تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : البرُّ المغفولُ عنه



المراسل الإخباري
02-24-2023, 03:34
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
المحسن المنجز خير ممثل لبلاده داخلها وخارجها في عصره وبعد مماته، وذلك من خلال ما يُدونُ من علومه ومآثره وإنجازاته، فكم من مدينةٍ عرف القراء اسمها من غلاف كتاب صنفه بعض أبنائها، وكم من بلدٍ بحث عنه الباحث تبعاً للبحث حول أحد أبنائه..
لا تخفى على الناس وجوه البرِّ الحسية التي يستحقها أصحاب الأيادي البيضاء، ويستوي في مجمل إدراكها من يبذلها عرفاناً بالجميل وأداءً لواجب الشكر المأمور به شرعاً، ومن يضنُّ بها نكراناً للصنيع وكفراناً للنعمة واستخفافاً بالأوامر الشرعية، وفي مقدمة من يستحق البرَّ من الناس الوالدان وإن عَلَوَا، والوطن ممثلاً في ولاة أمره ومؤسساته التي انتسب إليها الشخص وكان لها الأثر الحسن في حياته، وللبر الظاهر بهؤلاء المنعمين أصناف منها الخدمة والبذل وخفض الجناح، والتفاني في الإخلاص، ودرء كل الأذى عنهم ونحو ذلك، ويغفل كثيرٌ من الناس عن مظاهر أخرى للبرِّ عالية الأهمية، عميقة الأثر، باقية على تعاقب العصور، وتتجلى في كسب المرء معاليَ الأمور ونفعه نفعاً متعدياً تستفيد منه البشرية، وحرصه على تصرفاتٍ أو إنجازاتٍ أو فضائل إذا اتصف الفرد بها علم من يراه أو يسمع عنه أن وراءه فاضلاً ربَّاه، ووطناً معطاءً احتضنه، فبسبب تلك الملامح الحسنة يجتلب لأصله ولوطنه ثناءً عاطراً واحتراماً كبيراً.. ولي مع البر الخفيِّ وقفات:
الأولى: الإحسان يعلو شأنه بعمومه وبقاء أثره ومن الإحسان العام الممتد الأثر إسداء الإنسانِ الذكر الحسنَ إلى أصوله ووطنه بأفعاله الناصعة وإنجازاته الرائعة، فبذلك يُثنى عليهم بألسنة شتى في أزمنةٍ متعاقبةٍ، فيُرزقون لسانَ صدقٍ وصيتاً سائراً في الآفاق على امتداد الزمان، والذكر الحسن من نعم الله على عباده، وقد ذكره الله تعالى ضمن مواهبه لأنبيائه إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام، فقال: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)، وآباء الأماجد والعظماء والفضلاء إن كانوا من أهل الفضل ازدادوا بفضل أبنائهم رفعةَ شأن ونباهة ذكر، وإن لم يكونوا كذلك شاع ذكر أسمائهم على الألسنة لمقارنتها أسماء أبنائهم العظماء وحصلت لهم بذلك حياة، وكان ذلك من برِّ أبنائهم بهم، وقد قال بعض القدماء لرجل يوصيه: "آثر بعملك مَعَادَك، ولا تَدَع لِشَهْوَتِكَ رَشادَك، وليكُنْ عقلُك وزيرَك الذي يَدْعُوك إلى الهدى، ويجنِّبك من الرَدى، واحْبِس هواك عن الفواحش، وأطْلِقه في المكارم، فإنك تبرّ بذلك سلَفك، وتَشِيد به شرفَك"، ومن كان كما تقدم لم يقتصر بره لأصوله على التسبب في الثناء بل يستدرُّ لهم دعواتٍ صالحةً، فكم من أبٍ أو أمٍ وصلته دعوة وهو تحت الثرى، ودافع الداعي له الإعجاب بصلاح ولده، والانتفاع بثمرة ما غرس فيه من مبادئ حسنة، وما ربَّاه عليه من سموِّ الأخلاق والجدِّ في تنمية المواهب.
الثانية: المحسن المنجز خير ممثل لبلاده داخلها وخارجها في عصره وبعد مماته، وذلك من خلال ما يُدونُ من علومه ومآثره وإنجازاته، فكم من مدينةٍ عرف القراء اسمها من غلاف كتاب صنفه بعض أبنائها، وكم من بلدٍ بحث عنه الباحث تبعاً للبحث حول أحد أبنائه، وبعض أسماء البلدان لا يخلو التعريف بها إلا بذكر بعض أعلامها المنتسبين إليها، فمن كان السبب في تعطير اسم وطنه ونشر صيته فقد برَّ به، وكافأه ببعض معروفه عليه، وتلك مكافأة لا ينبغي للعاقل أن يزهد في أن يتشرف بإسدائها إلى بلده، وليست تبرعاً ممن فعلها فهي عبارةٌ عن بناء ذاته وتكوين شخصيته وبذله للبشرية عطاء معتبراً؛ إذ لا انفكاك بين حسن سمعة الشخص الناتجة عن هذا وبين تمثيله الحسن لبلاده، كما أن الوطن هو المعطي الأول فالمردود المكتسب ما هو إلا ريع عطائه، وفي الأخير لن يَعدم من رفع اسم وطنه عالياً أن يُحتفى باسمه في وطنه، ويُنوه به كشخصية وطنية.
الثالثة: كما أن الفضائل والإنجازات ونفع البشرية برٌّ بالأصول والأوطان، فالتصرفات السيئة عقوقٌ للأصول وللأوطان، فمن تخبط في الأفعال السيئة فقد فتح ذريعة إلى أن تُذكر أسلافه بسوء، وهو في هذا عاقٌ لهم، لا سيما إن كان تصرفه من قبيل التطاول على أصول الآخرين بما يستدعي الرد بالمثل فهذا مجرد شاتم لسلفه، وقد ورد في ذلك وعيدٌ غليظٌ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» أخرجه البخاري، ومن كان له وازعٌ يكفُّهُ عن عقوق سلفه لم يُقدم على ارتكاب قبائح تكون سُبَّةً يُعيَّرُ بها أهل بيته، فالقول السيئ له عدوى تصيب القريبين من الشخص، وإنما يخاف من أهل القيل والقيل وليس عندهم من الإنصاف ما يُميزون به بين المسيء وبين أصوله، بل يقعون في الجميع، ويقال في الأوطان مثل ذلك، فمن عقوقها أن يقع الإنسان في قبائح تذكر فيها بسوء.




http://www.alriyadh.com/1999271]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]