المراسل الإخباري
05-04-2023, 03:19
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
من آفات محاكاة الآخرين المذمومة أنها تُفضي إلى ترك المحكماتِ الواضحةِ المجمعِ عليها للتشبث بالشبهات، ونبذ كل ما هو مستحسنٌ في الأعراف ومرغوبٌ فيه عند ذوي المروءات، وذلك لأن من حاكى الآخرين بلا ضابطٍ فقد انتهج أهم المسالك المؤدية إلى الانضواء تحت رايات البدع والأهواء والتنظيمات..
هيأ الله الإنسانَ للتمييز بين المصالح والمفاسد المتعلقة بدينه ودنياه، وهداه بواسطة أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام إلى طريق الخير وطريق الشرِّ، ونوَّع المصالح فجعل بعض مصالح المعاد معلوماً من الدين بالضرورة لا مجال فيها لاجتهاد مجتهد، كما جعل بعض مصالح المعاش مُدركاً ببداهة العقول، مضبوطاً بمعيارِ العادة، غير محتاجٍ إلى إعمال رويَّةٍ ولا إلى نصب ميزان ترجيحٍ، وجعل كثيراً من مصالح الدارين محتاجاً إلى استنباطٍ وترجيحٍ وموازنةٍ، وأمر العالـِم بالعمل بما أداه إليه علمه بعد استفراغ الوسع في تحري الصواب فيما يحتاج إلى النظر والاستنباط والموازنة، وأمر غير العالِـم بسؤال العالِـم فقال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، فلم تكن أمام الإنسان وسيلةٌ صالحةٌ للتمييز بين كثيرٍ من تفاصيل المصالح والمفاسد إلا بواسطة علمٍ يُنيرُ دربه، أو الرجوع إلى ذي علمٍ في ذلك التخصص موثوقٍ به، فكانت محاكاة كل من هبَّ ودبَّ بعيدةً كلَّ البعد عن أن تصلحَ لجعلها سبباً لتعاطي المنافع أو مِجنّاً واقياً من المعاطب، بل هي عرضةٌ للإيقاع في ورطة الحرج، ولي مع شهية المحاكاة وقفات:
الأولى: الولع بمحاكاة الآخرين قد يلتبس في بعض الأذهان بما قرره الشرع وجرى به العرف من تسويغ التقليد لعامة الناس فيما لم تجرِ العادة في استواء الناس في فرصة إدراكه، لكن البون شاسعٌ بين التقليد السائغ بشروطه وبين المحاكاة المذمومة؛ وذلك لأن التقليد إنما ساغ لمن يُقلدُ ذوي المعارف الذين عَلِمَ المقلِّدُ أو ظنَّ ظناً راجحاً أنهم أهلٌ لذلك من ناحية علمهم والثقة فيهم، أو استفاضت له أقوال الناس بأهليتهم، وإنما يتحلى بهذه الأهلية أشخاصٌ معينون، وأما المحاكاة المذمومة فهي خاليةٌ من كل هذا؛ لأن المنخرط فيها لم ينطلق من أرضيةٍ صالحةٍ للانطلاق؛ لأنه إنما يتأثر بما يرى من غيره وما يسمع منه، ولا يعنيه مستوى من يُؤثرون عليه، ولا يأبه بافتقارهم إلى الموثوقية، فهو بهذا من قبيل المسترشد بالأعشى، ويوشك أن يتردى به في هاوية يتعذر عليه الخروج منها، وقد يغتر مَنْ هذا حاله بتكرر الأصوات عليه فيتخيل أنها متكاثرة وأن الكثرة من أدلة الصواب، وكلتا المقدمتين خاطئة، فكثير من المبطلين يُشيعُ آراءه حتى يُوهمَ غيره أنها قول الكثيرين، وليست كذلك، ولو فرضت كذلك فللصواب أدلةٌ معلومةٌ عند أهله، وليست الكثرة منها، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ).
الثانية: من مشكلات المحاكاة العمياء المذمومة أن من يُحاكي على ما يرى وما يسمعه قد بذل الحق في الانقياد والتبعية لكل من يستطيع إيصال صوته إليه، وهذا وضعٌ للأمر في غير موضعه؛ فإن التبعية والانقياد والسمع والطاعة حق لأولي الأمر، أوجبه الله تعالى لهم بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، وإنما تجتلب المصالح وتجتنب المفاسد ويستتب الاستقرار ببذله لهم، ولا يتمكن من بذله لهم على الوجه المطلوب إلا من حصَّن آراءه وقناعاته من التأثر بأطروحات أهل الأهواء ودعاة الأحزاب ومثيري البلابل والشغب، ومن أسلم نفسه لمحاكاة أهل الفتن والتأثر بهم فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وانتقل من حصن الجماعة إلى مهلكة الشذوذ، وانتقل من سلوك سبيل النجاة إلى الهمجية، ومن كلام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ).
الثالثة: من آفات محاكاة الآخرين المذمومة أنها تُفضي إلى ترك المحكماتِ الواضحةِ المجمعِ عليها للتشبث بالشبهات، ونبذ كل ما هو مستحسنٌ في الأعراف ومرغوبٌ فيه عند ذوي المروءات، وذلك لأن من حاكى الآخرين بلا ضابطٍ فقد انتهج أهم المسالك المؤدية إلى الانضواء تحت رايات البدع والأهواء والتنظيمات، وشأن الطرق المحدثة والتنظيمات المبتكرة أن تنصرف عن محكمات الشرع والمتقررات في العقل، وأن تزهد في القيم والمبادئ السامية، وأن تترك الاعتدال إلى التطرف، ومن نظر في أحوال من تأثر بسموم سماسرة الفتن والإرهاب، ومن اغترَّ ببهرجة المشاغبين وأدعياء الغيرة على الدين والأوطان في هذا العصر لاتضح له مدى تجذر المحاكاة في أذهانهم، وأن أقيستهم الفاسدة وتخبطهم في أطروحاتهم وعدم مراعاتهم لأي معيارٍ منطقيٍّ أو شرعيٍّ دليلٌ على أنها مسألة محاكاة، غامر فيها المتأثر فبذل للمؤثر السلبي ما يجب أن يُحرم منه من المحاكاة والتقليد الأعمى؛ ولهذا يجب على المسلم أن يحصِّن فكره بالتمسك بغرز الجماعة، فهو المأمن بإذن الله تعالى.
http://www.alriyadh.com/2010535]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
من آفات محاكاة الآخرين المذمومة أنها تُفضي إلى ترك المحكماتِ الواضحةِ المجمعِ عليها للتشبث بالشبهات، ونبذ كل ما هو مستحسنٌ في الأعراف ومرغوبٌ فيه عند ذوي المروءات، وذلك لأن من حاكى الآخرين بلا ضابطٍ فقد انتهج أهم المسالك المؤدية إلى الانضواء تحت رايات البدع والأهواء والتنظيمات..
هيأ الله الإنسانَ للتمييز بين المصالح والمفاسد المتعلقة بدينه ودنياه، وهداه بواسطة أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام إلى طريق الخير وطريق الشرِّ، ونوَّع المصالح فجعل بعض مصالح المعاد معلوماً من الدين بالضرورة لا مجال فيها لاجتهاد مجتهد، كما جعل بعض مصالح المعاش مُدركاً ببداهة العقول، مضبوطاً بمعيارِ العادة، غير محتاجٍ إلى إعمال رويَّةٍ ولا إلى نصب ميزان ترجيحٍ، وجعل كثيراً من مصالح الدارين محتاجاً إلى استنباطٍ وترجيحٍ وموازنةٍ، وأمر العالـِم بالعمل بما أداه إليه علمه بعد استفراغ الوسع في تحري الصواب فيما يحتاج إلى النظر والاستنباط والموازنة، وأمر غير العالِـم بسؤال العالِـم فقال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، فلم تكن أمام الإنسان وسيلةٌ صالحةٌ للتمييز بين كثيرٍ من تفاصيل المصالح والمفاسد إلا بواسطة علمٍ يُنيرُ دربه، أو الرجوع إلى ذي علمٍ في ذلك التخصص موثوقٍ به، فكانت محاكاة كل من هبَّ ودبَّ بعيدةً كلَّ البعد عن أن تصلحَ لجعلها سبباً لتعاطي المنافع أو مِجنّاً واقياً من المعاطب، بل هي عرضةٌ للإيقاع في ورطة الحرج، ولي مع شهية المحاكاة وقفات:
الأولى: الولع بمحاكاة الآخرين قد يلتبس في بعض الأذهان بما قرره الشرع وجرى به العرف من تسويغ التقليد لعامة الناس فيما لم تجرِ العادة في استواء الناس في فرصة إدراكه، لكن البون شاسعٌ بين التقليد السائغ بشروطه وبين المحاكاة المذمومة؛ وذلك لأن التقليد إنما ساغ لمن يُقلدُ ذوي المعارف الذين عَلِمَ المقلِّدُ أو ظنَّ ظناً راجحاً أنهم أهلٌ لذلك من ناحية علمهم والثقة فيهم، أو استفاضت له أقوال الناس بأهليتهم، وإنما يتحلى بهذه الأهلية أشخاصٌ معينون، وأما المحاكاة المذمومة فهي خاليةٌ من كل هذا؛ لأن المنخرط فيها لم ينطلق من أرضيةٍ صالحةٍ للانطلاق؛ لأنه إنما يتأثر بما يرى من غيره وما يسمع منه، ولا يعنيه مستوى من يُؤثرون عليه، ولا يأبه بافتقارهم إلى الموثوقية، فهو بهذا من قبيل المسترشد بالأعشى، ويوشك أن يتردى به في هاوية يتعذر عليه الخروج منها، وقد يغتر مَنْ هذا حاله بتكرر الأصوات عليه فيتخيل أنها متكاثرة وأن الكثرة من أدلة الصواب، وكلتا المقدمتين خاطئة، فكثير من المبطلين يُشيعُ آراءه حتى يُوهمَ غيره أنها قول الكثيرين، وليست كذلك، ولو فرضت كذلك فللصواب أدلةٌ معلومةٌ عند أهله، وليست الكثرة منها، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ).
الثانية: من مشكلات المحاكاة العمياء المذمومة أن من يُحاكي على ما يرى وما يسمعه قد بذل الحق في الانقياد والتبعية لكل من يستطيع إيصال صوته إليه، وهذا وضعٌ للأمر في غير موضعه؛ فإن التبعية والانقياد والسمع والطاعة حق لأولي الأمر، أوجبه الله تعالى لهم بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، وإنما تجتلب المصالح وتجتنب المفاسد ويستتب الاستقرار ببذله لهم، ولا يتمكن من بذله لهم على الوجه المطلوب إلا من حصَّن آراءه وقناعاته من التأثر بأطروحات أهل الأهواء ودعاة الأحزاب ومثيري البلابل والشغب، ومن أسلم نفسه لمحاكاة أهل الفتن والتأثر بهم فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وانتقل من حصن الجماعة إلى مهلكة الشذوذ، وانتقل من سلوك سبيل النجاة إلى الهمجية، ومن كلام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ).
الثالثة: من آفات محاكاة الآخرين المذمومة أنها تُفضي إلى ترك المحكماتِ الواضحةِ المجمعِ عليها للتشبث بالشبهات، ونبذ كل ما هو مستحسنٌ في الأعراف ومرغوبٌ فيه عند ذوي المروءات، وذلك لأن من حاكى الآخرين بلا ضابطٍ فقد انتهج أهم المسالك المؤدية إلى الانضواء تحت رايات البدع والأهواء والتنظيمات، وشأن الطرق المحدثة والتنظيمات المبتكرة أن تنصرف عن محكمات الشرع والمتقررات في العقل، وأن تزهد في القيم والمبادئ السامية، وأن تترك الاعتدال إلى التطرف، ومن نظر في أحوال من تأثر بسموم سماسرة الفتن والإرهاب، ومن اغترَّ ببهرجة المشاغبين وأدعياء الغيرة على الدين والأوطان في هذا العصر لاتضح له مدى تجذر المحاكاة في أذهانهم، وأن أقيستهم الفاسدة وتخبطهم في أطروحاتهم وعدم مراعاتهم لأي معيارٍ منطقيٍّ أو شرعيٍّ دليلٌ على أنها مسألة محاكاة، غامر فيها المتأثر فبذل للمؤثر السلبي ما يجب أن يُحرم منه من المحاكاة والتقليد الأعمى؛ ولهذا يجب على المسلم أن يحصِّن فكره بالتمسك بغرز الجماعة، فهو المأمن بإذن الله تعالى.
http://www.alriyadh.com/2010535]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]