تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بين الكنيسة وغوغل



المراسل الإخباري
03-05-2023, 04:34
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png لم تكن أوروبا جاهزة لما جاء به غوتنبرغ حينما اخترع الآلة الطابعة ناشراً الكتاب المقدس بين الناس. كما لم تكن الكنيسة جاهزة لما انطوى عليه كتاب جاليليو عن حركة الكواكب ومركزية الأرض. ولا أظن أن غوغل كانت جاهزة لما سيأتي به الذكاء الاصطناعي من مفاجآت ربما تقضي على الحاجة إلى البحث على الإنترنت. النموذج واحد، الابتكار يتحرك ملتهماً جمود الأفكار والأساليب القديمة ومن يتمسك بها أو يدافع عنها.
لم يحاسب أحد غوتنبرغ على اختراعه الذي غير أوروبا عندما ابتدأ شرارة التغيير ولم يكافئه أحد أيضاً. كانت المطبعة مؤثرة ببطء، مثل الأنهار التي تجري في باطن الأرض، فلا تشعر بها إلا وقد تفجرت ينابيع وأنهاراً. كانت المطبعة منصة معرفية مثل الإنترنت، ربطت أوروبا بخيوط معرفية لا ترى بشبكة من المنشورات والكتب والمجلات التي انتشرت لتكون وسيلة مفتوحة للمراسلة والاتصال.
على عكس غوتنبرغ، كانت مشاهدات جاليليو قد ضربت الكنيسة بلكمة في أحشائها. صدمت الكنيسة بمنطق المجتمع العلمي الجديد الذي ظهر بآراء تسفه أحلامها. كان المفهوم الفلكي للكنيسة حول علاقة الأرض بالكون مرتبطاً بالمفهوم الديني في أوروبا، حيث مركزية الأرض جزء من مركزية الخالق عند الكنيسة. سواء كان الكتاب المقدس قد أوحى بالفكرة أو اقتضاها منطق ارتضوه، فقد أخذت الكنيسة موقفاً صارماً لم تكن مستعدة للتراجع عنه.
حبس جاليليو بعد محاكمته حبساً منزلياً، وإذا بكلمته الأخيرة التي أطلقها ساخرة تدوي في ردهات التاريخ عندما قال بعد نطق الحكم: ولكنها تدور! كان جاليليو بطريقة ما يدفع فواتير اختراع غوتنبرغ الآجلة، فقد أدركت الكنيسة أن الأفكار على غير ما كانت سابقاً، تجد طريقها للانتشار بسرعة، وأنها سلاح نافذ. كما لو كانت الكنيسة مطبقة بيديها بكل قوة على عبوة قابلة للانفجار، وقد انفجرت فعلاً وهي لا تدري.
وكما حاولت الكنيسة أن تخرس صافرة نهايتها بكل ما تملك، نرى اليوم غوغل تسعى للنجاة من مصير مشابه بوسائل مختلفة طبعاً. المفارقة أن الكنيسة هي من رسمت لنفسها الطريق التي أدت بها إلى ذلك المصير، وكذلك غوغل. فكما صنعت الكنيسة الأسطورة التي التفت مشنقة حول عنقها آخر الأمر، كانت غوغل تصقل السيف الذهبي المعلق فوق رأسها بخيط رفيع.
بعد فرويد الذي سمّى نفسه الجرح الثالث، تزحزحت ثلاث أفكار عن المركز: الأرض نسبة إلى الكون، والإنسان نسبة إلى الوجود، والوعي نسبة إلى النفس الإنسانية. تقدم العلم الحديث بسرعة ليجيب عن الأسئلة الكبرى وتولى الاقتصاد مناطق النفوذ التي كانت تشغلها سلطة الكنيسة. استبدلت الكنيسة بنظام أكثر مرونة، لا يخلو من تحدياته الداخلية وتناقضاته الفجة، إنما يصحح نفسه باستمرار مع كل ما تعترضه من أزمات. لكن بقي الابتكار العنصر الواحد الذي استمر منذ البداية، ينمو ويتسع دون توقف إلى اليوم.




http://www.alriyadh.com/2000784]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]