تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سَردِيّاتٌ رَمَضانِيّةٌ مِن وَحي السِّيرَةِ الذَّاتِيةِ



المراسل الإخباري
04-08-2023, 04:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png السيرة الذاتية هي حديث الإنسان عن ذاته، وما مرّ به في حياته، فهي استعراض لما مضى من مواقف، وأحداث، وتجارب، يسطّرها كاتب في قالب أدبي جميل، وبأسلوب بديع، هكذا ينبغي أن تكون السيرة الذاتية جزءاً مهماً وحيوياً في عالم الأدب الواسع، وهكذا ينبغي أن تصبح جنساً أدبياً حافلاً بالجماليات، كلما توغلتْ في شعريتها، ولم تتخلَّ عن خطها الذاتي، ونسقها الأدبي، وإن شابها -أحيانًا- بعض التداخل الأجناسي الذي يجعلها تتقاطع مع الرواية مثلاً، أو المذكرات، أو اليوميات، أو الرسائل، أو نحوها من الأجناس والأشكال الأدبية الذاتية.
ولأن رمضان بوصفه موضوعاً سردياً هو مادة مليئة بالتجارب، والمواقف، والمشاهد، والحكايات، والذكريات، فقد رأينا في بعض نماذج السيرة الذاتية ما يمكن الوقوف عنده، فمن ذلك مثلاً ما جاء في كتاب (الأيام) لطه حسين عندما أشار إلى مظاهر استقبال الشهر قائلاً: «ولكن رمضان أقبل، وكان الناس يجتمعون في ليالي رمضان عند رجل من أهل المدينة وجيه، يعمل في التجارة...».
ثم يلمح طه حسين في موضع آخر من سيرته إلى بعض المواقف التي ترافقت مع الشهر قائلاً: «على أنه خلا إلى بعض الطعام أحيانًا كثيرة، ذلك في شهر رمضان، وفي أيام المواسم الحافلة، حيث كان أهله يتَّخذون ألوانًا من الطعام حلوةً، ولكنها تؤكل بالملاعق فكان يأبى أن يصيب منها على المائدة، وكانت أمه تكره له هذا الحرمان، فكانت تُفرِد له طبقاً خاصّاً، وتخلي بينه وبينه في حجرة خاصة، يغلقها هو من دونه، حتى لا يستطيع أحدٌ أن يشرف عليه وهو يأكل».
على أن الذي يتأمل سيرة الأديب المصري عباس محمود العقاد (حياة قلم) سيجد فيها حديثاً جميلاً عن رمضان، وهو حديث يدخل في سرديات هذا الشهر، بما فيه من مواقف، وأحداث، وأدبيات، وسلوكيات، والجميل في سيرة العقاد أن سرد رمضان فيها لم يأتِ عابراً، بل جاء مخصوصاً، بمعنى أنه عقد له أبواباً مستقلة في سيرته، فمن ذلك أنه وضع عنواناً أطلق عليه (رمضان شهر الإرادة)، وأخذ يسرد من خلال هذا العنوان أدبيات جميلة، كقوله مثلاً: «فليس من أدب رمضان أن يتململ الصائم، وأن يتجهم لمحدثيه، وأن يبدو منه ما يدل على الضيق بالفريضة، كأنه مكره عليها، مطيع لها، بغير رضاه، وليس من أدب رمضان أن يهرب الصائم من إرادته بقضاء النهار كله في النوم تاركا للطعام؛ لأنه غافل عن مواعيده، غير متنبه إليه».
ومما ساقه العقاد أيضاً في سيرته هذه قوله: «كلمة (الإرادة) وحدها تلخص آداب رمضان، ولا تحتاج إلى إسهاب في تفسيرها، وتعديد أنواعها. ومزية رمضان أنه فريضة اجتماعية مع فرضه على آحاد المكلفين، فهو موعد معلوم من العام لترويض الجماعة على نظام واحد من المعيشة، وعلى نمط واحد من تغيير العادات، وليس أصلح لتربية الأمة من تعويدها هذه الأهمية للنظام، ولتغيير العادات شهراً في كل سنة، تتلاقى فيه على سنن واحد في الطعام واليقظة والرقاد ..».
كما احتفى العقاد في معرض سيرته التي حوت سرداً رمضانياً بليلة القدر، فخصص لها عنواناً، وكان مما قاله فيها: «فهي ليلة القدر؛ لأنها ليلة التقدير والتمييز بين الخير والشر، والتفريق بين المباح والمحظور، والأمر بالدعوة والتكليف، وهو أشرف ما يشرف به الإنسان...».




http://www.alriyadh.com/2006483]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]