع خطورة تلقائية القبول أو الرد وقفات:
الأول: القبول والرد حكمان لا بد لهما من مستند يتقرران به، وبناء على هذا فهما متوقفان على وجود عارف قادر على النظر في الدليل المفضي إلى القبول أو الرد، وكون مجال القبول أو الرد مما لذلك العارف صلاحية الكلام فيه، وإذا فقد شرط من هذين الشرطين لم يَعْدُ قوله أن يكون تطفلاً لا طائل من ورائه، أما شرط المعرفة المؤهلة للنظر؛ فلأن المتكلم بدونها راجمٌ بالغيب، مُغرّر لنفسه ولمن يسمع أحكامه، والشرورُ والانقسامات التي عانتْ منها الأمة ما هي إلا نتاج الرد غير الموزون بالعلم، والأحكامِ الصادرة من عوامَّ لم يلتزموا بواجبهم من الاستماع والإصغاء إلى أهل العلم المجتهدين وأولي الأمر المعتبرين، كمبادرة الخوارج برد قرار الخليفة علي بن أبي طالب بالتحكيم، وهم مكفيُّون أمرَ النظر في ذلك فهذه قضية يتولاها مجتهد هو من أعلم الأمة وأفضلها، وأما شرط أن تكون للمتكلم صلاحية الكلام في الموضوع؛ فلأن من الشؤون ما حُصِرَ الأخذ والرد فيه على ذي سلطة موكول إليه الأمر، كالشأن العام وشؤون السياسة والأحكام القضائية، فلا يُخوِّل العلم صاحبه أن يتكلم في شيء من هذا إلا أن يتولى النظر فيه ممن له سلطة التولية، وإلا فلو تدخل العالم غيرُ القاضي في القضايا القضائية بمحاولة الأخذ والرد فيها لتعاطى ما ليس من شأنه.
الثاني: من لطف الله بالناس أن لم يسوّغ لكل فرد من الأمة توليَ الحكم بالقبول أو الرد؛ لأن مَدَاركَهم متباينة، وقسمة الأفهام بينهم متباينة، فكان من مصلحتهم أن يكون أهل الفهم والفطانة واسطة بين العامة وبين المعارف، فيبين العلماء الربانيون أحكام الشرع، ويُفتون المستفتيَ، ويرشدون الحيرانَ، وينظر السلطان في شؤون السياسة وما يتعلق بحِيَاطة الدولة والذبِّ عنها، ويتولى الطبيب بيان ما تحفظ به الصحة وما تتأثر به سلباً، ويقال مثل ذلك في البقية، ولا يستثقل العقلاء وساطة َكل صنف من هؤلاء في مجاله، وإنما يستثقله أهل الجهالة وقاصرو الأنظار، وربما أدرك بعض الناس ضروريةَ الرجوع إلى كل ذي معرفة في الشأن الذي برز فيه، لكنه يزهّد من ذلك، ويقلل من شأن صاحب الشأن، ويلصق به أنواعاً من التهم بالقصور أو التقصير؛ ليجعلها مُهدرة لشخصية تلك المرجعية؛ وإنما يصنع هذا من ينطوي على الغش للناس وإرادة السوء لهم، ويعرف أنهم بخير ما فوضوا كلَّ أمر إلى من هو أهل للقيام به، وهذه سلعة زائفة حاول الحزبيون والمارقون عن الجماعة تسويقها، وقد لحق بها البَوَارُ بحمد الله تعالى.
الثالث: يجب الوعي بأن القبول والرد فيما يتعلق بالأحكام الشرعية منه ما يمكن أن يلقن العاميُّ مبادئه فيقبل لنفسه ويرد لها بشكل مستمر، وهي الأحكام التعبدية المحضة، سواء كانت أفعالاً أو تروكاً، وهذه يتعبد الإنسانُ فيها بما تقرر شرعاً، وفي بعض فروعها خلاف سائغ يأخذ فيها الإنسانُ بما توصل إلى حقِّيَّته بنفسه أو بواسطة عالم موثوق به، والتصرف فيها بالنقص والزيادة والتزام ما لا يلزمه الشرع بابٌ من أبواب الابتداع، ومنه ما يكون كل من القبول والرد فيه اجتهاديّاً؛ تابعاً للمصلحة، وهو ما ثبت قبوله أو رده بقاعدة مصلحية، بواسطة إعمالها تترتب مصالح معتبرة شرعاً في الجملة، وهذا لا يمكن أن يتلقن فيها العامي القبولَ المطلق والرد المطلق؛ لأن آلية ذلك تخضع للمتغيرات، فرب شيء يجلب المصلحة في وقت ولا يجلبها في آخر، ورب ذريعة سُدت في وقت، ثم أُمِنَت فيما بعد ذلك أو بالعكس، فلا بد من الرجوع في هذا إلى أولي الأمر.




http://www.alriyadh.com/1989872]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]