المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تكلُّفُ المكفي



المراسل الإخباري
03-02-2023, 03:54
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
مِن تكلف المكفيِّ في العبادات حمل النصوص الشرعية على المفاهيم المبتدعة، والأهواء المخترعة بعيداً عما يفهمه منها العلماء الراسخون، وعقد الولاء والبراء على ذلك المفهوم المتكلَّف كما حصل ويحصل من الخوارج وسائر الفرق البدعية..
لا بد للإنسان من سعي يُصلحُ به من خلاله أمورَ معاشه ومعاده، وعملٍ صالح يُقدِّمُهُ بين يديه، فهو لم يُخلق إلا لحكمةٍ عاليةٍ، ولن يُترك سُدى، وله دارانِ دار عمل لا بقاء فيها وعليه أن يُمهِّد فيها لدار بقاءٍ لا عملَ فيها، والمساحة المتاحة له ليسعى فيها ذلك السعي ليست مفتوحة على حسبما يهوى، بل تُحيطُ بها حدود متنوعة؛ إذ لعمره أجل لا يعرفه، ولصحته وقوته وتوفر إمكاناته توقيتٌ غيبي، فلا يدري ما قُدِّرَ عليه أن يُسلب هذه الإمكانات ومتى يُسْلَبُها؟ وقد تكاثرت أمامه أنواع العمل النافع المنجي من عذاب الآخرة، والمثمر في عمارة الأرض وإصلاحها، ولن يُنجز فيها من ينصرف عما بوسعه منها تشوفاً إلى ما لا شأنَ له فيه، وإذا كان كذلك فجديرٌ بالعاقل ترشيد الجهود والإقبال على المهمات، والكف عما لا يعنيه، وأن لا يتكلف الانشغال بأمورٍ كفاه الشرع مؤونتها ورسم معالمها، أو تولاها صاحب الصلاحية في مزاولتها، ولي مع تكلُّفِ المكفيِّ وقفات:
الأولى: من الأمور التي يترتب عليها الخلل في العبادات أن يتكلف الإنسانُ تكييفها بتقييد مطلقها وتحديد مرسَلها وتخصيص عامّها، فيكون قد كلَّف نفسه رسم معالمِ الشرع، وذلك أمرٌ مفروغٌ منه ليس أمر الزيادة والنقص فيه إلى العبد، فقد أكمل الله تعالى دينه، وأبلغه رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتم الإبلاغ، وما على المسلم إلا أن يمتثل ما بلَّغه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه، وكفاه هذا إذا قام به، وقد قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: (اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ)، والمتكلف ما قد كُفيَ أمرَه من رسم معالم العبادات باذلٌ جهده ووقته فيما لا يُنجِز فيه، ومن عواقب ذلك أن تضيع واجباته الدينية والدنيوية بسبب تسوُّره على ما لا يعنيه، فلا هو مُقبلٌ على ما أُمِرَ بالإقبال عليه، ولا هو مُنتفعٌ بالتكلف؛ ولما كانت السنن معياراً للمأمور بالاشتغال به المنتفع بمزاولته، وكانت البدع معيار التكلُّف حصل التضادُّ بين الإقبال عليهما، فلا يُوصفُ بالسنة إلا من انقاد ولم يتكلف، وقد قال بعض السلف: "مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا، ثُمَّ لَمْ يُعِدْهَا إِلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
الثانية: من تكلف المكفيِّ في العبادات حمل النصوص الشرعية على المفاهيم المبتدعة والأهواء المخترعة بعيداً عما يفهمه منها العلماء الراسخون، وعقد الولاء والبراء على ذلك المفهوم المتكلَّف كما حصل ويحصل من الخوارج وسائر الفرق البدعية حيث تكلف أوائلهم في النصوص الشرعية فهوماً أداهم إليها الهوى مع مخالفتها لما فهمه الصحابة وتابعوهم بإحسان، ولا يكتفون بهذا التكلف، بل يزيدون عليه استباحة حرمة من لا ينضوي تحت لوائهم الشاذ، فيتكلفون التفسير الخاطئ والتنزيل الغاشم، ويُقدِّمون فهمهم السطحي على ثوابت الشرع ومبادئه المجمع عليه من عصمة الأنفس والأعراض، ومن التكلف وضع الإجراءات الشرعية في غير موضعها وإلباس تلك الصور السطحية المبتدعة لباس الصور الشرعية ومحاولة إعطائها حكمَها الشرعيَّ كما يرتكبه المنتسبون إلى الجماعات والفرق من بيعة شيوخها وقادتها ومحاولة إضفاء صفة الشرعية على تلك البيعة مع أنها شقاقٌ لم يُعهد مثله عند السلف الصالح، ولم يكن علماء الصحابة - رضوان الله عليهم - يدعون أحداً إلى بيعتهم شيوخاً ومرشدين، وعلى ذلك مضى أتباعهم من فقهاء المسلمين ومنهم الأئمة الأربعة، فقد علَّموا وأرشدوا ولم تواكب ذلك بيعة ولا تنظيم.
الثالثة: كما يكون التكلف في التطفل الصارخ على ما ليس للإنسان فيه مقال، كذلك يكون في أن يتعدى ما خُوّله من الصلاحيات، بأن يتولى شأناً في وظيفةٍ عامةٍ أو خاصةٍ أو نظارة وقفٍ، فلا يتقيد بما رسمه النظامُ من معالمَ واضحة، وما حدده من إجراءاتٍ معينة، ومعلومٌ أن آليات تطبيق المهامِّ منها ما يُمكنُ أن يجتهد المباشر في تكييفه وتنزيله؛ لأن له مناطاً اعتُبرت فيه قيودٌ لا بد من النظر فيها وتقدير توفرها أو عدمه، والاجتهاد في هذا - وإن دعت إليه الحاجة - إلا أنه محكومٌ بقدرها، فإن تخطاه الناظر أو المنفذ تكلف شيئاً كُفي مؤونته، ومنها ما هو منصوصٌ لا يحتاج تطبيقه إلى اجتهادٍ في النظر، بل إذا وُجدت الصفة المعتبرة لم يخف حكمها على من يتعاطى أمرها، والتدخل بالاجتهاد في هذا النوع وتأويل الأنظمة واللوائح المتعلقة به إما أن يكون ممن يزعم بوهمه تحري الأليق، فيكون متكلفاً ما كفاه أمرَه أهلُ الشأن، ولهم من الخبرة والكفاءة والصلاحية ما يجعل تأويل عبارة أحدهم عبثاً من مؤولها، وإما أن يكون بدافع الهوى فيكون خيانةً للأمانة.




http://www.alriyadh.com/2000301]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]