المراسل الإخباري
02-15-2023, 03:17
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إذا وضعنا جميع هذه السياسات الأميركية - الغربية وما تضمنته من عقوبات صلبة وقاسية جداً شملت جميع القطاعات والمجالات والمستويات، بالإضافة لما تضمنته من مطالب ضخمة جداً مصحوبة بلغة تفتقد للدبلوماسية المعهودة بين الدول، فإننا نجد أنفسنا أمام معاهدة فرساي "يونيو 1919م"..
دائماً يفرض المنتصرون شروطهم ورغباتهم وتوجهاتهم لينفذها - مُجبرين - المهزومون والمغلوبون الذين خسروا المعركة في الميادين السياسية والعسكرية، وهذه الشروط المفروضة على الخاسرين ليست بالضرورة مُعبرة عن حِكمة عليا، أو عقل راجح، أو هدف جليل، أو غاية سامية، بقدر ما تُعبر عن رغبة المنتصر بمزيد من إذلال عدوه المنهزم، وتعميق جروحه النفسية، وتصويره بالمُهان أمام شعبه والمجتمع الدولي. نعم، هكذا هي الصورة الحقيقية المُعبرة عن واقع السياسة الدولية بتفاعلاتها المُترابطة والمتشابكة، وحركتها المُعقدة والمُركبة، وتركيبتها الهرمية، حيث الطبائع الإنسانية، والتركيبة النفسية، تسمو بكبريائها، وتعلو بغرورها، لتُظهر حقيقة بواطنها، وتتجلى ممارساتها، لتكتشف الإنسانية في المُنتصر - المُتكبر - الغياب التام للقيم والمبادئ الحضارية، ولتُشاهد الشعوب في المُنتصر - المغرور - عُمق الانحطاط السلوكي في الأخلاق والممارسة. وهذه الصورة الحقيقية المُعبرة عن واقع السياسة الدولية دائماً ما تؤثر سلباً على حالة الاستقرار السياسي والأمني والعسكري في المجتمع الدولي لأنها بُنيت على أُسس مُنحازة غابت فيها العدالة، وسُلبت فيها الحقوق، وأُهينت عبرها ثقافة وحضارة وقيم المنهزم والمغلوب. فإذا كانت تلك هي حال السياسة الدولية في الماضي، والحاضر والمستقبل، فإن غياب الاستقرار سيكون هو الأصل سعياً من المنهزم والمغلوب لرفع حالة الذُل والمَهانة عنه وعن ومجتمعه، ورغبة في الانتقام من أولئك المنتصرين الذين مارسوا الاستبداد والقهر والظلم عليهم. نعم، إننا أمام أمر مُقلق ويدعو للانزعاج والتوتر الدائم خوفاً من غياب الأمن المجتمعي والاستقرار السياسي على جميع المستويات الدولية، وهذا القلق والانزعاج والتوتر يتصاعد حضوره المستقبلي عندما نُشاهد ونرى ونستمع ونقرأ رغبات وتوجهات وسياسات الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تجاه جمهورية روسيا الاتحادية بفرض عقوبات عظيمة عليها، وتجميد أصولها المادية والمالية، ومطالبتها بإعادة ما دمرته في أوكرانيا. وبعيداً عن الخوض في منطقية أم عدم منطقية هذه المطالب والتوجهات والسياسات الغربية تجاه روسيا، فإننا وجدنا أنفسنا مع هذه المطالب والتوجهات والسياسات عائدين للماضي مئة عام وكأننا شهود على نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م) وما شهدته من تسويات سياسية بين المنتصرين، الولايات المتحدة وحلفائها، والمنهزمين ألمانيا وحلفائها. فهل ستواجه روسيا بنهاية صراعها مع أوكرانيا ما واجهته ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى من شروط مُهينة ومُذلة فُرضت عليها وفقاً لمعاهدة فرساي؟!
نعم، إنه تساؤل مُعقد ومركب وصعب ومنطقي لدى فئة معينة، وقد يكون تساؤلا مُستغربا وغير منطقي عند فئة أُخرى، وقد يراه البعض تساؤلا مُستهجنا وغير لائق بمكانة روسيا الدولية. وهذا التراوح في المواقف ينشأ بحسب الزاوية التي ينظر منها الشخص للحدث الدولي، ويتأثر بشكل مُباشر بالانتماء الفكري والأيديولوجي للأطراف المُتصارعة، وينقاد بالقدر الذي تتمكن فيه العاطفة من العقل. إلا أن هذا التراوح في المواقف قد يتناقص ويتراجع حال نظرنا بهدوء وحيادية تامة لواقع السياسة الدولية وما فرضته وتُعبر عنه القطبية الأحادية الأميركية وحلفائها الكِبار وأدواتها الدولية تجاه جمهورية روسيا الاتحادية. قد تكون الأعوام اللاحقة للصراع الروسي الأوكراني خلال 2013 / 2014م - 2021م هادئة في حركتها السياسية، وبنَّاءة في لغتها الدبلوماسية تجاه روسيا، إلا أن هذه الحركة السياسية واللغة الدبلوماسية أخذت منطقة أخرى مُنذ بدء الصراع الروسي - الأوكراني في فبراير 2022م. نعم، فمنذ بدء الصراع الروسي الأوكراني فبراير 2022م، واجهت روسيا سياسات صارمة وتصعيدية تصفها بالعدائية، لم تشهدها خلال الثلاثين عاماً الماضية حتى وكأنها عادت لحالة الحرب الباردة السوفيتية - الأميركية. فالولايات المتحدة التي تُعادي روسيا وتقف وتساند أوكرانيا تبنت سياسات صلبة جداً تجاه روسيا بدأتها بفرض عقوبات صارمة شملت جميع المجالات الاقتصادية والمصرفية والمالية والتنقية والتكنولوجية والإلكترونية والطاقة والطيران التجاري وغيرها من مجالات حيوية. وهذه العقوبات الأميركية أصبحت بعد ذلك عقوبات دولية وكأنها صادرة عن مجلس الأمن، التزمت بها جميع دول العالم بما في ذلك الصين العدو المُفترض بحسب السياسة الأميركية. وبعد فرض العقوبات الدولية الشاملة على روسيا، ذهبت الولايات المتحدة خطوة أخرى للأمام تمثلت بتجميد الاحتياطي الروسي في الولايات المتحدة ولدى حلفائها الغربيين والذي يقدر بنحو 300 مليار دولار، بالإضافة لمصادرة معظم الممتلكات العينية الروسية في المجتمعات الغربية، كما تم فرض عقوب صارمة على العديد من السياسيين الروس. وإذا كانت هذه العقوبات الصلبة والقاسية فُرضت على روسيا، فإن الأكثر قساوة والأشد إِيلاماً تلك المتمثلة بمطالبة روسيا بإعادة بناء ما دمرته في أوكرانيا. هذه المطالب التي عبرت عنها السياسات الغربية ستكلف روسيا مئات المليارات من الدولارات اعتماداً على تقييم البنك الدولي المُعلن عبر موقعه، في سبتمبر 2022م. "ففي تقييم مشترك (بحسب موقع البنك الدولي) بين حكومة أوكرانيا والمفوضية الأوروبية والبنك الدولي فإن التكلفة الحالية (سبتمبر 2022م) لإعادة الإعمار والتعافي في أوكرانيا تبلغ 349 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في الأشهر المُقبلة مع استمرار الحرب."
فإذا وضعنا جميع هذه السياسات الأميركية - الغربية وما تضمنته من عقوبات صلبة وقاسية جداً شملت جميع القطاعات والمجالات والمستويات، بالإضافة لما تضمنته من مطالب ضخمة جداً مصحوبة بلغة تفتقد للدبلوماسية المعهودة بين الدول، فإننا نجد أنفسنا أمام معاهدة فرساي "يونيو 1919م" التي وضع شروطها الصلبة والقاسية والمُهينة المنتصرون في الحرب العالمية الأولى، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وأُجبرت ألمانيا على التوقيع عليها تحت التهديد المباشر باحتلالهم لبرلين. نعم، لقد أَذلت معاهدة فرساي ألمانيا عندما أُجبرت على الاعتراف بمسؤوليتها عن الحرب. وأذلت عندما فرض عليها إعادة إعمار الدول المنتصرة بدفع مليارات الدولارات لهم. وأذلت عندما وقعت على التنازل عن جزء كبير من أراضيها ومستعمراتها للمنتصرين. وأذلت عندما أجبرت على فتح أسواقها لمنتجات الدول المنتصرة، وأُهينت عندما تعهدت بمحاكمة قادتها السياسيين. وأُهينت عندما تعهدت بتسليم أسطولها البحري والتجاري وسلاح الطيران وجزء كبير من ثروتها الطبيعية والصناعية للدول المنتصرة. وأذلت عندما تعهدت بإلغاء نظام التجنيد الإجباري وتحديد جيشها بمئة ألف جندي، وتحديد أسطولها البحري بما لا يزيد على 24 سفينة ليس من بينها غواصات، بالإضافة لتدمير معظم قواعدها العسكرية البحرية والجوية. فإذا قرأنا هذا التاريخ وما تضمنه من أحداث سياسية، فإننا نجده يتكرر في واقعنا الراهن وإن اختلفت المسميات والأماكن الجغرافية والمجالات والقطاعات المستهدفة واللغة والمصطلحات المستخدمة.
وفي الختام من الأهمية القول إن على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تغليب الحكمة والعقلانية والمصالح المشتركة عند تعاملهم مع المجتمعات ومعالجتهم للأحداث الدولية والابتعاد عن سياسة الإذلال المُتعمد للدول والمجتمعات إن أردوا تعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. نعم، قد تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من فرض شروطهم القاسية والتعجيزية على روسيا التي عُزلت إلى حدٍ كبير دولياً 2022م، كما حدث على ألمانيا بعد معاهدة فرساي 1919م، إلا أنهم لن يضمنوا في المستقبل دوام حالة الأمن والسلم والاستقرار السياسي، كما حدث وأدى لحرب عالمية ثانية بدأتها ألمانيا في 1939م. هذه رسالة التاريخ السياسي الصادقة للمجتمع الدولي بغض النَّظر عن مسميات ومكانة دوله، ليتفكر الجميع بعمق شديد حول ما يضمن تنمية حاضرة، ويؤدي لبناء وازدهار مستقبله، ويهدف لخدمة مصالحه ومنافعه المشتركة، ويعمل على تعزيز أمنه وسلمه واستقراره في الحاضر والمُستقبل.
http://www.alriyadh.com/1997703]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
إذا وضعنا جميع هذه السياسات الأميركية - الغربية وما تضمنته من عقوبات صلبة وقاسية جداً شملت جميع القطاعات والمجالات والمستويات، بالإضافة لما تضمنته من مطالب ضخمة جداً مصحوبة بلغة تفتقد للدبلوماسية المعهودة بين الدول، فإننا نجد أنفسنا أمام معاهدة فرساي "يونيو 1919م"..
دائماً يفرض المنتصرون شروطهم ورغباتهم وتوجهاتهم لينفذها - مُجبرين - المهزومون والمغلوبون الذين خسروا المعركة في الميادين السياسية والعسكرية، وهذه الشروط المفروضة على الخاسرين ليست بالضرورة مُعبرة عن حِكمة عليا، أو عقل راجح، أو هدف جليل، أو غاية سامية، بقدر ما تُعبر عن رغبة المنتصر بمزيد من إذلال عدوه المنهزم، وتعميق جروحه النفسية، وتصويره بالمُهان أمام شعبه والمجتمع الدولي. نعم، هكذا هي الصورة الحقيقية المُعبرة عن واقع السياسة الدولية بتفاعلاتها المُترابطة والمتشابكة، وحركتها المُعقدة والمُركبة، وتركيبتها الهرمية، حيث الطبائع الإنسانية، والتركيبة النفسية، تسمو بكبريائها، وتعلو بغرورها، لتُظهر حقيقة بواطنها، وتتجلى ممارساتها، لتكتشف الإنسانية في المُنتصر - المُتكبر - الغياب التام للقيم والمبادئ الحضارية، ولتُشاهد الشعوب في المُنتصر - المغرور - عُمق الانحطاط السلوكي في الأخلاق والممارسة. وهذه الصورة الحقيقية المُعبرة عن واقع السياسة الدولية دائماً ما تؤثر سلباً على حالة الاستقرار السياسي والأمني والعسكري في المجتمع الدولي لأنها بُنيت على أُسس مُنحازة غابت فيها العدالة، وسُلبت فيها الحقوق، وأُهينت عبرها ثقافة وحضارة وقيم المنهزم والمغلوب. فإذا كانت تلك هي حال السياسة الدولية في الماضي، والحاضر والمستقبل، فإن غياب الاستقرار سيكون هو الأصل سعياً من المنهزم والمغلوب لرفع حالة الذُل والمَهانة عنه وعن ومجتمعه، ورغبة في الانتقام من أولئك المنتصرين الذين مارسوا الاستبداد والقهر والظلم عليهم. نعم، إننا أمام أمر مُقلق ويدعو للانزعاج والتوتر الدائم خوفاً من غياب الأمن المجتمعي والاستقرار السياسي على جميع المستويات الدولية، وهذا القلق والانزعاج والتوتر يتصاعد حضوره المستقبلي عندما نُشاهد ونرى ونستمع ونقرأ رغبات وتوجهات وسياسات الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تجاه جمهورية روسيا الاتحادية بفرض عقوبات عظيمة عليها، وتجميد أصولها المادية والمالية، ومطالبتها بإعادة ما دمرته في أوكرانيا. وبعيداً عن الخوض في منطقية أم عدم منطقية هذه المطالب والتوجهات والسياسات الغربية تجاه روسيا، فإننا وجدنا أنفسنا مع هذه المطالب والتوجهات والسياسات عائدين للماضي مئة عام وكأننا شهود على نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م) وما شهدته من تسويات سياسية بين المنتصرين، الولايات المتحدة وحلفائها، والمنهزمين ألمانيا وحلفائها. فهل ستواجه روسيا بنهاية صراعها مع أوكرانيا ما واجهته ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى من شروط مُهينة ومُذلة فُرضت عليها وفقاً لمعاهدة فرساي؟!
نعم، إنه تساؤل مُعقد ومركب وصعب ومنطقي لدى فئة معينة، وقد يكون تساؤلا مُستغربا وغير منطقي عند فئة أُخرى، وقد يراه البعض تساؤلا مُستهجنا وغير لائق بمكانة روسيا الدولية. وهذا التراوح في المواقف ينشأ بحسب الزاوية التي ينظر منها الشخص للحدث الدولي، ويتأثر بشكل مُباشر بالانتماء الفكري والأيديولوجي للأطراف المُتصارعة، وينقاد بالقدر الذي تتمكن فيه العاطفة من العقل. إلا أن هذا التراوح في المواقف قد يتناقص ويتراجع حال نظرنا بهدوء وحيادية تامة لواقع السياسة الدولية وما فرضته وتُعبر عنه القطبية الأحادية الأميركية وحلفائها الكِبار وأدواتها الدولية تجاه جمهورية روسيا الاتحادية. قد تكون الأعوام اللاحقة للصراع الروسي الأوكراني خلال 2013 / 2014م - 2021م هادئة في حركتها السياسية، وبنَّاءة في لغتها الدبلوماسية تجاه روسيا، إلا أن هذه الحركة السياسية واللغة الدبلوماسية أخذت منطقة أخرى مُنذ بدء الصراع الروسي - الأوكراني في فبراير 2022م. نعم، فمنذ بدء الصراع الروسي الأوكراني فبراير 2022م، واجهت روسيا سياسات صارمة وتصعيدية تصفها بالعدائية، لم تشهدها خلال الثلاثين عاماً الماضية حتى وكأنها عادت لحالة الحرب الباردة السوفيتية - الأميركية. فالولايات المتحدة التي تُعادي روسيا وتقف وتساند أوكرانيا تبنت سياسات صلبة جداً تجاه روسيا بدأتها بفرض عقوبات صارمة شملت جميع المجالات الاقتصادية والمصرفية والمالية والتنقية والتكنولوجية والإلكترونية والطاقة والطيران التجاري وغيرها من مجالات حيوية. وهذه العقوبات الأميركية أصبحت بعد ذلك عقوبات دولية وكأنها صادرة عن مجلس الأمن، التزمت بها جميع دول العالم بما في ذلك الصين العدو المُفترض بحسب السياسة الأميركية. وبعد فرض العقوبات الدولية الشاملة على روسيا، ذهبت الولايات المتحدة خطوة أخرى للأمام تمثلت بتجميد الاحتياطي الروسي في الولايات المتحدة ولدى حلفائها الغربيين والذي يقدر بنحو 300 مليار دولار، بالإضافة لمصادرة معظم الممتلكات العينية الروسية في المجتمعات الغربية، كما تم فرض عقوب صارمة على العديد من السياسيين الروس. وإذا كانت هذه العقوبات الصلبة والقاسية فُرضت على روسيا، فإن الأكثر قساوة والأشد إِيلاماً تلك المتمثلة بمطالبة روسيا بإعادة بناء ما دمرته في أوكرانيا. هذه المطالب التي عبرت عنها السياسات الغربية ستكلف روسيا مئات المليارات من الدولارات اعتماداً على تقييم البنك الدولي المُعلن عبر موقعه، في سبتمبر 2022م. "ففي تقييم مشترك (بحسب موقع البنك الدولي) بين حكومة أوكرانيا والمفوضية الأوروبية والبنك الدولي فإن التكلفة الحالية (سبتمبر 2022م) لإعادة الإعمار والتعافي في أوكرانيا تبلغ 349 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في الأشهر المُقبلة مع استمرار الحرب."
فإذا وضعنا جميع هذه السياسات الأميركية - الغربية وما تضمنته من عقوبات صلبة وقاسية جداً شملت جميع القطاعات والمجالات والمستويات، بالإضافة لما تضمنته من مطالب ضخمة جداً مصحوبة بلغة تفتقد للدبلوماسية المعهودة بين الدول، فإننا نجد أنفسنا أمام معاهدة فرساي "يونيو 1919م" التي وضع شروطها الصلبة والقاسية والمُهينة المنتصرون في الحرب العالمية الأولى، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وأُجبرت ألمانيا على التوقيع عليها تحت التهديد المباشر باحتلالهم لبرلين. نعم، لقد أَذلت معاهدة فرساي ألمانيا عندما أُجبرت على الاعتراف بمسؤوليتها عن الحرب. وأذلت عندما فرض عليها إعادة إعمار الدول المنتصرة بدفع مليارات الدولارات لهم. وأذلت عندما وقعت على التنازل عن جزء كبير من أراضيها ومستعمراتها للمنتصرين. وأذلت عندما أجبرت على فتح أسواقها لمنتجات الدول المنتصرة، وأُهينت عندما تعهدت بمحاكمة قادتها السياسيين. وأُهينت عندما تعهدت بتسليم أسطولها البحري والتجاري وسلاح الطيران وجزء كبير من ثروتها الطبيعية والصناعية للدول المنتصرة. وأذلت عندما تعهدت بإلغاء نظام التجنيد الإجباري وتحديد جيشها بمئة ألف جندي، وتحديد أسطولها البحري بما لا يزيد على 24 سفينة ليس من بينها غواصات، بالإضافة لتدمير معظم قواعدها العسكرية البحرية والجوية. فإذا قرأنا هذا التاريخ وما تضمنه من أحداث سياسية، فإننا نجده يتكرر في واقعنا الراهن وإن اختلفت المسميات والأماكن الجغرافية والمجالات والقطاعات المستهدفة واللغة والمصطلحات المستخدمة.
وفي الختام من الأهمية القول إن على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تغليب الحكمة والعقلانية والمصالح المشتركة عند تعاملهم مع المجتمعات ومعالجتهم للأحداث الدولية والابتعاد عن سياسة الإذلال المُتعمد للدول والمجتمعات إن أردوا تعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. نعم، قد تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من فرض شروطهم القاسية والتعجيزية على روسيا التي عُزلت إلى حدٍ كبير دولياً 2022م، كما حدث على ألمانيا بعد معاهدة فرساي 1919م، إلا أنهم لن يضمنوا في المستقبل دوام حالة الأمن والسلم والاستقرار السياسي، كما حدث وأدى لحرب عالمية ثانية بدأتها ألمانيا في 1939م. هذه رسالة التاريخ السياسي الصادقة للمجتمع الدولي بغض النَّظر عن مسميات ومكانة دوله، ليتفكر الجميع بعمق شديد حول ما يضمن تنمية حاضرة، ويؤدي لبناء وازدهار مستقبله، ويهدف لخدمة مصالحه ومنافعه المشتركة، ويعمل على تعزيز أمنه وسلمه واستقراره في الحاضر والمُستقبل.
http://www.alriyadh.com/1997703]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]