المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يتألى على الله



المراسل الإخباري
02-12-2023, 03:19
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
كم هو مؤسف أن ينتشر التألي على الله باسم الغيرة على دينه ومحارمه، فيزعم هذا أو يسأل أن يحشر فلاناً مع فلان، وكأنه قد علم أن فلاناً سيحشره الله في الظالمين، أو أن يهدد فلاناً بأن الله سيعاقبه، وسيصليه ناراً، وما أدراك أن الله سيفعل ذلك؟ أكنت به عالماً، أو على ما في يديه قادراً؟
الغَيرة على الدين خصلة محمودة، بل ومطلوبة، فإن المرء متى خلى قلبه، أو لم يكن في نفسه غيرة على دين الله يكاد يشارك العصاة، والفساق في عصيانهم وفسقهم، حتى وإن لم يعص أو يفسق، ففي سنن أبي داود عن العُرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة: فأنكرها - كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها" ولكن، وزبدة الكلام عادة تكون بعد لكن، كل شيء ينبغي أن يكون موزونا بالقسط، والوسطية، فديننا دين لا غلو فيه ولا جفاء، وكل شيء له فيه حد لا ينبغي أن يتعداها المرء، "ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون".
ومن باب الغيرة استطاع إبليس اللعين أن يجذب كثيرا من المسلمين الغيورين الحريصين على بيضة الإسلام، والمنافحين عن شرائعه وأحكامه، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
فإذا سألتني كيف تكون الغيرة سببا للهلاك، وبابا من أبواب الهوي في النار، عياذا بالله فإني أقول لك استمع لهذه القصة من مسند أحمد، وسنن أبي داود، وصحيح ابن حبان، من حديث ضمضم بن جوس اليمامي قال: دخَلْتُ مسجدَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا أنا بشيخٍ مُصفِّرٍ رأسَه برَّاقِ الثَّنايا معه رجُلٌ أدعَجُ جميلُ الوجهِ شابٌّ فقال الشَّيخُ: يا يَماميُّ تَعالَ لا تقولَنَّ لرجُلٍ أبدًا: لا يغفِرُ اللهُ لك واللهِ لا يُدخِلُك اللهُ الجنَّةَ أبدًا قُلْتُ: ومَن أنتَ يرحَمُك اللهُ؟ قال: أنا أبو هُريرةَ قُلْتُ: إنَّ هذه لَكلمةٌ يقولُها أحدُنا لبعضِ أهلِه أو لخادمِه إذا غضِب عليها قال: فلا تَقُلْها إنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: (كان رجُلانِ مِن بني إسرائيلَ متواخيَيْنِ أحدُهما مُجتهِدٌ في العبادةِ والآخَرُ مُذنِبٌ فأبصَر المُجتهدُ المُذنِبَ على ذنبٍ فقال له: أقصِرْ فقال له: خَلِّني وربِّي قال: وكان يُعيدُ ذلك عليه ويقولُ: خَلِّني وربِّي حتَّى وجَده يومًا على ذنبٍ فاستعظَمه فقال وَيْحَك أقصِرْ قال خُلِّني وربِّي أبُعِثْتَ عليَّ رقيبًا؟! فقال: واللهِ لا يغفِرُ اللهُ لك أبدًا أو قال: لا يُدخِلُك اللهُ الجنَّةَ أبدًا فبُعِث إليهما ملَكٌ فقبَض أرواحَهما فاجتمَعا عندَه جلَّ وعلا فقال ربُّنا للمُجتهِدِ: أكُنْتَ عالِمًا أم كُنْتَ قادرًا على ما في يدي أم تحظُرُ رحمتي على عبدي؟ اذهَبْ إلى الجنَّةِ يُريدُ المُذنِبَ، وقال للآخَرِ: اذهبَوا به إلى النَّارِ، فوالَّذي نفسي بيدِه لَتكلَّم بكلمةٍ أوبقَتْ دنياه وآخِرتَه.
يتدخل في شأن الربوبية، ويتخيل أنه تملك أمر الحساب، والعقاب، فيجعل هذا في النار وذاك في الجنة ويتألى على الله، ألا يغفر لفلان، أو أن يغفر لفلان، وكم هو مؤسف أن ينتشر التألي على الله باسم الغيرة على دينه، ومحارمه، فيزعم هذا أو يسأل أن يحشر فلانا مع فلان، وكأنه قد علم أن فلانا سيحشره الله في الظالمين، أو أن يهدد فلانا بأن الله سيعاقبه، وسيصليه نارا، وما أدراك أن الله سيفعل ذلك؟ أكنت به عالما، أو على ما في يديه قادرا؟
إذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم" فمن أنت حتى يكون لك أمر عذاب الناس أو التوبة عليهم؟
أظننت أن صلاتك وصيامك واستقامتك ومظهرك الذي برزت به على الآخرين أنك قد وصلت، وأنك قد أمنت، وأنك للجنة قد ضمنت، وليس هذا فحسب بل ملكت مفتاحها تدخل فيها من تشاء وتمنع منها من تشاء؟
لك الحق كل الحق، بل هو الواجب عليك أن تغار على محارم الله، وأن تنصح، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، ولكن بضوابطها، الشرعية، دون أن تعجبك نفسك، وتغتر بعملك، وتأمن أن يزيغ الله قلبك، وتنتكس حالتك، وأنت ترى في واقعك أناسا بلغت بهم الغيرة حد التهور فأحرقوا محلات وكفروا المجتمعات، وأخافوا الناس، وسعوا في الأرض فسادا، حتى قتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، بأسماء شرعية مستعارة غطى بها الشيطان مآربه منها وغايته، فسماها لهم جهادا، وإصلاحا، وغيرة، ومنعا لخرق السفينة، وكل ذلك حق لو كان بميزانه الشرعي. لكنها تصبح شعارا، وحيلة يستدرج بها الشيطان أولياء الله ليغويهم، ويزين لهم عملهم، فهذا هو الممقوت، والمحذور:
رام نفعًا فَضرّ من غيرٍ قصدٍ ..
ومن البر ما يكون عقوقا
وكثيرا ما يغلف الشيطان الأعمال الصالحة بحظوظ النفس، حتى يهلك المرء دون أن يشعر.
وكثيرا ما يعتري الناصح عجب، واحتقار للعصاة، وربما صاحب الأمر لعن أو شتم، وبذاءة لسان، ظنا منه أنها محمودة في ذات الله، وما علم أن الوسيلة إلى الصلاح والإصلاح لا بد أن تكون شرعية، فلا يمكن للعان وشتام وفاحش بذيء أن يكون داعية خير ومحبة وسلام، وأن يتسع صدره لمؤمن ربما زلت به قدم، أو عثرت به خطوة، أو ضعفت جذوة الإيمان في قلبه ساعة من ليل أو نهار.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1997153]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]