تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مدن ذكيَّة أخْرى



المراسل الإخباري
04-10-2023, 08:59
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png المملكة مهبط الوحي ومنطلق الرسالات وأرض الحرمين الشريفين مهوى أفئدة المسلمين قاطبة، وإلى جانب هذه النعم الإلهية الوفيرة التي أفاء الله بها على هذه المملكة السعيدة يضاف إليها ما وصلت إليه وما بلغته من منزلة رفيعة ومكانة مرموقة في مجالات الرقي والحضارة لتشهد في ظلّ هذا التحول المجتمعي والإنساني الكبير وثبات حضارية مذهلة؛ فالازدهار في المساحات العلمية والثقافية والإبداعية واضحة وجليّة؛ وما تتابع اللقاءات العلمية والمواسم الثقافية والمناسبات الإثرائية إلا ترسيخ وتجسيد لهذا التحول والازدهار والخصب في تمظهر التقنيات المستجدة والذكاء الاصطناعي بتجلياتها الباهرة ومظاهرها المتألقة والذي عمَّ وشمل كل جوانبها الحياتية والمعلوماتية، وكل ذلك يتبدَّى من خلال مسيرة تنموية حافلة تحتفظ بعبق التاريخ وأصالة الماضي الذي تزخر صفحاته وتزدان أسطره بما تحتفظ به المملكة في ربوعها من مخزون حضاري عريق وتراث تاريخي تليد ثابتٍ وباقٍ على مر الزمن.
وفي المملكة ساهم النمو السكاني والتوسع الحضري والتطور التقني والتحول المعلوماتي المتتابع في دفعها نحو التفكير لإنشاء المدن الذكية ترسيخا لمفهومها العصري الذي بدأ في النمو تباعًا والانتشار سريعًا بشكل عملي في الكثير من مدن العالم، لقد تضمنت رؤية المملكة 2030 تحويل مدن المملكة إلى مدن ذكية عبر تحقيق أهداف برنامج التحول الوطني في مجال التحول الرقمي، حيث أعلنت وزارة الشؤون البلدية والإسكان عن اختيار خمس مدن سعودية للبدء في تحويلها لمدن ذكية خلال الفترة القادمة وهي: مكة المكرمة، المدينة المنورة، الرياض، جدة، الدمام نظرًا لجاهزية البنى التحية لها مثل التخطيط الحضري وتقنية المعلومات والاتصالات والشبكات العنكبوتية (الإنترنت). لذا بدأت المملكة في تجهيز البنى التحية وإنشاء منظومة متكاملة لإدارة كل مرافق عبر منظومة إلكترونية ذكية ومترابطة بحيث يأتي هذا المشروع الطموح ضمن التطلعات الطموحة لرؤية المملكة 2030 التي تسعى لتنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة وإيجاد مصادر متعددة دون الاعتماد كليا على البترول، كما سعت المملكة لتحسين جودة الحياة ورفاهيتها في المدن الذكية من خلال استخدام التقنيات الحديثة والبيانات الذكية لتحسين الاتصالات والمواصلات واستخدامات الطاقة والمرافق الصحية وجودة الهواء والمساحات الخضراء ودفع النمو الاقتصادي للمواطنين والمقيمين والسائحين عبر مدن ذكية نظيفة مريحة جاذبة وخالية من التلوث والضجيج.
وفي ظل هذا التحول المجتمعي التحضري فقد حظيت مدن المملكة بوثبات حضارية مذهلة كان السبق فيها لمدينتي الرياض والمدينة المنورة ثم تلتهما مكة المكرمة وجدة لأن تصبحا مدينتين ذكيتين، فالأولى هي عاصمة المملكة وواسطة عقدها المتلألئ وسفرها التاريخي التليد، كما أن الثانية هي مكة بقدسيتها كموئل بيت الله الحرام ثم طيبة الطيبة المدينة المنورة مدينة الرسول الأكرم، ثم تأتي جدة الثغر الباسم المشرق للمملكة، وقد كان ذلك تبعًا للتقييم الأخير الذي أجراه معهد التطوير الإداري (IMD) ومقره في سويسرا، وهذا المؤشر هو أحد المؤشرات العالمية التي تُـقيِّـم معايير جاهزية مدن العالم، كما أنه يمثل أداة هداية قيِّمة للقادة والمسؤولين التنفيذيين وواضعي الخطط والسياسات والإحصائيين والمحللين المهتمين باستشراف وتقييم أداء المدن الذكية وتحديد مجالات التحسين والتطوير فيها بحيث يوفر إطارًا شاملاً ودقيقًا لتقييم المدن عبر مجموعة من الأسس والمعطيات والأبعاد، بما في ذلك الأداء الاقتصادي والتقني وإجراءات الحوكمة، كما يركز مؤشر IMD للمدن الذكية على كيفية إدراك السكان نطاقَ وتأثيرَ الجهود المبذولة لجعل مدنهم ذكية، ومدى تحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والتقنية ومدى الإسهام في سد الفجوة بين تطلعات واحتياجات السكان والتوجهات الحديثة في بناء المدن الذكية، وقد أسهمت الجهود الوطنية من الجهات كافة، وكذلك استخدام التقنيات المتقدمة في تحسين ترتيب مدن المملكة في مختلف المؤشرات الفرعية، ومن بين تلك الجهود المنصة الوطنية للمدن الذكية التي أطلقتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا).
إن ذكاء المدن لمن الشمول والعموم بحيث أصبح مرتبطًا بحياة كل منا من دون استثناء بل وملامسًا لاحتياجاته ومتطلباته ورغباته وهذه ظاهرة تكاد تكون موجودة في معظم دول العالم وبخاصة المتطورة منها، إن الذكاء في مدننا سمة عصرية تمثل في حد ذاتها دليلا للمستوى الحضاري ومؤشرًا للتقدم العلمي والتقني الذي وصلت إليه بلادنا في العصر الحديث، كما أن المدن الذكية بحسب مفهومها العلمي تُسهم في تطوير العديد من القطاعات الرئيسة؛ مثل: قطاع النقل الذكي من خلال برمجيات تخطيط الرحلات وحجوزات أنظمة النقل العام، والاقتصاد الذكي المبني على برمجيات حاسوبية متقدمة تساهم في تطوير الكثير من القطاعات كالإمداد والتوصيل والخدمات المساندة المشتركة، إضافة إلى بناء منصات تفاعلية مع الجمهور لتحديد احتياجاتهم وتطلعاتهم والتفاعل معهم بشفافية تضعهم في محور اهتمام أجهزة الدولة، إلى جانب تطوير وتسهيل وصول الخدمات إلى المواطنين. ويُعد هذا التقدم الملحوظ الذي أحرزته مدن المملكة الأربع لأكبر تقدم بين دول مجموعة العشرين، وثالث أكبر تقدم على مستوى العالم، نتيجة للتحسينات الكبيرة والتطوير المتوالي الذي تشهده المملكة تباعا في جميع المجالات تحث به الخطى وتسابق معه الزمن.
إن اختيار هذه المدن وما سيتلوه من مدن أخرى بمشيئة الله تعالى ليُعد فخرًا كبيرًا نزهو ونعتز به فهو إشارة صريحة لما بلغته المملكة من مكانة مرموقة في مجالات التقنية وما حققته من إنجازات باهرة في ميادينها المختلفة بدءًا مما شهدته وعايشته في بداياتها عند تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- ووصولا إلى العهد الزاهر الميمون لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -يحفظهم الله- وما تحقق فيه من إنجازات تنموية وحضارية خلال مسيرة دائبة وجهود حثيثة تقودنا نحو استثمار مكامن قوّتنا التي حبانا الله بها، من موقع استراتيجي متميز وقوة استثمارية رائدة وتأثير عربيّ وإسلاميّ عميق، حيث تولي القيادة الرشيدة -حفظها الله- لذلك كل الاهتمام، وتسخّر له كل الإمكانات التي يأمل فيها ويتطلع اليها شعبها الوفي الأمين.
*جامعة الملك سعود




http://www.alriyadh.com/2006845]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]