المراسل الإخباري
03-18-2023, 03:35
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png يتردّد عندنا في بعض الأمثال السائرة اليوم عبارات من قبيل: «من خَيّرك حَيّرك»، وقولهم: «إذا أردتَ أن تحيّره فخيّره»، وما شابه ذلك من العبارات التي يتصرفون فيها للدلالة على أن التخييرَ أمرٌ يبعث على التحيير، وينطلق أكثر أولئك من معادلة (أن تختار)، يعني (أن تحتار)، وهذا الأمر صحيح في بعض أجزائه، غير أنه ليس شرطاً أن يكون صحيحاً على إطلاقه؛ إذ قد يخيّرك الإنسان لكي لا يحيّرك، بل ليوصِل إليك رسالة بأنك عزيز عليه، أو مهم لديه، أو لك مقامٌ خاص عنده، كأن يقول قائل: «ستبقى عزيزاً في حضورك أو غيابك»؛ فهنا لا يستلزم الأمر التحيير، بل إنه ليدل على التقدير والتوقير.
ويتنوع التخيير في مقاصده ومراميه بين اللغويين، والبلاغيين، والفقهاء، فيخرج إلى معانٍ عدة، كالإباحة، والتسوية، والتهديد، والتحقير، والتعجيز، ومعانٍ أخرى كثيرة، يمكن عدّ التخيير من خلالها (حُجَّةً قولية) تُقنِع مخاطباً مخصوصاً، وتؤدي غرضاً مقصوداً، وعندئذ يصبح التخيير وسيلة للإذعان، والقبول، وليس التردد والارتياب، ومن يتأمل في نصوص القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو الشعر العربي، سيجد أن التخييرَ (حجّةٌ قولية) ذات قيمة خطابية عالية، مهما تنوعت أغراضه، واختلفت معانيه.
ولو تأملنا في أحد كتب الأدب مثلاً، وهو كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) لأبي الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي (ت 852هـ) لوجدنا فيه نصّاً يؤكد على قيمة (التخيير) الإقناعية؛ يقول في الفصل الثاني من الباب الثالث عشر: «اعلم أن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشارا في الناس، حتى لا يسلم منها إلا القليل من الناس، وهي ذكرك الإنسان بما يكره، ولو بما فيه، سواء كان في دينه، أو بدنه، أو نفسه، أو خلقه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجته، أو خادمه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، أو حركته، أو بشاشته، أو خلاعته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك، أو بكتابك، أو رمزت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك».
فما الذي يجعل المؤلف هنا يسرد هذه الأنواع من الأمور المحظورة في الغيبة؟! ولماذا يسترسل في ذكرها بشكل دقيق، وعلى نحو مفصّل، وكأنه يريد أن يستقصي كل شاردة وواردة، ويحصي كل صغيرة وكبيرة؟! إنه إقناع المخاطب، وترسيخ ما يريد إثباته المتكلم حول هذا المفهوم المنهي عنه؛ إذ هو خطر عظيم، وإثم مبين؛ ولهذا فالتخيير لم يأتِ هنا لاستعراض هذه المنهيات، أو تعدادها، وإنما جاء للتأكيد على ضررها، وبيان تحقيرها؛ ليكون المخاطب أكثر اقتناعاً بفداحتها، ومن هنا أسهم التخيير في إغلاق منافذ التوقع عند المخاطب، بحيث لا يمكنه أن يجد فرصة أخرى، أو ثغرة ينفذ من خلالها.
إن التخيير بوصفه حجّة قولية أمر نبّه عليه (أرسطو) قديماً في (التفنيدات السفسطائية) تحت عنوان (اختيار الموضوع)، كما نبّه عليه البلاغيون العرب قديماً وحديثاً، وهو ما يؤكد على كونه وسيلة إقناع خطابية؛ ولهذا نعود إلى المثل الذي طُرح آنفاً (مَنْ خَيرّك حَيّرك)، فنقول: إنه ليس على إطلاقه، بل قد لا يصدق في كثير من المعاني التي يخرج إليها التخيير، ولا سيما التحذير، والتحقير، وفي ضوء ذلك يمكن التصرف في تلك العبارة (التحييرية) إلى عبارة أخرى (إقناعيّة)، هي: «مَنْ خَيّرك أَقنَعَك».
http://www.alriyadh.com/2003118]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
ويتنوع التخيير في مقاصده ومراميه بين اللغويين، والبلاغيين، والفقهاء، فيخرج إلى معانٍ عدة، كالإباحة، والتسوية، والتهديد، والتحقير، والتعجيز، ومعانٍ أخرى كثيرة، يمكن عدّ التخيير من خلالها (حُجَّةً قولية) تُقنِع مخاطباً مخصوصاً، وتؤدي غرضاً مقصوداً، وعندئذ يصبح التخيير وسيلة للإذعان، والقبول، وليس التردد والارتياب، ومن يتأمل في نصوص القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو الشعر العربي، سيجد أن التخييرَ (حجّةٌ قولية) ذات قيمة خطابية عالية، مهما تنوعت أغراضه، واختلفت معانيه.
ولو تأملنا في أحد كتب الأدب مثلاً، وهو كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) لأبي الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي (ت 852هـ) لوجدنا فيه نصّاً يؤكد على قيمة (التخيير) الإقناعية؛ يقول في الفصل الثاني من الباب الثالث عشر: «اعلم أن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشارا في الناس، حتى لا يسلم منها إلا القليل من الناس، وهي ذكرك الإنسان بما يكره، ولو بما فيه، سواء كان في دينه، أو بدنه، أو نفسه، أو خلقه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجته، أو خادمه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، أو حركته، أو بشاشته، أو خلاعته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك، أو بكتابك، أو رمزت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك».
فما الذي يجعل المؤلف هنا يسرد هذه الأنواع من الأمور المحظورة في الغيبة؟! ولماذا يسترسل في ذكرها بشكل دقيق، وعلى نحو مفصّل، وكأنه يريد أن يستقصي كل شاردة وواردة، ويحصي كل صغيرة وكبيرة؟! إنه إقناع المخاطب، وترسيخ ما يريد إثباته المتكلم حول هذا المفهوم المنهي عنه؛ إذ هو خطر عظيم، وإثم مبين؛ ولهذا فالتخيير لم يأتِ هنا لاستعراض هذه المنهيات، أو تعدادها، وإنما جاء للتأكيد على ضررها، وبيان تحقيرها؛ ليكون المخاطب أكثر اقتناعاً بفداحتها، ومن هنا أسهم التخيير في إغلاق منافذ التوقع عند المخاطب، بحيث لا يمكنه أن يجد فرصة أخرى، أو ثغرة ينفذ من خلالها.
إن التخيير بوصفه حجّة قولية أمر نبّه عليه (أرسطو) قديماً في (التفنيدات السفسطائية) تحت عنوان (اختيار الموضوع)، كما نبّه عليه البلاغيون العرب قديماً وحديثاً، وهو ما يؤكد على كونه وسيلة إقناع خطابية؛ ولهذا نعود إلى المثل الذي طُرح آنفاً (مَنْ خَيرّك حَيّرك)، فنقول: إنه ليس على إطلاقه، بل قد لا يصدق في كثير من المعاني التي يخرج إليها التخيير، ولا سيما التحذير، والتحقير، وفي ضوء ذلك يمكن التصرف في تلك العبارة (التحييرية) إلى عبارة أخرى (إقناعيّة)، هي: «مَنْ خَيّرك أَقنَعَك».
http://www.alriyadh.com/2003118]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]