المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحلاهما شعرُ



المراسل الإخباري
03-18-2023, 03:35
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png أثار الدكتور فهد إبراهيم البكر في مقالة له هنا عبر هذا الملحق الثري هذا جدلية الفصيح والعامي في الشعر وجاءت بتاريخ 4 مارس وتحت عنوان «بين الشعر الفصيح والعامي»، وقد أضاء فيها كثيرا من الجوانب المعتمة فيما يتعلّق بالعلاقة الشائكة بينهما، مع الحذر في اتخاذ موقف تفضيلي لأحدهما على الآخر، والحقيقة أن الوقوف هنا من هذه القضية اليوم ليس إلا استتباعًا لما طرحه دكتورنا القدير، وامتدادًا لعرض المزيد من خصائص وسمات كل شعر، إن كان هناك سمات خاصة بكل نوع منهما ...!
في البدء علينا اختيار اسمٍ آخر للشعر «المعد «بلغة الحكي، إذ إن تسميته بالعامّي فيه بعض التجنّي عليه حين ننسبه للعوام في الوقت الذي يقوله ويتعاطاه نخبة من المثقفين، كذلك في تسميته بالنبطي بعدٌ تاريخي مجازي آخر قُصد به « تغرّبه عن الفصحى» لهذا أجدني أميل إلى تسميته بالشعر» المحكي»، وهذه التسمية ربما تعدّ مفتاحًا للإجابة على سؤال مهم يتعلق بالشعر بشكل عام .. «متى سمّي شعرًا فصيحًا، ومتى سمي شعرا شعبيا أو نبطيا أو حتى محكيّا كما أشاء»؟!
إن تسمية الشعر بالفصيح إنما تزامنت مع وجود لغة أخرى غير فصيحة «محكية» غير مكتوبة، حين اختصت الكتابة بالفصحى حتى في أبسط تعاملاتنا الحياتية، لأن للمكتوب مرجعية «إملائية وأسلوبية ونحوية» خالدة مع تعاقب العصور والأجيال، تميّزت بالثبات والتوثيق، وحين تمرّدت عليها لغة الحكي بمرجعيتها «الشفوية» مع تعاقب الأجيال والعصور وتمازج الألسنة واللغات، كان هذا الشعر الشفوي الخاضع بطبعه لإشكالية التناقل ومزالق أهواء الرواة وتباين سلوكياتهم، وهو ماعانى منه حتى الشعر الفصيح حين تأخر تدوينه عنه، وبالتالي فالشعر الأول الذي نسميه اليوم فصيحا.. جاء بلغة عصره وحكي أهله حينها كما يتناقل التاريخ.. فقد كان إذا شعبيا أو محكيّا وهكذا، ثم قُعّدت اللغة إملاء ونحوا واستندت في تقعيدها عليه في معظم الأحوال، بل إنه شكّل مرجعية لها كما هو حال الشواهد الشعرية التي احتج بها كل من النحو والبلاغة وغيرها من منظومة اللغة، وحين انزاحت لغة الحكي عن تلك القواعد المرجعية جاء شعر الحكي بهذا الانزياح والانحياز للغة المتمرّدة على منظومة اللغة المكتوبة... إذا يبدو أننا أمام «سطران.. أحلاهما شعر» لافرق بينهما إلا من خلال التلقّي وآثاره فينا .. فالشعر الفصيح نقرأه لنحاكمه وفق مرجعية تاريخية تعتمد على منظومة اللغة بكل قواعدها النحوية والإملائية والأسلوبية، في حين نسمع الشعر المحكي وفق مرجعية شعبية وذوقية «شفويّة» بطبعها تختص بالدارج بيننا في لغتنا، إذا الفرق الجوهري بينهما أن الفصيح مطبوع، في حين أن المحكي مسموع، والكتابة أوثق وأخلد من السماع بطبعها، ولو تأمّلنا واقعنا اليوم سنجد ديوانا «محكيا واحدا» مطبوعا مقابل ألف ديوان للفصحى، في المقابل آلاف الشعراء المحكيين نسمعهم اليوم في الإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي لم يفكروا أو يشرعوا في إصدار دوواين مطبوعة، بل إن جلّهم وأكثرهم تميزًا هو ذلك الذي تتدفّق الأبيات من ذاكرته دون حاجته لورقة مكتوبة فيها حتى لو افتعل كتابتها وفق قواعده الصوتية والشعرية، وقد انتبه صفيّ الدين الحلّي «1339-1277»م لهذا الفرق الجوهري بين النوعين حينما جمع الشعر المحكي في زمنه وأطلق عليه اسم «العاطل الحالي، والمرخّص الغالي» أي أنه عاطل عن التوثيق والتدوين وإن كان حلوا عذبا، ورخيصا في التداول وتباين معارف وسلوكيات ناقليه رغم «غلاه» كشعر مؤثر وعذب، كما هو شأن الشعر «المحكي» اليوم ...
إذا لسنا في صدد تفضيل شعر على آخر من حيث الشعر، لكننا حتما نتكئ على الفصيح لقدرته على التوثيق والحضور المرجعي لكل الناطقين بالعربية، مهما تعاقب الزمن وتباين متلقّوه، بينما نطرب لسماع الشعر المحكي، الذي قد يساهم بانتشار لهجة ما ..كما هو شأن شعرنا في الجزيرة العربية حينما حمل لواء الأغنية وانتشرت من خلاله لغتنا المحكية في كل أصقاع العربية، أو كما هو شأن « اللهجة المصرية أو السورية أو اللبنانية التي حملها وتحمّلها الفن بأجناسه كافة .. لكنها ظلّت مسموعة لامطبوعة، وبالتالي غير آمنة على مستوى الخلود وإن كانت عذبة جدا حدّ الدهشة عند سماعها ...
فاصلة:
إنها سيرة العمرِ
في أول الشعرِ ..أو أول الحزنِ
لا فرق مابيننا حين قال أبونا الكبير
« قفا نبك»
ثم بكينا طويلا إلى آخر الأغنيات




http://www.alriyadh.com/2003113]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]