تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التأثر



المراسل الإخباري
01-05-2023, 05:16
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
يظل الإنسان عرضة للتأثر المحذور، فمن الواجب عليه أن يكون حريصاً على تجنبه، مستعيناً بالله على ذلك، ولا يسوغ له أن يتّكل على ما حصل له من سمت الصلاح، وطمأنينة النفس بالبر، فهذا خيرٌ لا يُؤمنُ أن يلمَّ بصاحبه طائفٌ من الشيطان..
لم يزل الخير والشر في شدٍّ وجذب، كل يريد له من يتبناه من الناس أن يظهر، وتكون له الكلمة العليا، وهذا من ابتلاء الله تعالى لعباده في هذه الدنيا، ولو شاء لاتحدت فيها الآراء وتماثلت المبادئ، لكن الحاصل هو مقتضى الحكمة البالغة المتمثلة في التكليف بتحرِّي الصواب وبذل الوسع في طلب الحق، «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ»؛ ولهذا إذا خرجوا من دار التكليف امتاز الشر عن الخير، ولم يعد إغواء الرشيد وإرشاد الغوي ممكناً، ومقتضى التدافع بين الخير والشر في الحياة الدنيا أن تكون لكل منهما قابلية التأثير، بحيث يتسلط كل منهما على مقرِّ الآخر من قلب الإنسان فُينحِّيه، ويَحلُّ محله، وعلى المكلف أن يلتمس لنفسه طريق النجاة في خضمِّ هذا التجاذب، فإذا كان مُحِقّاً باقياً على مقتضى الفطرة مهتدياً بشرع الله تعالى مقتدياً بالسنة المطهرة فهو مطالَب بالثبات على الحق وعدم التأثر بالباطل، وإن ابتلي بعمارة قلبه وأركانه بغير هذا فهو مطالَب بالسعي للتأثر بالحق، وجلْب مصلحة الهداية إلى نفسه، فتأثرُ المعافى بالبلاء محذورٌ، وتأثر المبتلى بالدواء مطلوبٌ، ولي مع التأثر وقفات:
الأولى: يظل الإنسان عرضة للتأثر المحذور، فمن الواجب عليه أن يكون حريصاً على تجنبه، مستعيناً بالله على ذلك، ولا يسوغ له أن يتّكل على ما حصل له من سمت الصلاح، وطمأنينة النفس بالبر، فهذا خيرٌ لا يُؤمنُ أن يلمَّ بصاحبه طائفٌ من الشيطان فيكتسحه، ويصير كأن لم يكن، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» أخرجه ابن ماجه وغيره، وقد علمنا الله تعالى الاستعاذة من الزيغ بعد الهداية، وإنما هو ميلٌ عن الحق بعد التلبُّس به، وهذا يُحتِّمُ على الإنسان بذلَ الأسباب الشرعية الكافّةَ بإذن الله تعالى عن الزيغ، وأهمها الاعتصام بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة، ومن أهمها الابتعاد عن مخالطة أهل الأهواء والبدع؛ ولهذا شاع عند السلف الصالح الزجر عن مجالسة أهل البدع والحزم في ذلك، والتعبير عنه بلهجةٍ حازمةٍ صارمةٍ؛ لإدراكهم سهولة تأثر الإنسان بالشبه إذا وردت على قلبه، وأن من تعرض لسماع الشبهة معتمداً على أن له تمييزاً يحميه منها، فقد تهاون بالبلاء، وكان بمثابة من يُقدمُ على مكانٍ موبوءٍ بالطاعون مُعوِّلاً على متانة صحته وقوة مناعته، وقد قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة، خرج من عصمة الله، ووُكل إليها، يعني إلى البدع".
الثانية: يتذرع بعض الناس بذرائع لا تصح؛ لتسويغ تعرضهم لمظانِّ التأثر بالأهواء والآراء المنحرفة، ككون الفكر لا يُقاومُ إلا بمقارعته بأفكارٍ أخرى، وكون تجنب مصادر تلك الآراء ناتجاً عن ضيق الأفق والتعصب للرأي، وهذا باطلٌ، فالرأي المعوج بغلوه وتطرفه وانحرافه إلى أي جهةٍ كان ذلك الانحراف إنما هو عبارةٌ عن شرٍّ مطلق، وصاحبه من أخطر جلساء السوء وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثلَ للجليس السَّوْءِ بنَافِخِ الكِيرِ، ثم قال: "وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً" كما في الحديث المتفق عليه، فمن علامات حصافة رأي الإنسان الابتعادُ التامُّ عن صاحب المنهج المشبوه حتى لا تصيبه بعض معرته، ولا يكاد المتعرض له ينجو من بعض سلبياته، كما أن من صميم واجب ولاة الأمر حماية المجتمع من مثل تلك الأفكار وتنحية مصادرها عن درب المجتمع حتى لا يتعثر متعثرٌ بأحجارها الخطيرة، وإذا كانت إماطة الأذى الحسي المحدود الضرر مطلوبةً شرعاً فمن باب أولى إماطة الأذى المعنوي الشرعي والأخلاقي والأمني عن طريق المجتمع السائر في محجة استقراره وازدهاره وتراص صفوفه خلف ولي أمره.
الثالثة: وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت بيد كل منا لا يخفى ما تفعلُهُ الآن من انتقال الكلمة في وقتٍ وجيزٍ، فالواجب جعلها وسيلة للتأثر والتأثير الإيجابيين، وألا يُسمح بنجاح من يطمع في استغلالها ضد مصالح المجتمع بأي شكلٍ من الأشكال، فبدلاً مما خطط له من كونها مرتعاً لبث سمومه يسرح فيه ويمرح يُفترضُ أن تكون مكاناً لتأديبه وكشف زيف أفكاره، وما الحياة إلا تجارب وعبَرٌ يتأملها العاقل فيتجنب من خلال من ذلك كثيراً من المآزق، وفي مطلع شيوع هذه الوسائل الاجتماعية اتخذت في بعض البلدان منابر للتأثير السلبي، فجلبت من الفوضى والدمار ما هو معلومٌ، ولا يُعذرُ بعد هذا عاقلٌ أثار فيها القضايا المصيرية، أو أقدم من خلالها على النيل من سياسات الدول والتطاول على رموز الأوطان وقادتها، فلم يعد خفيّاً أن هذا لا يُقدمُ عليه إلا مُريد الشر الباحث عن الخراب.




http://www.alriyadh.com/1991028]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]