تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأدب والبيئة الثقافية - المجتمعية.. رؤية انطباعية



المراسل الإخباري
03-24-2023, 04:26
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
النقد المستنير يعين على الإبداع الفني.. فالموقف النقدي يوجب على الناقد أو المثقف بشكل عام أن يتفاعل مع بيئته الثقافية ومع الإبداع الفني الذي تفرزه هذه البيئة أياً كان شكل هذا الفن؛ سواءً كان شعراً شعبياً أو حديثاً أو تقليداً..
يشكو معظم النقاد من الصعوبة التي تواجههم وهم يحاولون التمييز بين الفنون الأدبية المتداخلة وبالذات عند تلك المرحلة التي تداخل فيها الأدب الفصيح مع الأدب العامي والتي لم يتم الكشف عنها وتتضح ملامحها إلا مطلع الخمسينيات الميلادية عندما أصلها الأديب عبدالله بن خميس في كتابه (الأدب الشعبي في جزيرة العرب) حين اعتبر هذا التناوب طبيعياً، حيث يرى أن اللغة خط متصل أنتجت نوعين من الأدب تناوباً فيما بينهما نتيجة ظروف ثقافية وفي مساحة زمنية بسيطة وعلينا ألا نبالغ في رصدها والجدل حولها.
في عام 1984م نشرت إحدى المؤسسات الثقافية في الخليج دراسة أدبية للدكتور حسن نعمة، تطرق فيها إلى العلاقة ما بين الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي والتناوب الذي حدث بينهما في فترات زمنية مختلفة، وهي نفس الرؤية التي تبناها الأديب عبدالله بن خميس في الخمسينيات الميلادية، وإن كانت دراسة الدكتور نعمة أخذت منحى عاطفياً.
يقول الدكتور نعمة: لقد كان لنا فيما مضى في الخليج أدب يعبّر عن بيئتنا إلا أنه كان مكتوباً بالعامية عبر فيه الإنسان الخليجي عن وجدانه ومشاعره..
وقد كان ذلك الأدب العامي على درجة من الرقي والتطور إلا أن ذلك كان يفتقر الى الحركة النقدية والمناخ الثقافي.
وبرغم أن الشعر الشعبي أحرز تقدماً على صعيد الإنتاج وحظي بانتشار واسع وكان له تأثيره الواضح على الثقافة الشعبية إلا أنه كان يفتقر إلى العقلية النقدية التي تحقق للشعر شخصيته وللأثر الأدبي قيمته.
فقد كان الشعر -في ذلك الوقت- يفتقر إلى الدراسات الأدبية الجادة والنظرات النقدية، فقد بقي النقد الأدبي على الحالة التي بدأ بها، ولم يكن هنالك حركة نقدية حقيقية وظلت الحركة النقدية تواجه عجزا مستمرا عن الانطلاق، وعند ذلك نشأ الشعر الشعبي معزولا عن السياق الثقافي أو بالأحرى البيئة الثقافية ومحيطه الحيوي فانفصلت علاقة الشعر الشعبي بالمجتمع الثقافي، هذا الفصل الحاد بين الشعر الشعبي والواقع الثقافي نشأ على حد وصف مناوئيه بوصفه شعرا يفتقد القيمة اللغوية أو أنه يقع في مكان ما خارج الإطار الثقافي.
هذا الفهم للشعر الشعبي هو المسؤول عن اللبس الحاصل في علاقة الشعر الشعبي بالسياق الثقافي والمجتمعي.. ولذلك اضطرب مفهوم الشعر الشعبي عند بعض المثقفين حتى غدت صورة الشعر الشعبي في الأذهان مجرد استنساخ للتقاليد الجامدة باعتباره يفتقر للمعاصرة، وذلك خطأ منهجي لا يستند على أساس موضوعي ذلك أنه من حق الشاعر أن يتحدث عن وجدانه الخاص ويختار أداته الخاصة التي يعبر بها عن عالمه، إذ إن لكل فنان سواء كان شاعرا أو غير شاعر أداته الخاصة التي يعبر بها عن عالمه المتفرد.
ونحن هنا لا نتحدث عن الحق الأصلي الذي يكفل للشاعر أن يعبر عن نفسه ابتداء، ولكننا نتحدث عن العامل الإبداعي الذي صار من حق النقاد أن يقيموه، فالنقد المستنير يعين على الإبداع الفني.. فالموقف النقدي يوجب على الناقد أو المثقف بشكل عام أن يتفاعل مع بيئته الثقافية ومع الإبداع الفني الذي تفرزه هذه البيئة أياً كان شكل هذا الفن سواء كان شعراً شعبياً أو حديثاً أو تقليداً.
فالذي يطلع عن قرب على جذور وأصول الآداب ينتهي لا محالة إلى أن أصل الشعر واحد وغايته واحدة، وأن من حق الشاعر أن يختار أداته التي يعبر بها، ولكن هنالك خللاً في طريقة النظر إلى الآداب؛ فالآداب العالمية لا ينظر لها على أساس شكلها وجنسها بل إلى كونها نتاج المجتمع، فليس الشعر واقفاً على شكل دون شكل أو جنس دون جنس أو نفس شاعرة دون أخرى.
وعلى الرغم بالإقرار مبدئياً بالمضمون الجديد للشعر الشعبي والذي انعكس على مظاهر الحياة إلا أنه كلما تقدم الزمن سوف يكون للشعر الشعبي موقعه المتقدم في الحركة الأدبية، فقد تمكنت لغة الشعر الشعبي من اجتياز ضيق الأفق الثقافي الذي كان عليه الشعر الشعبي في عصور مضت، فقد اكتشف الشعر الشعبي مجالات جديدة وأشاع وسائل تعبيرية حديثة ساعدت في خلق بيئة شعرية جديدة وأصبح أكثر تمدناً وانسجاماً مع الذوق الحديث، وهذا يعود إلى الرفاه الاجتماعي، ولذلك نستطيع أن نقول إن العصر الحديث للشعر الشعبي قد بدأ مع هذا الجيل الجديد الذي كسر الرتابة والركود اللذين أصابا الشعر زمنا طويلا.. ولذلك يجب أن نضع خطا فاصلا بين مرحلة انتهت ومرحلة آتية الآن وتطورت تطورا يوشك أن يكون كاملا، فالشعر الآن قد نضج واكتمل مستوعبا الأزمنة التاريخية التي مر بها وأصبح يحمل طابعاً وسمات مرحلة انتقالية جديدة.
ولكن يظل لكل فنان أداته الخاصة التي يعبر بها عن عالمه المتفرد، وحرية الشاعر في اختيار أداته وحرية الناقد في تقييم التجربة الفنية، فالنقد المستنير يصنع الأدب المستنير.




http://www.alriyadh.com/2004147]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]