المراسل الإخباري
02-11-2023, 03:27
http://www.alriyadh.com/media/thumb/62/b3/800_eb6654886f.jpg تحفل كتب الأدب بالخطاب العطري الذي يجعل من العطر، وما في حكمه مادة له، ولو رمنا تتبع الأوصاف العطرية في الخطابات الأدبية لألفينا أنفسنا أمام معجم عطري غزير، يشير إلى الطيب، وما يتعلق به، كالعود، والبخور، والمسك، والعنبر، والريحان، والخزامى، والزعفران، والخضاب، والقرنفل، والصندل، وما ينجرّ عن العطر من نعوت ودلالات، كالشذا، والريح، والرائحة، والرَّوح، والعرف، والعبق، والضوع، والفوح، والأريج، والعبير، والريّا، ومن يتأمل بعض هذه الأوصاف في الخطابات العطرية القديمة سيجدها واضحة في الشعر والنثر، ولعل من أقدم الشواهد على ذلك قول امرئ القيس: إذا قامتا تضوع المسك منهما / نسيم الصبا جاءت بريّا القرنفل.
والناظر في تصانيف الأدباء يلحظ حضور العطر لديهم بشكل متنوع، فقد يكون الخطاب العطري أدبياً ذا لون فلسفي، كما عند الجاحظ (255هـ) في كتابه (البخلاء)، حيث قال في قصة الخزامي: "وكان إذا كان جديد القميص ومغسوله، ثم أتوه بكل بخور في الأرض، لم يتبخّر، مخافة أن يسوّد دخان العود بياض قميصه. فإن اتسخ فأتي بالبخور، لم يرضَ بالتبخر، واستقصاء ما في العود من القتار، حتى يدعو بدهن، فيمسح به صدره وبطنه، وداخلة إزاره، ثم يتبخر؛ ليكون أعلق للبخور. وكان يقول: حبّذا الشتاء، فإنه يحفظ عليك رائحة البخور (...) وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه، فإذا كان في الصيف، دعا بثيابه، فلبسها على قميصه؛ لكيلا يضيع من البخور شي**ء".
وبعيداً عن أنساق هذا النص وسياقاته، فإن الجاحظ يلفت الانتباه إلى أهمية العطر المتمثل في البخور؛ لهذا يؤكد على قيمته في القصة نفسها، فيشير إلى مكانة العطر في نفس صاحبه: "والطيّب غالٍ، وعادته رديئة، وينبغي لمن كان أيضاً عنده، أن يحرسه ويحفظه من عياله (...) فلست أرى شيئاً هو خير من اتخاذ مشط صندل**، فإن ريحه طيّبة، والشَّعَر سريع القبول، وأقل ما يصنع أن ينفي سهك الشيب، فصرنا في حال لا لنا ولا علينا، فكان عطر الخزامي إلى أن فارق الدنيا مشط صندل، إلا أن يطيّبه صديق".
أما إذا التفتنا إلى الخطاب العطري بوصفه ذا طابع كيميائي، فذلك مما يطول شرحه، وقد أورد ابن النديم (384هـ) في (الفهرست) بعض المصنفات العطرية، أي التي تختص بالعطر عنواناً، أو متناً، كما في (كتاب العطر) لأبي حفص الشطرنجي (210هـ)، و(كتاب العطر) لإبراهيم بن العباس الصولي (243هـ)، ورسائل يعقوب بن إسحاق الكندي (260هـ) في العطر، كـ(الترقق في العطر)، و(كتاب العطر وأجناسه) للمفضل بن سلمة الضبي (290هـ)، وغيرها.
وقد يأتي الحديث عن العطر في المصنفات مشتقاً من أصل العطر ومصدره، وحينئذ يكون الخطاب العطري مضمَّناً داخل الكتاب بلون تحليلي كيميائي، كما في إشارات جابر بن حيان (195هـ) العلمية لبعض المواد العطرية، وكتاب (النبات) لأبي حنيفة الدينوري (282هـ)، وكتاب (طيب العروس وريحان النفوس في صناعة العطور) لأبي عبدالله محمد بن أحمد التميمي (390هـ)، وكتاب (الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب) لابن العديم الحلبي (660هـ)، وغيرها كثير.
إن الخطاب العطري ميدان واسع، وهو بحاجة إلى أن يدخله الأدباء، والنقاد، والدارسون من بوابته الجمالية، ولعلي أحيل هنا لمن رام التوسع في كشف الخطابات العطرية إلى كتاب مهم، وهو (العطر عند العرب) لقيس كاظم الجنابي؛ ففيه مادة غزيرة.
http://www.alriyadh.com/1997024]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
والناظر في تصانيف الأدباء يلحظ حضور العطر لديهم بشكل متنوع، فقد يكون الخطاب العطري أدبياً ذا لون فلسفي، كما عند الجاحظ (255هـ) في كتابه (البخلاء)، حيث قال في قصة الخزامي: "وكان إذا كان جديد القميص ومغسوله، ثم أتوه بكل بخور في الأرض، لم يتبخّر، مخافة أن يسوّد دخان العود بياض قميصه. فإن اتسخ فأتي بالبخور، لم يرضَ بالتبخر، واستقصاء ما في العود من القتار، حتى يدعو بدهن، فيمسح به صدره وبطنه، وداخلة إزاره، ثم يتبخر؛ ليكون أعلق للبخور. وكان يقول: حبّذا الشتاء، فإنه يحفظ عليك رائحة البخور (...) وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه، فإذا كان في الصيف، دعا بثيابه، فلبسها على قميصه؛ لكيلا يضيع من البخور شي**ء".
وبعيداً عن أنساق هذا النص وسياقاته، فإن الجاحظ يلفت الانتباه إلى أهمية العطر المتمثل في البخور؛ لهذا يؤكد على قيمته في القصة نفسها، فيشير إلى مكانة العطر في نفس صاحبه: "والطيّب غالٍ، وعادته رديئة، وينبغي لمن كان أيضاً عنده، أن يحرسه ويحفظه من عياله (...) فلست أرى شيئاً هو خير من اتخاذ مشط صندل**، فإن ريحه طيّبة، والشَّعَر سريع القبول، وأقل ما يصنع أن ينفي سهك الشيب، فصرنا في حال لا لنا ولا علينا، فكان عطر الخزامي إلى أن فارق الدنيا مشط صندل، إلا أن يطيّبه صديق".
أما إذا التفتنا إلى الخطاب العطري بوصفه ذا طابع كيميائي، فذلك مما يطول شرحه، وقد أورد ابن النديم (384هـ) في (الفهرست) بعض المصنفات العطرية، أي التي تختص بالعطر عنواناً، أو متناً، كما في (كتاب العطر) لأبي حفص الشطرنجي (210هـ)، و(كتاب العطر) لإبراهيم بن العباس الصولي (243هـ)، ورسائل يعقوب بن إسحاق الكندي (260هـ) في العطر، كـ(الترقق في العطر)، و(كتاب العطر وأجناسه) للمفضل بن سلمة الضبي (290هـ)، وغيرها.
وقد يأتي الحديث عن العطر في المصنفات مشتقاً من أصل العطر ومصدره، وحينئذ يكون الخطاب العطري مضمَّناً داخل الكتاب بلون تحليلي كيميائي، كما في إشارات جابر بن حيان (195هـ) العلمية لبعض المواد العطرية، وكتاب (النبات) لأبي حنيفة الدينوري (282هـ)، وكتاب (طيب العروس وريحان النفوس في صناعة العطور) لأبي عبدالله محمد بن أحمد التميمي (390هـ)، وكتاب (الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب) لابن العديم الحلبي (660هـ)، وغيرها كثير.
إن الخطاب العطري ميدان واسع، وهو بحاجة إلى أن يدخله الأدباء، والنقاد، والدارسون من بوابته الجمالية، ولعلي أحيل هنا لمن رام التوسع في كشف الخطابات العطرية إلى كتاب مهم، وهو (العطر عند العرب) لقيس كاظم الجنابي؛ ففيه مادة غزيرة.
http://www.alriyadh.com/1997024]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]