المراسل الإخباري
01-20-2023, 03:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لم نكن نعهد مثل هذا العنف والقتل والتنمر والسطو على مقدرات الشعوب! لقد كنَّا في الماضي القريب نتنافس على الحرف والكلمة والمراكز المتقدمة بين صفوف الطلاب، وأعتقد أن كل ذلك كان جراء الترابط الأسري وجراء التنافس القيَمي في مجتمع يقوم على مفهوم (العيب)..
واقع عربي مرعب كلما سمعنا كلمة فساد أو تعاطٍ أو انتهاك، نتحسس مفارش أبنائنا وبناتنا ووسائدهم، ونرخي آذاننا على أنفاسهم، ونسمع نبض قلوبهم، ونتفحص أجسادهم وعضلات صدورهم، ونفك ضفائر المراهقات امتداحاً وثناء، لكن في صدورنا رعب خفي على شعرهم وبشرتهم وعقولهم الذاهبة الآيبة بين هذه المفاهيم المجتمعية المغلوطة، وبين تأمين مستقبلهم واتجاه خطواتهم، فهم مشروعاتنا ونتاج سعينا وتطلعاتنا إلى تفتح الزهور في غابات أهدابنا، لهفة، وشوقاً، وأملاً، وتطلعاً، وشرفاً، وتباهياً، وقل ما تشاء.
كل هذا والضجيج خارج النافذة عن ولد قتل أباه، ونعش آتٍ من بعيد لشاب طاشت رأسه بعربته فقُتِل وقتل المارة، وصاحب جاه استولى على مال فسرق ونهب ثم انتصب بقامته ليصافح المارة في زهوٍ، ومشاهير يتعاطون المخدرات، وشاشات التلفاز تعرض منصات القضاة في كل يوم، ونحن نتابع: كم واحد في هذا القفص وفي ذاك؟ ومن أخذ حكماً مؤبداً؟ ومن أخذ إعداماً؟ أمر أصبح مخيفاً في جل وطننا العربي المتساوي في العادة والعرف، وفي مفهوم الضبط الاجتماعي معنى وممارسة.
لم نكن نعهد مثل هذا العنف والقتل والتنمر والسطو على مقدرات الشعوب! لقد كنَّا في الماضي القريب نتنافس على الحرف والكلمة والمراكز المتقدمة بين صفوف الطلاب، وأعتقد أن كل ذلك كان جراء الترابط الأسري وجراء التنافس القيَمي في مجتمع يقوم على مفهوم (العيب) ويقوم على ما اسمه (الشرهة) أي تدني القيمة؛ فلا يلحق بأهالينا النقص ولا تدني النظرة في مجتمع يعرف بعضه.
إن كل ذلك الانضباط الأخلاقي يعود في أساسه إلى ما يسمى في علم الاجتماع بقانون (الضبط الاجتماعي)، وهو ما يتم تنظيمه بحسب معايير عرفية بين أفراد المجتمع، والذي ينطوي على تلك الصِّلات بين المجتمع والأفراد بما يتوافق مع المعايير الثابتة والمتفق عليها، إذ يكون شاملاً، ذا سلطة، وفعالاً في تحفيز النظام والمبادئ والتشاركية للثني عن خرق تلك الأعراف، فيعاقب المنثني إذا لزم الأمر.
وكان أشد عقاباً، هو تدني النظرة الأخلاقية لهذا المنثني، والذي انحرف عن صراط الأعراف، فلا يباع له، ولا يشترى منه، ولا يمتد له نسب، ولا تُقبل له شهادة أمام المجالس وأمام القضاء.
أذكر ذات مرة أن والدي ذهب للشهادة أمام المحكمة كمُزكٍ لأحد الشهود، فسألته: ماذا يعني ذلك؟ فأجاب: إنه إذا ذهب اثنان من الشهود أمام القضاء استلزم الأمر حضور اثنين من المزَكين، فيشهدوا بالله بأن هذين الشاهدين أنقياء من أي شائنة.
وإن شهدا بما يتنافى مع ذلك كان عاراً شائناً يلحق بالأبناء وبالأحفاد أيضاً، ومن ضمن تلك الشائنات كل ما يتعلق بمخارم المروءة، وللمروءة خوارم تكسر هيبة الرجال وأخلاقهم.
هذا هو قانون الضبط الاجتماعي بين أفراد المجتمعات والذي لم يغفله علم الاجتماع حتى يومنا هذا، والذي من شأنه كما يقول بارسونز (Parsons): "القضاء على الميول المنحرفة في مهدها، عندما لا يتم ذلك، فإن النظام الاجتماعي سيزول ويسود قانون الغاب ويغدو العالم "أكثر وحشية" وستهيمن حالة "الشر" على المجتمع بشكل عام، فإن آليات التنشئة الاجتماعية وعملية توطين وزرع القيم والروابط نتيجة العاطفة، أي النفور والانجذاب، تُظهر الأفراد على أنهم مُمتثلون. فيعمل الضـبط الاجتماعي دائماً وفي كل الأوقات، ولكن في ضوء حقيقة أن المجتمع خاضع للتأثير الخارجي والرفض الداخلي ولفكرة أن الاستمرارية والتغيير هما مميزات وطابع النظام الاجتـماعي، فإن فرض الضبـط الاجتماعي ليس بالأمر السهل".
في وقتنا الحاضر نجد ذلك التراخي في تلك النظرة المجتمعية تجاه المنثني، بل والتسامح معه ثم يتعدى الأمر في بعض الأحيان إلى انبراء البعض للدفاع عنه إذا كان ذا مكانة، ونتناسى أن هناك ثعباناً قد رقد على كعبيه فسمم قيمه وأخلاقه ومروءته وكأن شيئاً لم يكن، وفي الوقت نفسه نخرج ألسنتنا لهاثاً وندباً عما يجول من فساد ومن سرقة ومن قتل ومن نهب، وفي أحيان أخر تحرشاً واغتصاباً، ونحن لا ندرك كنه المعضلة بأنها تكمن فينا نحن أولئك المتشدقون بالعفو الإنساني والتسامح مع من هدم واعتدى وضرب عرض الحائط بكل السمات الأخلاقية والوطنية والمهنية، فلم يعد لقانون (العيب) مكان بين طيات ثيابنا.
وفي هذه الحال نسأل كيف نحمي أبناءنا وبناتنا وأهلينا من هذا التفتق القيمي في ضوء ما نفعله نحن جراء اتخاذ قرار تجاه هذا المنثني العابث بكل قيم ودعائم الوجود الإنساني!
http://www.alriyadh.com/1993445]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
لم نكن نعهد مثل هذا العنف والقتل والتنمر والسطو على مقدرات الشعوب! لقد كنَّا في الماضي القريب نتنافس على الحرف والكلمة والمراكز المتقدمة بين صفوف الطلاب، وأعتقد أن كل ذلك كان جراء الترابط الأسري وجراء التنافس القيَمي في مجتمع يقوم على مفهوم (العيب)..
واقع عربي مرعب كلما سمعنا كلمة فساد أو تعاطٍ أو انتهاك، نتحسس مفارش أبنائنا وبناتنا ووسائدهم، ونرخي آذاننا على أنفاسهم، ونسمع نبض قلوبهم، ونتفحص أجسادهم وعضلات صدورهم، ونفك ضفائر المراهقات امتداحاً وثناء، لكن في صدورنا رعب خفي على شعرهم وبشرتهم وعقولهم الذاهبة الآيبة بين هذه المفاهيم المجتمعية المغلوطة، وبين تأمين مستقبلهم واتجاه خطواتهم، فهم مشروعاتنا ونتاج سعينا وتطلعاتنا إلى تفتح الزهور في غابات أهدابنا، لهفة، وشوقاً، وأملاً، وتطلعاً، وشرفاً، وتباهياً، وقل ما تشاء.
كل هذا والضجيج خارج النافذة عن ولد قتل أباه، ونعش آتٍ من بعيد لشاب طاشت رأسه بعربته فقُتِل وقتل المارة، وصاحب جاه استولى على مال فسرق ونهب ثم انتصب بقامته ليصافح المارة في زهوٍ، ومشاهير يتعاطون المخدرات، وشاشات التلفاز تعرض منصات القضاة في كل يوم، ونحن نتابع: كم واحد في هذا القفص وفي ذاك؟ ومن أخذ حكماً مؤبداً؟ ومن أخذ إعداماً؟ أمر أصبح مخيفاً في جل وطننا العربي المتساوي في العادة والعرف، وفي مفهوم الضبط الاجتماعي معنى وممارسة.
لم نكن نعهد مثل هذا العنف والقتل والتنمر والسطو على مقدرات الشعوب! لقد كنَّا في الماضي القريب نتنافس على الحرف والكلمة والمراكز المتقدمة بين صفوف الطلاب، وأعتقد أن كل ذلك كان جراء الترابط الأسري وجراء التنافس القيَمي في مجتمع يقوم على مفهوم (العيب) ويقوم على ما اسمه (الشرهة) أي تدني القيمة؛ فلا يلحق بأهالينا النقص ولا تدني النظرة في مجتمع يعرف بعضه.
إن كل ذلك الانضباط الأخلاقي يعود في أساسه إلى ما يسمى في علم الاجتماع بقانون (الضبط الاجتماعي)، وهو ما يتم تنظيمه بحسب معايير عرفية بين أفراد المجتمع، والذي ينطوي على تلك الصِّلات بين المجتمع والأفراد بما يتوافق مع المعايير الثابتة والمتفق عليها، إذ يكون شاملاً، ذا سلطة، وفعالاً في تحفيز النظام والمبادئ والتشاركية للثني عن خرق تلك الأعراف، فيعاقب المنثني إذا لزم الأمر.
وكان أشد عقاباً، هو تدني النظرة الأخلاقية لهذا المنثني، والذي انحرف عن صراط الأعراف، فلا يباع له، ولا يشترى منه، ولا يمتد له نسب، ولا تُقبل له شهادة أمام المجالس وأمام القضاء.
أذكر ذات مرة أن والدي ذهب للشهادة أمام المحكمة كمُزكٍ لأحد الشهود، فسألته: ماذا يعني ذلك؟ فأجاب: إنه إذا ذهب اثنان من الشهود أمام القضاء استلزم الأمر حضور اثنين من المزَكين، فيشهدوا بالله بأن هذين الشاهدين أنقياء من أي شائنة.
وإن شهدا بما يتنافى مع ذلك كان عاراً شائناً يلحق بالأبناء وبالأحفاد أيضاً، ومن ضمن تلك الشائنات كل ما يتعلق بمخارم المروءة، وللمروءة خوارم تكسر هيبة الرجال وأخلاقهم.
هذا هو قانون الضبط الاجتماعي بين أفراد المجتمعات والذي لم يغفله علم الاجتماع حتى يومنا هذا، والذي من شأنه كما يقول بارسونز (Parsons): "القضاء على الميول المنحرفة في مهدها، عندما لا يتم ذلك، فإن النظام الاجتماعي سيزول ويسود قانون الغاب ويغدو العالم "أكثر وحشية" وستهيمن حالة "الشر" على المجتمع بشكل عام، فإن آليات التنشئة الاجتماعية وعملية توطين وزرع القيم والروابط نتيجة العاطفة، أي النفور والانجذاب، تُظهر الأفراد على أنهم مُمتثلون. فيعمل الضـبط الاجتماعي دائماً وفي كل الأوقات، ولكن في ضوء حقيقة أن المجتمع خاضع للتأثير الخارجي والرفض الداخلي ولفكرة أن الاستمرارية والتغيير هما مميزات وطابع النظام الاجتـماعي، فإن فرض الضبـط الاجتماعي ليس بالأمر السهل".
في وقتنا الحاضر نجد ذلك التراخي في تلك النظرة المجتمعية تجاه المنثني، بل والتسامح معه ثم يتعدى الأمر في بعض الأحيان إلى انبراء البعض للدفاع عنه إذا كان ذا مكانة، ونتناسى أن هناك ثعباناً قد رقد على كعبيه فسمم قيمه وأخلاقه ومروءته وكأن شيئاً لم يكن، وفي الوقت نفسه نخرج ألسنتنا لهاثاً وندباً عما يجول من فساد ومن سرقة ومن قتل ومن نهب، وفي أحيان أخر تحرشاً واغتصاباً، ونحن لا ندرك كنه المعضلة بأنها تكمن فينا نحن أولئك المتشدقون بالعفو الإنساني والتسامح مع من هدم واعتدى وضرب عرض الحائط بكل السمات الأخلاقية والوطنية والمهنية، فلم يعد لقانون (العيب) مكان بين طيات ثيابنا.
وفي هذه الحال نسأل كيف نحمي أبناءنا وبناتنا وأهلينا من هذا التفتق القيمي في ضوء ما نفعله نحن جراء اتخاذ قرار تجاه هذا المنثني العابث بكل قيم ودعائم الوجود الإنساني!
http://www.alriyadh.com/1993445]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]