المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيننا وبينكم



المراسل الإخباري
01-29-2023, 04:40
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
في عصرنا هذا اتسعت طبيعة التعايش، ولم يعد بمقدور المجتمعات منع ثقافات الآخرين من التغلغل فيها، لكن تستطيع تلك المجتمعات المحافظة على ثقافاتها ونشرها ليعرفها العالم..
بين كل أنواع الخلق الذي لا يحصره إلا خالقه فوارق جعلها الله تكوينًا لتراها العين بشكل مختلف ويقرأها العقل قراءةً غير قراءته لشيء آخر، حتى جعل الله آيةً من آياتهِ اختلاف المخلوقات فيما بينها مع اتحاد مصدرها، ففي التنزيل (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) فهذه الأشجار اليانعة والنخيل الباسقة والأثمار الدانية تختلف أشكالها، وتختلف ثمراتها، ويختلف طعمها مع أنها (متجاورات) و(تسقى بماء واحد) فما الذي وحد مصدر التغذية وجعل الثمرة مختلفة؟ إنه الله، ولكن بشيءٍ ظاهر للعين وللعلم من اختلاف التركيبات في الخلق! فتلك التركيبات التي جعلها الله في هذه وفي تلك تعطي المذاق المختلف، وتلك النباتات والأشجار جعل الله فيها ما يأخذ من الماء ومن التربة فقط ما يحتاجه لإنتاج الطعم الحلو، إذاً فالأمر يعود إلى النبتة ذاتها التي جعل الله فيها طبيعةً تأخذ ما تحتاجه لا سواه، ويعجبني ما يكرره أهل الأدب وشراح العقيدة عن أبي نواس قوله:
تأمّل في نبات الأرض وانظر
إلى آثار ما صنع المليكُ
عيونٍ من لجينٍ شاخصاتٍ
بأحداقٍ هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهداتٌ
بأن الله ليس له شريكُ
ونعود إلى اختلاف الخلق، فمن الأرض خلق الله الإنسان فكان آدم عيه السلام، لكن عظمة الله في الإنسان أن وحّد فيه جميع الأرض، "فجاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، فَجَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالحَزْنُ وَالخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ" ومع هذا جعل الله اختلافًا آخر لتعدد الثقافات وتعايش المجتمعات ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) فاختلاف ثقافات الشعوب وألسنتها هذا يعود لأصل خلقتها ومكان وجودها، وطبيعة تعايشها فيما بينها، حتى إن ثقافة الطعام والشراب تؤثر في أخلاق وثقافة هذه المجتمعات كما يذكر بعض أهل العلم من تأثر الناس بطعامه، فتأتي الخفة، وتأتي الغلظة، وتأتي الفطنة، وتأتي الحماقة ربما من تأثير الطعام المأكول!
وبالمخالطة والتعايش أيضًا تتأثر الأخلاق حتى بأخلاق الحيوانات، فقد يأخذ راعي الغنم من سكينتها وراعي الإبل من شدتها، ومن بابٍ أولى أخذ الناس بعضها من بعض أخلاقها وثقافتها من تعايشها.
وفي عصرنا هذا اتسعت طبيعة التعايش، ولم يعد بمقدور المجتمعات منع ثقافات الآخرين من التغلغل فيها، لكن تستطيع تلك المجتمعات المحافظة على ثقافاتها ونشرها ليعرفها العالم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) فصدر النداء للناس جميعاً، ولا يبعد ذلك كثيرًا من قضية تلقيح النباتات وتهجينها لتنتج ثمرات على شكل لا يعرف مسبقًا ولكنه (خلق الله) كيفما تدخل الإنسان فحياة الكائنات بيد الله لا سواه، تتأقلم وتتمازج الثقافات والمجتمع الأذكى هو من يحافظ على ثقافته، ويأخذ من ثقافات الشعوب الأخرى ما تقبله طبيعة خلقته ومجتمعه، ولا تقترب من ثوابته الدينية، ولا من ثوابت العرف عنده، فهناك ثوابت دينية غير قابلة للمزج والتحديث، وهناك أيضًا موروثات عرفية تتوافق مع خلقة الإنسان ومكانه كذلك لا تقبل المزج والتحديث.
فهل أدركت الشعوب هذا المدرك، وبنت تمازجها وتعايشها على مبدأ "الأخذ والعطاء الثقافي" وليس على مبدأ ثقافتي هي الأولى والأجمل؟ فإن الشعوب إذا عرفت أن مصدر اختلاف الشعوب وثقافاتها هو أصل خلقتها واختلاف ألسنتها لتشربت بحقيقة قبول الآخر دون التجاوز والاعتداء على ما يراه من مبادئه وثوابته التي لا يحق لأي أحد أن يقترب منها للتغيير والتحديث، ليس إلا لأنها غير قابلة أصلاً للتغير والتحديث. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1994799]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]