المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جماليات على الطريق



المراسل الإخباري
03-12-2023, 03:14
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
كم هي تلك الآيات التي تصف جمال السماء وتزيين الله لها بالكواكب، وتزيين الأرض بالحدائق والأنهار والبحار، وما على الإنسان إلا أن يكون محافظًا على هذا الجمال الرباني، ومكتسبًا وصانعًا للجمال الإنساني الذي لا بد من وجوده لنشتاق لكل يوم جديد، نسعد فيه بجمال الحياة..
الجماليات المشتركة بين الناس هي تلك التي يحب أن يراها ويستمتع بمشاهدتها جميع الناس، لكن القليل هم الذين يوجدونها ويبتكرون وسائل تنوعها والحفاظ عليها، وهذا الجمال المحبوب ليس مختصًا بمحبة البشر، بل إن رب البشر أيضًا يحبه، ويحب كل ما هو جميل، وليس لنا أن نتوغل في لطائف محبة الله للجمال في خلقه فهو القائل: «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير».
الجمال العام هو الرابط بين تلك النفوس الراقية، التي تحاول أن تجعل من أمنياتها النفسية حقيقة على الواقع، فإنه ما من إنسان إلا ويتمنى ويحب أن يرى شيئاً جميلاً وهو مارّ في شارع حارته، أو وهو ذاهب إلى عمله، فهذه الحدائق ذات البهجة، وتلك الأشجار الخضراء التي تتزين بها المدن والطرق الحضارية ليست لمجرد الجمال وحسب، بل نفعها عظيم في توازن البيئة وإدخال السرور على المشاهدين.
قد لا تكون مخولًا بإيجاد شيءٍ من تلك الجماليات ولكنك مأمور بالمحافظة عليها، بل وبإزالة ما يمكنك إزالته مما يشوه تلك المنافع، ولك بذلك أجرك عند الله، ونقاوة وراحة تجدهما في نفسك لتصرفك الإيجابي هذا، وفي الحديث: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها فليفعل"، وهذا اهتمام دقيق لا أقول: شرعي فحسب بل إنساني جمالي، وفي مظهر منزلك وسواحه تستطيع أن تفعل وتظهر شيئاً جميلاً، وعلى واجهة شركتك وفي مكتبك تستطيع أن تسعد الآخرين بجمال ما تزين به المظهر العام، حتى ملبسك وأناقتك يحبها الله حين تكون جميلاً، وقد لا تجد مسلمًا إلا ولهج لسانه بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال"، قاله لمن سأله: "يا رسول أريت الرجل يحب أن يكون نعله حسناً وثوبه حسناً" فلم يقتصر الرجل على ذكر جماله العام بل ذكر حتى جمال النعل، فأجابه النبي صلى الله عليه وآله بجواب جعله قاعدة عامة لكل من يسأل.
وكم نحرص على الظهور الجميل أيضًا في وسائل التواصل، حتى إن أحدنا يمكث الساعات في كواليس عمل أو برنامج لدقائق، وليس ذلك بمعيب بل هو من اكتساب وإظهار الجمال، ولكن الأجمل هو أن يرافقنا الجمال والتأنق في كواليس حياتنا الخاصة، ولو بغير ظهور للجماهير، فصناعة الجمال في محيطك؛ سواءً في ممتلكاتك وخاصتك، أم في مظهرك وذهابك وإيابك، هو جزء أساسي من الجمال العام الذي تتحدث عنه الشعوب، وإن لم نلحظ هذا المعنى في جمالياتنا، لأصبح الجمال محصورًا في شاشات وتطبيقات السوشل ميديا وقنوات التلفزة، وانظر في واقع النبي صلى الله عليه وسلم في ما قال أنس رضي الله عنـه: "ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قطُّ أطيب من رائحة رسول الله، وقد خدمت رسول الله، عشر سنين فما قال لي قطُّ: أفٍّ، ولا قال لشيء فعلتُه: لم فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا؟ فهذا جمال المظهر وجمال الرائحة وجمال الأخلاق، ومتى اجتمعت تلك الجماليات في بلدة وفي أناس إلا أحبها الله وأحبها الناس، وفي التنزيل الحكيم، أكثر ما رغب فيه الله أهل الطاعة هو جمال الآخرة، وجمال وصف الجنة التي فيها "ما لا عين رأت"، وهذا من أجمل صيغ التشويق لجمال الجنة، وكم هي تلك الآيات التي تصف جمال السماء وتزيين الله لها بالكواكب، وتزيين الأرض بالحدائق والأنهار والبحار، وما على الإنسان إلا أن يكون محافظًا على هذا الجمال الرباني، ومكتسبًا وصانعًا للجمال الإنساني الذي لا بد من وجوده لنشتاق لكل يوم جديد، نسعد فيه بجمال الحياة. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2001992]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]