المراسل الإخباري
03-10-2023, 12:35
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
الربط بين الوعي والإدراك والتخيل هو ما يقود العمل نحو الدهشة والتي هي أهم ما يميز النتاج في نهاية المطاف، وعلى الجانب الآخر إذا ما سيطر الوعي سيطرة كاملة -لحظة تدفق التخيل- أعاق تلك الدهشة المرتقبة عن التحقق..
الإبداع كلمة لكنها في مضمونها شيء عظيم، وكثير من المنظرين أعزوها للموهبة، وآخرون ردوها إلى الاكتساب، وثالث الآراء جمع لها بين الموهبة والتعلم. ومن هنا حيرت علماء الأنتلجنسيا والفلاسفة بمداراتهم الواسعة.
وإذا ما عدنا إلى التساؤل عن: ما معنى كلمة الإبداع؟ فسنجد الفلاسفة نظروا لها بأنها "تمثل جوهر الإبداع (Creation)؛ وهو يمثل النشاط الذي يقف على العكس من الاتباع والتقليد". ومعنى الإبداع في اللغة هو: "إحداث شيء جديد على غير مثال سابق"، لهذا فإن الإنتاج الذي يتصف بالإبداع تتوفر في صياغته النهائية صفات الجدة والطرافة والدهشة، وإن كانت عناصره الأولية موجودة من قبل.
وقد خلق هذا المسمى (السحري) من الإنتاج نوعاً من الجدلية في إطلاقه على كل ما هو علمي أو أدبي، فذهب عالم الفلسفة الدكتور عبدالحليم محمود السيد إلى أنه يطلق على "كل الإنتاجات الأدبية والفنية والعلمية، وعدد كبير من ضروب النشاط في مواقف الحياة المختلفة بشرط أن تتوفر في هذه الإنتاجات إحدى الصفتين التاليتين أو كلتاهما: 1- الإحداث، الذي يتمثل في ظهور إنتاج أو أفكار إلى حيز الوجود الفعلي، و2- التكوين والصنع، الذي يتمثل في وجود مادي جديد للشيء مثل (الاختراع) والاكتشاف".
وكلاهما خلق نوعاً من الجدال بين العديد من المفكرين والفلاسفة، حيث يرى البعض أن كلمة "إبداع" لا تنطبق إلا على الإنتاج الأدبي والفني. هذا التمايز بين العلماء والمخترعين والمكتشفين، وبين الأدباء والشعراء والفنانين أعزاه البعض الآخر إلى أن "الإبداع في الفنون والآداب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية المبدع وحياته الذاتية، وكأن هذا التمايز يشير إلى أن المبدعين من الأدباء والمفكرين والشعراء يختلفون عن المخترعين والمكتشفين، حيث إن النوع الأول يلتصق إبداعهم ببصمتهم هم أنفسهم دون غيرهم، فيها تتجلى شفرات أفكارهم فلا تتكرر بين شخص وآخر، في حين أن النوع الأخير يمكن أن يتكرر ويتداول وينتج مرة أخرى بذات السمات والأدوات.
وعلى كل حال فإن الإبداع بصفة عامة هو إيجاد منتج لم يسبق له مثال سابق، سواء كان علمياً أم أدبياً، فهو لحظة استبصار تنبثق فجأة لتلد مكوناً يحمل الدهشة والطرافة والحداثة والطزاجة في الوقت نفسه.
أما الخيال فهو تحليق الإنسان بخياله في عوالم جديدة، وخبرات جديدة، لكنه يظل في نهاية الأمر أقرب إلى التمني، فبالتمني عادة لا تُدرك الأماني! ومن هنا تبادر لنا هذا التساؤل وهو: ما العلاقة بين الإبداع والخيال؟
سؤال محير خاصة أنه في الدراسات للحالات الإبداعية نجد تلك العلاقة شرطية بين حديهما.
في التعريف الفلسفي لجوهر الخيال هو "إعادة تركيب الخبرات السابقة في أنماط جديدة من التصورات أو الصور الذهنية التي لدينا عن الموضوعات أو الأحداث التي سبق أن كان لنا بها خبرة سابقة".
ومن هنا تنشأ العلاقة بين التخيل الإبداع، إلا أن الثاني هو الأساس، فهو تلك اللحظة الخاطفة الآسرة، بينما يعتمل التخيل في تطويرها عبر تراكيب زمانية مستحدثة لصنع الفعل نفسه والذي يتلخص في فرضية (ماذا لو؟!)، فهذه الفرضية هي الجين الأساس الذي يطوره التخيل. إلا أن عملية التخيل في بعض الأحيان لها خطورتها أثناء صياغة المنتج الإبداعي، فالإمعان فيه قد يحول العمل برمته إلى نوع من الهذيانات، بحيث إنه يجب أن تكون تحت قيادة العقل أو قل الوعي التام بما تصير له عملية التخطيط والهندسة المعمارية للعمل بشكل عام، فالإفراط في عملية التخيل قد ينتج لنا عملاً يتسم بالهذيانات كما سبق وأشرنا، إذا ما أطلقنا العنان لهذا التخيل، فالربط بين الوعي والإدراك والتخيل هو ما يقود العمل نحو الدهشة والتي هي أهم ما يميز النتاج في نهاية المطاف، وعلى الجانب الآخر إذا ما سيطر الوعي سيطرة كاملة -لحظة تدفق التخيل- أعاق تلك الدهشة المرتقبة عن التحقق، فتحول العمل برمته إلى عمل مدرسي ممجوج، فالوقوف على حد السيف بين هذين الحدين هو ما يميز عملاً عن الآخر، وهو ما يميز أيضاً كاتباً عن نظيره، على الرغم من توافر العناصر والتراكيب في التخيل نفسه.
ومن هنا ينشأ هذا الارتباط بين الإبداع والتخيل؛ إلا أننا نجد أن إنتاج الكثير من الكتاب والمؤلفين يغلب عليه ذلك الخلط بين إعادة التركيب من صور ذهنية وبين صياغة الفكرة التي هي أساس الإبداع نفسه، فيطغى التخيل في إنتاجهم بينما تتلاشى فيه سمة الأخير بما يحتويه من معنى اصطلاحي، أو يطغى الوعي الذاتي مكبلاً تلك التراكيب التخيلية ليكون عائقاً لكل إثراء ممتع بهالات مضيئة تكسر كل حواجز التوقعات. هذا الخلل في التوازن بين الإبداع والتخيل يجعل الأرفف تزدحم بالكثير من الأوراق، فتظل في نهاية المطاف مجرد أوراق، حيث تقل المتعة، ويندر التفضيل أو الاختيار!
http://www.alriyadh.com/2001728]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
الربط بين الوعي والإدراك والتخيل هو ما يقود العمل نحو الدهشة والتي هي أهم ما يميز النتاج في نهاية المطاف، وعلى الجانب الآخر إذا ما سيطر الوعي سيطرة كاملة -لحظة تدفق التخيل- أعاق تلك الدهشة المرتقبة عن التحقق..
الإبداع كلمة لكنها في مضمونها شيء عظيم، وكثير من المنظرين أعزوها للموهبة، وآخرون ردوها إلى الاكتساب، وثالث الآراء جمع لها بين الموهبة والتعلم. ومن هنا حيرت علماء الأنتلجنسيا والفلاسفة بمداراتهم الواسعة.
وإذا ما عدنا إلى التساؤل عن: ما معنى كلمة الإبداع؟ فسنجد الفلاسفة نظروا لها بأنها "تمثل جوهر الإبداع (Creation)؛ وهو يمثل النشاط الذي يقف على العكس من الاتباع والتقليد". ومعنى الإبداع في اللغة هو: "إحداث شيء جديد على غير مثال سابق"، لهذا فإن الإنتاج الذي يتصف بالإبداع تتوفر في صياغته النهائية صفات الجدة والطرافة والدهشة، وإن كانت عناصره الأولية موجودة من قبل.
وقد خلق هذا المسمى (السحري) من الإنتاج نوعاً من الجدلية في إطلاقه على كل ما هو علمي أو أدبي، فذهب عالم الفلسفة الدكتور عبدالحليم محمود السيد إلى أنه يطلق على "كل الإنتاجات الأدبية والفنية والعلمية، وعدد كبير من ضروب النشاط في مواقف الحياة المختلفة بشرط أن تتوفر في هذه الإنتاجات إحدى الصفتين التاليتين أو كلتاهما: 1- الإحداث، الذي يتمثل في ظهور إنتاج أو أفكار إلى حيز الوجود الفعلي، و2- التكوين والصنع، الذي يتمثل في وجود مادي جديد للشيء مثل (الاختراع) والاكتشاف".
وكلاهما خلق نوعاً من الجدال بين العديد من المفكرين والفلاسفة، حيث يرى البعض أن كلمة "إبداع" لا تنطبق إلا على الإنتاج الأدبي والفني. هذا التمايز بين العلماء والمخترعين والمكتشفين، وبين الأدباء والشعراء والفنانين أعزاه البعض الآخر إلى أن "الإبداع في الفنون والآداب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية المبدع وحياته الذاتية، وكأن هذا التمايز يشير إلى أن المبدعين من الأدباء والمفكرين والشعراء يختلفون عن المخترعين والمكتشفين، حيث إن النوع الأول يلتصق إبداعهم ببصمتهم هم أنفسهم دون غيرهم، فيها تتجلى شفرات أفكارهم فلا تتكرر بين شخص وآخر، في حين أن النوع الأخير يمكن أن يتكرر ويتداول وينتج مرة أخرى بذات السمات والأدوات.
وعلى كل حال فإن الإبداع بصفة عامة هو إيجاد منتج لم يسبق له مثال سابق، سواء كان علمياً أم أدبياً، فهو لحظة استبصار تنبثق فجأة لتلد مكوناً يحمل الدهشة والطرافة والحداثة والطزاجة في الوقت نفسه.
أما الخيال فهو تحليق الإنسان بخياله في عوالم جديدة، وخبرات جديدة، لكنه يظل في نهاية الأمر أقرب إلى التمني، فبالتمني عادة لا تُدرك الأماني! ومن هنا تبادر لنا هذا التساؤل وهو: ما العلاقة بين الإبداع والخيال؟
سؤال محير خاصة أنه في الدراسات للحالات الإبداعية نجد تلك العلاقة شرطية بين حديهما.
في التعريف الفلسفي لجوهر الخيال هو "إعادة تركيب الخبرات السابقة في أنماط جديدة من التصورات أو الصور الذهنية التي لدينا عن الموضوعات أو الأحداث التي سبق أن كان لنا بها خبرة سابقة".
ومن هنا تنشأ العلاقة بين التخيل الإبداع، إلا أن الثاني هو الأساس، فهو تلك اللحظة الخاطفة الآسرة، بينما يعتمل التخيل في تطويرها عبر تراكيب زمانية مستحدثة لصنع الفعل نفسه والذي يتلخص في فرضية (ماذا لو؟!)، فهذه الفرضية هي الجين الأساس الذي يطوره التخيل. إلا أن عملية التخيل في بعض الأحيان لها خطورتها أثناء صياغة المنتج الإبداعي، فالإمعان فيه قد يحول العمل برمته إلى نوع من الهذيانات، بحيث إنه يجب أن تكون تحت قيادة العقل أو قل الوعي التام بما تصير له عملية التخطيط والهندسة المعمارية للعمل بشكل عام، فالإفراط في عملية التخيل قد ينتج لنا عملاً يتسم بالهذيانات كما سبق وأشرنا، إذا ما أطلقنا العنان لهذا التخيل، فالربط بين الوعي والإدراك والتخيل هو ما يقود العمل نحو الدهشة والتي هي أهم ما يميز النتاج في نهاية المطاف، وعلى الجانب الآخر إذا ما سيطر الوعي سيطرة كاملة -لحظة تدفق التخيل- أعاق تلك الدهشة المرتقبة عن التحقق، فتحول العمل برمته إلى عمل مدرسي ممجوج، فالوقوف على حد السيف بين هذين الحدين هو ما يميز عملاً عن الآخر، وهو ما يميز أيضاً كاتباً عن نظيره، على الرغم من توافر العناصر والتراكيب في التخيل نفسه.
ومن هنا ينشأ هذا الارتباط بين الإبداع والتخيل؛ إلا أننا نجد أن إنتاج الكثير من الكتاب والمؤلفين يغلب عليه ذلك الخلط بين إعادة التركيب من صور ذهنية وبين صياغة الفكرة التي هي أساس الإبداع نفسه، فيطغى التخيل في إنتاجهم بينما تتلاشى فيه سمة الأخير بما يحتويه من معنى اصطلاحي، أو يطغى الوعي الذاتي مكبلاً تلك التراكيب التخيلية ليكون عائقاً لكل إثراء ممتع بهالات مضيئة تكسر كل حواجز التوقعات. هذا الخلل في التوازن بين الإبداع والتخيل يجعل الأرفف تزدحم بالكثير من الأوراق، فتظل في نهاية المطاف مجرد أوراق، حيث تقل المتعة، ويندر التفضيل أو الاختيار!
http://www.alriyadh.com/2001728]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]