المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجيل الجديد وفلسفة التفكير والاختيار



المراسل الإخباري
01-13-2023, 04:21
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن التجربة تؤثر تأثيرًا عميقًا في الوعي، وتعزز التأكيد المتزايد للفرص والنجاح، وربما يكون تأثير التجارب في الجيل الجديد فاعلًا؛ وبذلك يمكن إدراك أن الآداب والثقافات تقدم وصفة التطوير، وبذلك سمي الأدب بعين العالم التي ترى كل شيء..
لقد اقتنع البعض من الجيل الجديد بأن الحياة، بما فيها الحياة الثقافية والفكرية والأدبية، يجب أن تكون آتية من عوالم أخرى، دون أن يكون لهم دور في إنتاج هذه الحياة، ودون أن تحركهم الغايات الواعية، فالإنسان الذي يفقد التوهج العقلي -على حد رأي الأديب جميل نصيف- يعيش ويتصرف بصورة آلية، فهو لا يتصرف بكونه كائنًا يتمتع بوعي فعال، بل بوصفه شيئًا آليًا.
وبهذه الطريقة تصبح الآلة شكلًا مجازيًا للتعبير عن السمات الجوهرية للإنسان المعاصر، وذلك بتحول الإنسان إلى مسمار في الجهاز الإنتاجي، والتي قد لا تساعد على إيجاد إنسان مفكر متطور وفعال من كل النواحي.. هذه المقابلة ما بين الإنسان المتطور والإنسان الآلي (الروبوت الآلي) تجعله محرومًا من الغنى العقلي.
يقول الأديب الإيطالي ليوباردي: "إن الجيل الجديد يتصرف بصورة آلية على غير ما كان عليه أسلافه".
فتطويرنا لشخصيتنا لا يقوم على ثقافة خارج إطار بيئاتنا الثقافية، ونقلل من التماهي مع الثقافات التقليدية وذلك عن طريق اكتساب الوعي والتنويع الثقافي.
ومن هنا يرى جون ستيوارت ميل أن كل إنسان فريد من نوعه بالنظر إلى إمكاناته ونتاجه، فإذا كان الفرد يمتلك أي قدر من الخبرة والتجربة، فإن طريقته الخاصة في عيش الحياة تكون بصورة أفضل.
ولذلك فإن اكتشاف الفرد للذات يعني اكتشافه لإمكاناته المتفردة، التي توصله إلى حياة أصيلة تناسبه، وفي ذلك يشارك أرسطو ميل رؤيته الذاتية للفرد، فالإنسان -في عرف أرسطو- يمتلك غاية تجعله يعلي من شأنه، وبذلك يصبح أكثر قيمة في نظر الحياة.
فإذا ما أخضع الإنسان حياته لأعراف وعادات وتقاليد قديمة، فلا يمكن أن تعبر حياته عن شخصيته، ويرى ميل أن الصفة المميزة للإنسان تكمن في قدرته على التفكير والاختيار.. ففي حياة كل فرد منا لحظات يكون فيها لتفكيره وخياراته تأثير في نوعية حياته ونوع دراسته ووظيفته وعلاقاته ومهنته.. ولكن من يفعل ما تمليه عليه العادات والتقاليد والأعراف فإنه لا يقف على الأفضل.
العامل الآخر الذي يعادل الخيار في الأهمية فكرة فن التجارب؛ ورغم أن القائمين على التجارب معرضون للخطأ أكثر من غيرهم؛ لأن التجربة لا تستهدي بفكرة سابقة أو نظام قديم، وإنما بأمل شجاع متوجه نحو المستقبل، إلا أن التجربة تؤثر تأثيرًا عميقًا في الوعي، وتعزز التأكيد المتزايد للفرص والنجاح، وربما يكون تأثير التجارب في الجيل الجديد فاعلًا؛ وبذلك يمكن إدراك أن الآداب والثقافات تقدم وصفة التطوير، وبذلك سمي الأدب بعين العالم التي ترى كل شيء.
وهذا ما قرأناه وعشناه مع الآداب العالمية، فالنجاح الذي أحرزته تلك الآداب كان إيجابيًا ومدهشًا، وقد كانت عاملًا حاسمًا لحياة فاعلة ومتطورة، صنعت تراثًا يروق للأجيال، وذلك بالانتقال التدريجي بالحياة من وجهات النظر التقليدية إلى الحياة الواقعية الفاعلة.
فعندما نتتبع دور الآداب العالمية في الوعي العالمي، فإننا نجد مثلًا أن الأدب الإنجليزي كان المجسد لروح النهضة، كما فعلت الآداب الفرنسية في تطوير الحياة الفرنسية، ومن خلالها عرفت الحياة البريطانية والفرنسية تغيرات (كان فيها كل شيء يتغير لمصلحة الإنسان).
لقد طرح عصر النهضة مفهومًا للإنسان الجديد والمتطور والمفكر والفعال والمبدع، الذي استندت حياته على نتاج الأفكار الأدبية المتنورة.
يقول بتراك: "إن الإنسان النبيل بحق لا يولد وهو مزود بنفس عظيمة، بل هو الذي يجعل من نفسه عظيمًا بفضل مآثره العظيمة".
لقد شخص الباحثون منذ زمن بعيد وجود علاقة ما بين الآداب والتطور، فمنجزات عصر النهضة قامت على فلسفة أدبية، ومن هذه الناحية علينا أن ندرك أن تطور الآداب منسجم مع تطور الحياة.
فإذا ما وقفنا على الآداب الأوروبية ابتداء من العصر الوسيط حتى عصر النهضة ندرك دور تلك الآداب في صناعة الحياة الجديدة، فالآداب الأوروبية ما بين العصر الوسيط وعصر النهضة وبالذات الآداب التي تقاسمت العصرين معًا أحدثت نقلة نوعية في هذا العصر.
فالتحول الحقيقي الذي أحدثه عصر النهضة الأوروبية كان منطلقه العصر الوسيط، فالأفكار التي ملأت عصر النهضة أفرزها ذلك العصر، والتي كان مبعثها الحضارة الإغريقية والرومانية.
كل ذلك ساعد على وجود تحولات في ميدان الآداب، وإن كان الاختلاف الأساسي ما بين آداب العصر الوسيط وعصر النهضة يكمن في أن العصر الوسيط كان منحازًا إلى الجانب الروحي، بينما عصر النهضة كان عصرًا دنيويًا.
وإن كان هذا الوصف ليس دقيقًا من الناحية الموضوعية، فعصر النهضة لم يكن يحمل طابعًا لادينيًا ولم يكن عصرًا شكيًا، فالشعور الديني لم يكن غائبًا في ذلك العصر، وإنما كانت مفاهيم أسقطتها الحركة التنويرية وبالذات المفكر فولتير، وظل فولتير يتحمل -على حد تعبير أرنولد هازور- وزر هذا الوصف حتى يومنا هذا.
وفولتير يعد بالمناسبة أحد ممثلي حركة التنوير الفرنسية، وكان له أثر كبير لا على الفكر الفرنسي فحسب بل على الفكر الأوروبي بصورة عامة.




http://www.alriyadh.com/1992310]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]