المراسل الإخباري
04-22-2023, 03:25
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
رغم أن المجتمع السعودي كان يبدي مقاومة عالية على مستوى القيم والتقاليد الاجتماعية في تلك الفترة إلا أنه من الناحية العمرانية كان أكثر انفتاحاً، وهذا كان أمراً متوقعاً، فالتغيير المادي أهون من التغيير القيمي والسلوكي...
أكثر ما يثيرني هو كيف تغير المجتمع السعودي خلال النصف قرن الأخير؟ ولماذا كانت التقاليد صامدة ومتماسكة ثم بدأت تتراجع؟ هذا المقال سوف يعرج بشكل سريع على بعض الملاحظات التي ذكرها بعض الباحثين حول المملكة وناسها منذ منتصف الستينات وحتى منتصف الثمانينات الميلادية، وهي الفترة التي يطلق عليها البعض "عصر الطيبين"، فما الذي كان يميز عصر الطيبين حتى يكونوا مختلفين عن مجتمع اليوم؟
لقد أشار الكثير من الباحثين وزوار المملكة بشكل عام والرياض بشكل خاص في تلك الفترة إلى حالة المقاومة الثقافية التي كان عليها المجتمع السعودي، فها هو الإنجليزي "أبيركرومبي" Abercrombie يقول عام 1386هـ/ 1966م بعد زيارته للرياض: "أينما ذهبت وجدت العرب مرحبين بالقرن العشرين، ولكن ليس بيدين مفتوحتين"، وأشار إلى قول زميل له سعودي تعلم في الخارج أكد أن "التحديث نريده ونحتاجه، وسوف نحصل عليه ولكن بشروطنا نحن". ورغم أن ملاحظة "أبيركرومبي" متأخرة نوعاً ما إذا ما اعتبرنا أن تسارع التحولات العمرانية بدأ منذ منتصف الخمسينات الميلادية، إلا أنها تؤكد درجة المقاومة العالية التي كان يبديها المجتمع السعودي نحو الأفكار الوافدة ورغبته القوية في تهذيبها وتوجيهها بما يناسب قيمه وتقاليده. هذا ما يؤكده "دالي" Dalley، عام 1396هـ/ 1976م وهو معمار بريطاني مارس العمارة في الرياض والمملكة لفترة طويلة، لقد قال: "إن الأمر المهم بالنسبة للسعوديين هو تأثير الأجانب على القيم والعادات الاجتماعية للناس.. قد يكون السعوديون على حق في عدم رغبتهم بالتأثر بطريقتنا، ولكنه من الصعب أن نرى كيف يمكنهم تجنب ذلك إذا أصروا على أن يحصلوا على مئات السنين من التقدم في عقود".
يبدو أن كثيراً من الدراسات وحتى منتصف الثمانينات الميلادية كانت تشير إلى تمسك المجتمع السعودي بقيمه التقليدية رغم مظاهر التطور العمراني الظاهرة على المدن السعودية بشكل عام والرياض بشكل خاص، وهو أمر متوقع، فحتى تلك الفترة ما زالت المقاومة الثقافية فاعلة ومؤثرة ولكنها دون شك لم تكن بالقوة نفسها التي كانت عليها في الأربعينات الميلادية، وهو ما يؤكد من وجهة نظري أن مصطلح "الطيبين" تطور ليصف المجتمع ما بعد التقليدي الذي لم يكن تقليدياً بحتاً وإن كان يحمل الروح التقليدية ولم يكن حديثاً بشكل كامل. يؤكد "كوستولو" Costello عام 1397هـ/ 1977م أن من بين دول الشرق الأوسط تبقى المملكة العربية السعودية هي الأقل تأثراً بأوروبا.
يبدو أن هذه الملاحظة كانت رائجة بين العديد من الباحثين الذين بدأت تثير اهتمامهم، فلماذا يبدي المجتمع السعودي هذه المقاومة العالية تجاه القيم الوافدة رغم أنه كان مرحباً بالتقنيات والأفكار العمرانية الجديدة. يقول "شريف" Shirref: إن الصراع في الرياض "بين التقليدي والحديث، المحلي والأجنبي يمكن رؤيته بجلاء". وأكد في الوقت نفسه أنه من الصعوبة بمكان تغيير القيم الاجتماعية في المملكة لأن المقاومة الثقافية قوية ومستمرة. يؤكد ذلك "أندرسون" Anderson فقد كان يرى أن "التقليدية ما زالت مسيطرة على المجتمع السعودي"، رغم أن ملاحظته كانت في منتصف الثمانينات الميلادية ـ ويرى أن "التقاليد وجدت طريقها إلى المجتمع السعودي الحديث". وفي الفترة نفسها التي قدم فيها "اأندرسون" ملاحظته أشارت دراسة حول المجتمع السعودي أن "المظاهر التقليدية والمظاهر المستحدثة.. تعمل بفعالية متقاربة حيث إنها نشطة بالقدر الذي جعل الاتصال بكل منها على مستوى متقارب من التغير، فبقدر ما يتقبل الشخص بعض المظاهر المستحدثة يرفض بعض المظاهر التقليدية، وبقدر ما يتقبل بعض المظاهر التقليدية يرفض بعض المظاهر المستحدثة".
ربما تساعدنا هذه الملاحظات التي أثارها العديد من الممارسين والزوار والباحثين حول ثنائية التقليدي والحديث التي ميزت المجتمع السعودي في الفترة التي يمكن أن نطلق عليها "بداية الحداثة" خصوصاً على المستوى العمراني والمعماري، وعلى مستوى تغير السلوك ونمط الحياة وصناعة تقاليد جديدة تناسب العصر، فرغم أن المجتمع السعودي كان يبدي مقاومة عالية على مستوى القيم والتقاليد الاجتماعية في تلك الفترة إلا أنه من الناحية العمرانية كان أكثر انفتاحاً، وهذا كان أمراً متوقعاً، فالتغيير المادي أهون من التغيير القيمي والسلوكي. يمكن أن نحيل هذه الأسئلة إلى ما ذكره "رالف بريبانتي" Ralph Braibanti عندما ذكر أن "أي تغيير.. على أمة من الأمم، يجب أن يتم إعداده بكل عناية بحيث يتماشى مع الإطار الثقافي للأمة المتلقية له.. ولا بد كشرط سابق أن تقوم هذه الأمة بتحديد قيمها الخاصة وتحليلها حتى تستطيع التحكم في الآراء الغربية التي يراد إدخالها والتي من شأنها تغيير هذه القيم، فتتحكم فيها سواء من حيث نوعيتها أو من حيث معدلاتها". وقد كان يشير إلى المملكة العربية السعودية كونها أحد المجتمعات التي تسعى في التحكم في القيم المستعارة التي تفرضها الحياة المعاصرة. فهل لا يزال المجتمع السعودي يتعامل مع القيم المستعارة بروح المقاومة نفسها التي كان يتعامل بها قبل ثلاثة عقود أم أنه يتجه بقوة إلى صناعة تقاليد جديدة ليست بالضرورة أن تكون منقطعة كلياً عن التقاليد التاريخية التي كانت سائدة؟!.
http://www.alriyadh.com/2008866]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
رغم أن المجتمع السعودي كان يبدي مقاومة عالية على مستوى القيم والتقاليد الاجتماعية في تلك الفترة إلا أنه من الناحية العمرانية كان أكثر انفتاحاً، وهذا كان أمراً متوقعاً، فالتغيير المادي أهون من التغيير القيمي والسلوكي...
أكثر ما يثيرني هو كيف تغير المجتمع السعودي خلال النصف قرن الأخير؟ ولماذا كانت التقاليد صامدة ومتماسكة ثم بدأت تتراجع؟ هذا المقال سوف يعرج بشكل سريع على بعض الملاحظات التي ذكرها بعض الباحثين حول المملكة وناسها منذ منتصف الستينات وحتى منتصف الثمانينات الميلادية، وهي الفترة التي يطلق عليها البعض "عصر الطيبين"، فما الذي كان يميز عصر الطيبين حتى يكونوا مختلفين عن مجتمع اليوم؟
لقد أشار الكثير من الباحثين وزوار المملكة بشكل عام والرياض بشكل خاص في تلك الفترة إلى حالة المقاومة الثقافية التي كان عليها المجتمع السعودي، فها هو الإنجليزي "أبيركرومبي" Abercrombie يقول عام 1386هـ/ 1966م بعد زيارته للرياض: "أينما ذهبت وجدت العرب مرحبين بالقرن العشرين، ولكن ليس بيدين مفتوحتين"، وأشار إلى قول زميل له سعودي تعلم في الخارج أكد أن "التحديث نريده ونحتاجه، وسوف نحصل عليه ولكن بشروطنا نحن". ورغم أن ملاحظة "أبيركرومبي" متأخرة نوعاً ما إذا ما اعتبرنا أن تسارع التحولات العمرانية بدأ منذ منتصف الخمسينات الميلادية، إلا أنها تؤكد درجة المقاومة العالية التي كان يبديها المجتمع السعودي نحو الأفكار الوافدة ورغبته القوية في تهذيبها وتوجيهها بما يناسب قيمه وتقاليده. هذا ما يؤكده "دالي" Dalley، عام 1396هـ/ 1976م وهو معمار بريطاني مارس العمارة في الرياض والمملكة لفترة طويلة، لقد قال: "إن الأمر المهم بالنسبة للسعوديين هو تأثير الأجانب على القيم والعادات الاجتماعية للناس.. قد يكون السعوديون على حق في عدم رغبتهم بالتأثر بطريقتنا، ولكنه من الصعب أن نرى كيف يمكنهم تجنب ذلك إذا أصروا على أن يحصلوا على مئات السنين من التقدم في عقود".
يبدو أن كثيراً من الدراسات وحتى منتصف الثمانينات الميلادية كانت تشير إلى تمسك المجتمع السعودي بقيمه التقليدية رغم مظاهر التطور العمراني الظاهرة على المدن السعودية بشكل عام والرياض بشكل خاص، وهو أمر متوقع، فحتى تلك الفترة ما زالت المقاومة الثقافية فاعلة ومؤثرة ولكنها دون شك لم تكن بالقوة نفسها التي كانت عليها في الأربعينات الميلادية، وهو ما يؤكد من وجهة نظري أن مصطلح "الطيبين" تطور ليصف المجتمع ما بعد التقليدي الذي لم يكن تقليدياً بحتاً وإن كان يحمل الروح التقليدية ولم يكن حديثاً بشكل كامل. يؤكد "كوستولو" Costello عام 1397هـ/ 1977م أن من بين دول الشرق الأوسط تبقى المملكة العربية السعودية هي الأقل تأثراً بأوروبا.
يبدو أن هذه الملاحظة كانت رائجة بين العديد من الباحثين الذين بدأت تثير اهتمامهم، فلماذا يبدي المجتمع السعودي هذه المقاومة العالية تجاه القيم الوافدة رغم أنه كان مرحباً بالتقنيات والأفكار العمرانية الجديدة. يقول "شريف" Shirref: إن الصراع في الرياض "بين التقليدي والحديث، المحلي والأجنبي يمكن رؤيته بجلاء". وأكد في الوقت نفسه أنه من الصعوبة بمكان تغيير القيم الاجتماعية في المملكة لأن المقاومة الثقافية قوية ومستمرة. يؤكد ذلك "أندرسون" Anderson فقد كان يرى أن "التقليدية ما زالت مسيطرة على المجتمع السعودي"، رغم أن ملاحظته كانت في منتصف الثمانينات الميلادية ـ ويرى أن "التقاليد وجدت طريقها إلى المجتمع السعودي الحديث". وفي الفترة نفسها التي قدم فيها "اأندرسون" ملاحظته أشارت دراسة حول المجتمع السعودي أن "المظاهر التقليدية والمظاهر المستحدثة.. تعمل بفعالية متقاربة حيث إنها نشطة بالقدر الذي جعل الاتصال بكل منها على مستوى متقارب من التغير، فبقدر ما يتقبل الشخص بعض المظاهر المستحدثة يرفض بعض المظاهر التقليدية، وبقدر ما يتقبل بعض المظاهر التقليدية يرفض بعض المظاهر المستحدثة".
ربما تساعدنا هذه الملاحظات التي أثارها العديد من الممارسين والزوار والباحثين حول ثنائية التقليدي والحديث التي ميزت المجتمع السعودي في الفترة التي يمكن أن نطلق عليها "بداية الحداثة" خصوصاً على المستوى العمراني والمعماري، وعلى مستوى تغير السلوك ونمط الحياة وصناعة تقاليد جديدة تناسب العصر، فرغم أن المجتمع السعودي كان يبدي مقاومة عالية على مستوى القيم والتقاليد الاجتماعية في تلك الفترة إلا أنه من الناحية العمرانية كان أكثر انفتاحاً، وهذا كان أمراً متوقعاً، فالتغيير المادي أهون من التغيير القيمي والسلوكي. يمكن أن نحيل هذه الأسئلة إلى ما ذكره "رالف بريبانتي" Ralph Braibanti عندما ذكر أن "أي تغيير.. على أمة من الأمم، يجب أن يتم إعداده بكل عناية بحيث يتماشى مع الإطار الثقافي للأمة المتلقية له.. ولا بد كشرط سابق أن تقوم هذه الأمة بتحديد قيمها الخاصة وتحليلها حتى تستطيع التحكم في الآراء الغربية التي يراد إدخالها والتي من شأنها تغيير هذه القيم، فتتحكم فيها سواء من حيث نوعيتها أو من حيث معدلاتها". وقد كان يشير إلى المملكة العربية السعودية كونها أحد المجتمعات التي تسعى في التحكم في القيم المستعارة التي تفرضها الحياة المعاصرة. فهل لا يزال المجتمع السعودي يتعامل مع القيم المستعارة بروح المقاومة نفسها التي كان يتعامل بها قبل ثلاثة عقود أم أنه يتجه بقوة إلى صناعة تقاليد جديدة ليست بالضرورة أن تكون منقطعة كلياً عن التقاليد التاريخية التي كانت سائدة؟!.
http://www.alriyadh.com/2008866]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]