المراسل الإخباري
01-07-2023, 06:04
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
تكمن أهمية فكرة "نقد النقد"، كون النقد غير المكتمل يشكل في كثير من الأحيان عبئاً كبيراً وإعاقة لكثير من الأفكار التي كان من الممكن أن تولد في فضاء نقدي متحرر من معتقد أن النقد كثير الأذى..
في عالم النقد غالبا ما تكون العلاقات غير مستقرة ودائما ما تتطور العلاقة بين الناقد والمحيط الذي يمارس فيه النقد بشكل سلبي، وأنا هنا لا أتحدث عن النقد بصفته موصلا للصورة السلبية بل بصفته المنهجية العلمية.
خلال الأسبوع الفائت قدمت ورشتي عمل في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) التابع لأرامكو السعودية، حول النقد المعماري، وفهمت من بعض الحضور أنهم يرون النقد مجالا لإثارة السلبيات فذكرت لهم يفترض أن الناقد يعمل على مهمتين؛ الأولى: الإصلاح وهي محاولة فيها كثير من المغامرة وتحتاج إلى جرأة وهي مصيدة العلاقات. أما الثانية: فهي صناعة الوعي على مستوى المجتمع، فوظيفة الناقد أن يعمل على خلق بيئة معرفية وجمالية وذوقية تمكن أفراد المجتمع من تقييم ما يدور وينتج حولهم وإبداء الرأي فيه، هذا يدفع بالناقد دائما أن "يكون رأسا"، وأذكر أنني سمعت ذات مرة وصية يقول فيها أحد كبار السن لابنه: "يا بني لا تكن رأسا فإن الرأس كثير الأذى"، والإشكالية التي يواجهها الناقد أنه لا يستطيع إلا أن يكون رأسا وإلا لن يكون ناقدا حقيقيا.
وطالما أننا ذكرنا الإشكالية التي يواجهها الناقد يمكن أن نذكر هنا حوارا دار حول مناسبة مهمة حدثت قبل عدة أيام، وهي إعلان الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية في العمارة الإسلامية، والفائز هو البريطاني "روبرت هلينبراند" من جامعة "أدنبره". في الواقع أنني لمست عدم الرضى على هذه النتيجة من كثير من الزملاء داخل وخارج المملكة، ليس لأن "هلينبراند" لا يستحق الجائزة، بل لأن المنجز تقليدي وقديم ويصب في التاريخ لا في مشاكل الحاضر، ولا يعبر عن تطلعات مستقبلية يفترض أن تدفع لها جائزة الملك فيصل بثقلها وتأثيرها، في نفس الوقت لم يوجه أحد منهم اللوم للجائزة أو حتى للجنة الاختيار، بل كان الحديث يدور حول إشكالية أعمق، فهذه النتيجة كأنها تقول إن البحث العلمي والمنجز الفكري في مجال العمارة الإسلامية توقف ولا يوجد فيه أي تجديد، قد تكون الإشارة إلى وجود مأزق معرفي تعاني منه العمارة بشكل عام في العالم العربي والإسلامي يعبر عن المشكلة بشكل أدق.
يجب أن أقول إنني كنت عضوا في لجنة اختيار موضوع الجائزة في الحضارة الإسلامية ووقع الاختيار على العمارة الإسلامية، وكنت أحسب أن هناك تجارب عميقة ترقى إلى مستوى جائزة بحجم جائزة الملك فيصل، ولن أقول إنه لا توجد مثل هذه التجارب لكنها ربما لم تكن ضمن السياق الذي ينظر له على أنه منجز في الحضارة الإسلامية، أحد أعضاء لجنة الاختيار ذكر لي أن من فاز هو أفضل الخمسة الذين تم الاختيار من بينهم، وقد سبق أن حجبت الجائزة في نفس الموضوع في السابق، ويفترض أن تقودنا هذه التجربة إلى تشخيص المشكلة التي تكمن في أن الفضاء الفكري الخاص بالعمارة الإسلامية ساكن ويخلو من التجارب، بالنسبة لي أعتقد أن سبب هذا السكون هو غياب النقد وعزلة الناقد وتهميش الفضاء المؤسسي له، وعندا اتباع قاعدة الابتعاد عن الأذى نجد أن كثير ممن يملكون المقدرة الفكرية يتجنبون أن يكونوا نقادا، "لأن النقد كثير الأذى".
لقد طرح أحد حضور ورشة "إثراء" سؤالا، قد يصعب الجزم بوجود إجابة عليه، وهو: هل النقد يهدف إلى إصلاح الفكر أو خلق فكر جديد؟ والحقيقة أنني لم أفكر في الحدود الدقيقة بين إصلاح الفكر وخلقه، وعندما حاولت أن أراجع كثيرا من التجارب النقدية السابقة وجدت أنها تخلط بين الإصلاح وبين التجديد، ولعل هذا ينطبق على ما حدث في مجال العمارة الإسلامية خلال الأربعة عقود الأخيرة، حيث عمل الكثير من المهتمين على إعادة تعريف مصطلح "عمارة إسلامية" كونه مصطلحا استشراقيا ولا يعبر فعلا عن التطورات المعمارية المتراكمة التي حدثت في الحضارة الإسلامية خلال أكثر من 1300 عام. وأصنف هؤلاء بالإصلاحيين.
في المقابل اندفع فريق آخر إلى إيجاد بدائل لا ترتكز على المنتج المعماري الصرحي وبنوا تصورا يعتمد على التشريعات والقيم والمبادئ بدلا من العمارة المادية كخيار يمكن أن يجعل من إعادة تعريف العمارة الإسلامية مبررا، ويمكن تصنيف هذا الفريق بالتجديديين. على أن كلا الفريقين لم يحقق أي تطور عميق، ولم يستطع أن يصنع مجالا نقديا يستوعب فيه المنتج المعماري المؤسسي والعام، وهنا تكمن أهمية فكرة "نقد النقد"، كون النقد غير المكتمل يشكل في كثير من الأحيان عبئا كبيرا وإعاقة لكثير من الأفكار التي كان من الممكن أن تولد في فضاء نقدي متحرر من معتقد أن النقد كثير الأذى.
http://www.alriyadh.com/1991303]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
تكمن أهمية فكرة "نقد النقد"، كون النقد غير المكتمل يشكل في كثير من الأحيان عبئاً كبيراً وإعاقة لكثير من الأفكار التي كان من الممكن أن تولد في فضاء نقدي متحرر من معتقد أن النقد كثير الأذى..
في عالم النقد غالبا ما تكون العلاقات غير مستقرة ودائما ما تتطور العلاقة بين الناقد والمحيط الذي يمارس فيه النقد بشكل سلبي، وأنا هنا لا أتحدث عن النقد بصفته موصلا للصورة السلبية بل بصفته المنهجية العلمية.
خلال الأسبوع الفائت قدمت ورشتي عمل في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) التابع لأرامكو السعودية، حول النقد المعماري، وفهمت من بعض الحضور أنهم يرون النقد مجالا لإثارة السلبيات فذكرت لهم يفترض أن الناقد يعمل على مهمتين؛ الأولى: الإصلاح وهي محاولة فيها كثير من المغامرة وتحتاج إلى جرأة وهي مصيدة العلاقات. أما الثانية: فهي صناعة الوعي على مستوى المجتمع، فوظيفة الناقد أن يعمل على خلق بيئة معرفية وجمالية وذوقية تمكن أفراد المجتمع من تقييم ما يدور وينتج حولهم وإبداء الرأي فيه، هذا يدفع بالناقد دائما أن "يكون رأسا"، وأذكر أنني سمعت ذات مرة وصية يقول فيها أحد كبار السن لابنه: "يا بني لا تكن رأسا فإن الرأس كثير الأذى"، والإشكالية التي يواجهها الناقد أنه لا يستطيع إلا أن يكون رأسا وإلا لن يكون ناقدا حقيقيا.
وطالما أننا ذكرنا الإشكالية التي يواجهها الناقد يمكن أن نذكر هنا حوارا دار حول مناسبة مهمة حدثت قبل عدة أيام، وهي إعلان الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية في العمارة الإسلامية، والفائز هو البريطاني "روبرت هلينبراند" من جامعة "أدنبره". في الواقع أنني لمست عدم الرضى على هذه النتيجة من كثير من الزملاء داخل وخارج المملكة، ليس لأن "هلينبراند" لا يستحق الجائزة، بل لأن المنجز تقليدي وقديم ويصب في التاريخ لا في مشاكل الحاضر، ولا يعبر عن تطلعات مستقبلية يفترض أن تدفع لها جائزة الملك فيصل بثقلها وتأثيرها، في نفس الوقت لم يوجه أحد منهم اللوم للجائزة أو حتى للجنة الاختيار، بل كان الحديث يدور حول إشكالية أعمق، فهذه النتيجة كأنها تقول إن البحث العلمي والمنجز الفكري في مجال العمارة الإسلامية توقف ولا يوجد فيه أي تجديد، قد تكون الإشارة إلى وجود مأزق معرفي تعاني منه العمارة بشكل عام في العالم العربي والإسلامي يعبر عن المشكلة بشكل أدق.
يجب أن أقول إنني كنت عضوا في لجنة اختيار موضوع الجائزة في الحضارة الإسلامية ووقع الاختيار على العمارة الإسلامية، وكنت أحسب أن هناك تجارب عميقة ترقى إلى مستوى جائزة بحجم جائزة الملك فيصل، ولن أقول إنه لا توجد مثل هذه التجارب لكنها ربما لم تكن ضمن السياق الذي ينظر له على أنه منجز في الحضارة الإسلامية، أحد أعضاء لجنة الاختيار ذكر لي أن من فاز هو أفضل الخمسة الذين تم الاختيار من بينهم، وقد سبق أن حجبت الجائزة في نفس الموضوع في السابق، ويفترض أن تقودنا هذه التجربة إلى تشخيص المشكلة التي تكمن في أن الفضاء الفكري الخاص بالعمارة الإسلامية ساكن ويخلو من التجارب، بالنسبة لي أعتقد أن سبب هذا السكون هو غياب النقد وعزلة الناقد وتهميش الفضاء المؤسسي له، وعندا اتباع قاعدة الابتعاد عن الأذى نجد أن كثير ممن يملكون المقدرة الفكرية يتجنبون أن يكونوا نقادا، "لأن النقد كثير الأذى".
لقد طرح أحد حضور ورشة "إثراء" سؤالا، قد يصعب الجزم بوجود إجابة عليه، وهو: هل النقد يهدف إلى إصلاح الفكر أو خلق فكر جديد؟ والحقيقة أنني لم أفكر في الحدود الدقيقة بين إصلاح الفكر وخلقه، وعندما حاولت أن أراجع كثيرا من التجارب النقدية السابقة وجدت أنها تخلط بين الإصلاح وبين التجديد، ولعل هذا ينطبق على ما حدث في مجال العمارة الإسلامية خلال الأربعة عقود الأخيرة، حيث عمل الكثير من المهتمين على إعادة تعريف مصطلح "عمارة إسلامية" كونه مصطلحا استشراقيا ولا يعبر فعلا عن التطورات المعمارية المتراكمة التي حدثت في الحضارة الإسلامية خلال أكثر من 1300 عام. وأصنف هؤلاء بالإصلاحيين.
في المقابل اندفع فريق آخر إلى إيجاد بدائل لا ترتكز على المنتج المعماري الصرحي وبنوا تصورا يعتمد على التشريعات والقيم والمبادئ بدلا من العمارة المادية كخيار يمكن أن يجعل من إعادة تعريف العمارة الإسلامية مبررا، ويمكن تصنيف هذا الفريق بالتجديديين. على أن كلا الفريقين لم يحقق أي تطور عميق، ولم يستطع أن يصنع مجالا نقديا يستوعب فيه المنتج المعماري المؤسسي والعام، وهنا تكمن أهمية فكرة "نقد النقد"، كون النقد غير المكتمل يشكل في كثير من الأحيان عبئا كبيرا وإعاقة لكثير من الأفكار التي كان من الممكن أن تولد في فضاء نقدي متحرر من معتقد أن النقد كثير الأذى.
http://www.alriyadh.com/1991303]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]