تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الصبر على الابتسامة



المراسل الإخباري
02-27-2023, 03:56
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
ليس هناك شيء تحل به الخصومات، وتؤلف به القلوب، وتتفاءل به العيون والأفئدة مثل الابتسامة الصادقة، فنحن بحاجة إلى تعلمها وإلى الصبر عليها حتى في المواقف الصعبة على قلوبنا..
قيل في الصبر: أنواعه ثلاثة؛ صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وكل تلك الأنواع تكلم فيها المتكلمون وألف فيها المؤلفون، وانطلقوا من أدلة وآثار وأشعار في الصبر، ولكن لم نر من تكلم بإسهاب في الصبر على الابتسامة، ومع كونها من طاعة الله، فإن الابتسامة والسرور من طاعة الله إذا ما تقصدها المسلم لتكون صفة راسخة به، فهو بذلك يضيف إلى المجتمع المسلم خاصة وإلى "بني البشر" عامة، مصدرًا من مصادر صناعة السعادة والسرور، ففي الحديث "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وباب الصدقات من أجل العبادات، ولا يصل المتصدق إلى تحقيق هذه العبادة إلا بكد في تحصيل ما يتصدق به من مال، ثم بترويض نفسه على البذل والعطاء، ثم إلى مجاهدة نفسه في أن يحبب إلى نفسه الإنفاق حتى يصير صفة راسخة به، فلا تطيب به الحياة إلا أن يتصدق، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً"، على أحد التفسيرين بأنهم ينفقون مع محبتهم الطبيعية للمال، وقد كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنـه - ينفق النفقات التي قد يعجز عنها الآخرون من الصحابة كما في الحديث، وذلك تأسيًا بنبيه - صلى الله عليه وآله وسلـم -، الذي كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وفي التنزيل كذلك في وصف الأنصار: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، فمرحلة الإيثار مرحلة لا تتأتى إلا بصبر ومجاهدة، ومن هنا جاء تشبيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلـم - للابتسامة في وجوه الآخرين بالصدقة، وذلك لما تتطلبه أولاً من تمرّس في اكتسابها، فليس كل أحد يستطيع أن يبتسم، فقد يتكلف المتكلف الابتسامة ولكنها لا تعدو أن تكون ابتسامة زائفة تقرأها القلوب بعكس مراد فاعلها، فكان الاتصاف بالابتسامة أمرًا لا يتأتى لكل أحد، ولكن لا يستثنى أحد من الترغيب في اكتسابها، والموفق من وفقه الله، فاكتساب الابتسامة يحتاج أولاً إلى صبر في تعلمها، فتكون متبسمًا في وجوه أقرب الناس لك من والدين وإخوة وزوجة وأبناء وجيران، فإن الأقربين أولى بالمعروف، ولن يكونوا يومًا ما من الأغنياء عن تبسمك في وجوههم مهما أكثرت عليهم منها، ومع أن عادة الكثيرين غلبت عليهم في التعامل مع الأقربين بجفاء محض دون النظر إلى أن هؤلاء الأقارب هم أحق الناس بتلك الابتسامة، فنحتاج هنا إلى جبال من الصبر لكي نعتاد أن تكون الابتسامة صفة دائمة فينا مع أحق الناس بها قبل غيرهم.
ويصف القرآن الكريم نبي الله سليمان - عليه السـلام - وهو يرى آية من آيات الله، نملة تنذر بني جنسها وتحذرهم من أن يحطمهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فكان وصف القرآن له: "فتبسم ضاحكًا من قولها" فكان تعبيره بالابتسامة هو تعبير وصفي لحاله الدائم، فالابتسامة لا تمل بحال من الأحوال، لا سيما إن انطلقت من قلب صادق ومعتادٍ على بذلها، قال الزجاج: أكثر ضحك الأنبياء التبسم.
قال عبدالله بن الحارث: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعن جرير قال: "ما حجبني النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي" قال ابن بطال: "لقاء الناس بالتبسم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة، وهو مناف للتكبر وجالب للمودة". فليس هناك شيء تحل به الخصومات، وتؤلف به القلوب، وتتفاءل به العيون والأفئدة مثل الابتسامة الصادقة، فنحن بحاجة إلى تعلمها وإلى الصبر عليها حتى في المواقف الصعبة على قلوبنا كذلك فنبتسم.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1999698]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]