المراسل الإخباري
05-31-2023, 03:46
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لقد أبدعت المجتمعات والدول العربية عندما ركزت على بناء وتنمية اقتصاداتها وصناعاتها، وعملت على تحصين وحماية أبنائها، وسعت بجد إلى تقوية وحدة صفها الداخلي واستقرار مجتمعاتها، وخططت بهدوء لمستقبلها بعيداً عن الانشغال بسياسات الهدم والخراب والتطرف..
السيادة الكاملة - السياسية والقانونية - حقٌ أصيلٌ لكل دولة مُستقلة تمارسها كيفما تشاء داخل حدودها الجغرافية وتجاه المجتمع الدولي.. إذاً نحن أمام مبدأ أصيل في العلاقات الدولية حيث التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو التأثير على قراراتها الخارجية، مسألة غير مقبولة سياسياً وأمر مُجرم من الناحية القانونية، فإذا كان ذلك هو المبدأ الأصيل، فإن العمل به يتطلب الاحترام الكامل لسيادة الدول بعدم التدخل في شؤونها الداخلية مهما كانت المبررات، والابتعاد عن التأثير على قراراتها الخارجية مهما كانت الظروف والأحوال. نعم، هذه هي النظرة المُفترضة للعلاقات بين الدول المستقلة، وهذه هي النظرة الطبيعية كما كفلها القانون الدولي ووافقت الدول جميعها على تبنيها والعمل بها عندما قبلت الانضمام للمنظمة الدولية - الأمم المتحدة - وما تضمنته وثيقتها التأسيسية من تعهدات ومواثيق أكد عليها القانون الدولي، فإذا أخذنا بهذه النظرة المُفترضة والطبيعية نحو العلاقات الدولية بين الدول، فذلك يعني أن التفاؤل واجب الأخذ به عند النظر للعلاقات بين الدول بحيث يجعلنا نؤمن بأن جميع أطراف المجتمع الدولي تعمل للسَّلام، وتدعم الاستقرار، وتسعى للازدهار من خلال التكامل الاقتصادي، وتخدم سياسات بعضها البعض حتى يعم الرخاء والأمن المجتمعات والدول بمختلف حضاراتها وثقافاتها وقيمها ومبادئها. نعم، هذه هي النظرة المتفائلة التي تسمعها الشعوب خاصة الفقيرة والبسيطة، وهذه هي النظرة المتفائلة التي تُصدقها بعض المجتمعات خاصة ضعيفة التنمية وقليلة الإمكانات، وهذه هي النظرة المتفائلة التي يُراد لبعض المجتمعات المتطلعة للمستقل أن تُصدقها وتؤمن بها وتتبناها، وهذه هي النظرة المتفائلة التي تسوقها المجتمعات والقوى الدولية ذات الإرث الاستعماري وصاحبة التطلعات التوسعية الإقليمية والدولية. فإذا قلنا إن هذه هي النظرة المُتفائلة عند النظر للعلاقات بين الدول، فهل ذلك يعني أنها نظرة غير صحيحة عند النَّظر لواقع العلاقات الدولية؟ بمعنى آخر، هل هذه النَّظرة المُتفائلة بكامل عناصرها يُصادق عليها واقع العلاقات بين الدول سواءً في الماضي أو في وقتنا الراهن؟!
قد يبدو أن الإجابة عن هذه التساؤلات مسألة سهلة أو يسيرة بالقول المُباشر نعم، أو بالقول الصريح لا، إلا أن الإجابة عن هذه التساؤلات أمر مُعقد ومسألة صعبة انطلاقاً من واقع العلاقات الدولية وموقع كل دولة في النظام الدولي، بالإضافة لطبيعة تكوين الرأي العام وقدرته على التأثير في التوجهات السياسية للمجتمعات والدول. نعم، إنه أمرٌ مُعقد ومسألة صعبة. فإذا نظرنا لطبيعة العلاقات الدولية بشكلها العام، نجد أن واقع الغالبية العُظمى من المجتمعات والدول - ومنها المجتمعات والدول العربية - تلتزم التزاماً بالمواثيق والتعهدات والقرارات التي أكد عليها القانون الدولي حرصاً منها على الوفاء بأُسس العلاقات الدولية التي أقامتها، وإيماناً منها بأهمية تعزيز حالة السلم والأمن والاستقرار في المجتمع الدولي، ورغبةً في تحقيق التكامل الاقتصادي والصناعي والاجتماعي والتنموي المُحقِق للازدهار والرَّخاء مع الدول الأخرى التي ترتبط معها بعلاقات طبيعية. نعم، إنها نظرة مُتفائلة تؤمن بها الغالبية العظمى من أطراف المجتمع الدولي، كما أنها نظرة مُبررة وقائمة على أُسس صحيحة عِمادها خدمة المصالح وتعزيز المنافع للمجتمع والدولة. وهذه النظرة المتفائلة حتماً ستجد من يحاكمها محاكمة مباشرة بالتساؤل: إن كانت هذه الغالبية العظمى من المجتمعات والدول المتفائلة باحترام تعهداتها الدولية لا ترى تدخل بعض الدول والقوى الدولية والتوسعية في شؤونها الداخلية؟! بمعنى آخر، هل هذه الدول المتفائلة ترضى بالتدخل في شؤونها الداخلية متنازلة عن سيادتها الكاملة؟! والإجابة عن هذه التساؤلات واضحة وسهلة ومُباشرة لأنه لا يوجد أية مجتمع أو دولة ترضى بأن يتم التدخل في شؤونها الداخلية، ولا يمكن ان تجد مجتمع أو دولة تجهل تصرفات وسياسات الدول والقوى الدولية تجاهها. فإذا كان الأمر كذلك، فإن علينا إدراك أن لكل مجتمع ودولة سياساتها التي تتبناها عند التعامل مع أطراف المجتمع الدولي بحيث تحافظ على سيادتها بالطريقة التي تراها، وتحقق منافعها وتخدم مصالحها بالشكل والأسلوب والهيئة التي تؤمن بها. وبالإضافة إلى هذه النظرة المتفائلة التي تؤمن بها الغالبية العظمى من أطراف المجتمع الدولي في علاقاتها مع الدول الأخرى، هناك نظرة متفائلة واسعة النطاق والقياس يؤمن بها الرأي العام في معظم المجتمعات والدول انطلاقاً من حرص الرأي العام على العيش بأمن وسلام واستقرار، وتطلعاً للازدهار والرخاء، الذي لن يتحقق إلا بعلاقات طبيعية واحترام متبادل بين المجتمعات والدول.
وفي مقابل هذه النَّظرة المُتفائلة التي تؤمن بها الغالبية العظمى من المجتمعات والدول، بالإضافة لغالبية الرأي العام في المجتمع الدولي، هناك نظرة سلبية تتبناها بعض الدول الإقليمية والقوى التوسعية عِمادها عدم الوفاء بالتعهدات والمواثيق والقرارات التي وقعت عليها عند انضمامها للمنظمة الدولية - الأمم المتحدة -، وسياساتها تتجاهل تماماً أُسس القانون الدولي المُنظم للعلاقات بين الدول، وهدفها التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وغاياتها خِدمة أيديولوجياتها التوسعية والهدامة والتخريبية بغض النَّظر عن تبعات ذلك على الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. نعم، إن السياسات السلبية التي تتبناها بعض الدول الإقليمية ذات الأيديولوجيات الفوضوية، وبعض القوى الدولية ذات الإرث الاستعماري، تجعل نظرة التشاؤم حاضرة عند النَّظر لطبيعة العلاقات بين الدول انطلاقاً من سعى هذه الدول للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى سواءً بشكل مُباشر بالتأثير على قراراتها والضغط عليها أو احتلال أراضيها، أو بشكل غير مُباشر عن طريق دعم وتمويل ورعاية تنظيمات إرهابية، وجماعات متطرفة، ومليشيات مُسلحة، وعناصر تخريبية، وزرع عملاء ومرتزقة، هدفهم الرئيس زعزعة أمن وسلم واستقرار المجتمعات الآمنة، وهدم وتخريب واسقاط النُظم والدول المُستقرة. وكما تسببت هذه السياسات السلبية والهدامة بجعل نظرة التشاؤم حاضرة عند النَّظر لطبيعة العلاقات الدولية، فإنها أيضاً جعلت بعضاً من الرأي العام في المجتمعات غير المُستقرة ينظر نظرة تشاؤم لعلاقات دولته مع الدول الأخرى قياساً على ما يسمع من تدخلات في شؤون مجتمعه ودولته، وعلى ما يُشاهد من غياب أمن داخلي وعدم استقرار سياسي.
فإذا وضعنا ذلك كله في عين الاعتبار، فإننا نُدرك تماماً أهمية ما تضمنه "إعلان جدة" في ختام أعمال الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة (قمة جدة)، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد، رئيس مجلس وزراء المملكة العربية السعودية، في 19 مايو 2023م، حيث نص في البند الـ6 على الآتي: "نشدد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، ونؤكد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتثخن في تدمير منجزاتها وتحول دون تحقيق تطلعات مواطني دولنا." ونص البند الـ9 على ما يلي:" نعبر عن التزامنا واعتزازنا بقيمنا وثقافتنا القائمة على الحوار والتسامح والانفتاح، وعدم التدخل في شؤون الآخرين تحت أي ذريعة مع التأكيد على احترامنا لقيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها واعتبار التنوع الثقافي إثراء لقيم التفاهم والعيش المشترك ونرفض رفضا قاطعا هيمنة ثقافات دون سواها، واستخدامها ذرائع للتدخل في الشؤون الداخلية لدولنا العربية." لقد مثل هذان البندان غاية الحكمة والعقلانية السياسية في التعامل مع طبيعة العلاقات الدولية وواقع السياسة الإقليمية والعالمية بالشكل الذي يحفظ للدول العربية سيادتها الكاملة – سياسياً وقانونياً –، وبالأسلوب الذي يُعزز ويقوي وحدة الصف العربي والأمن القومي المشترك، وبالطريقة التي توصل للمجتمع الإقليمي والدولي رسالة المجتمعات العربية بكل هدوء واتزان ورصانة.
وفي الختام من الأهمية القول إن المجتمعات والدول – ومنها العربية – التي احترمت التزاماتها الدولية حققت مستويات متقدمة من الأمن والسلم الاجتماعي، والتنمية الشاملة، والازدهار والرخاء لشعوبها، بينما تذيلت تلك المجتمعات والدول التي خانت تعهداتها الدولية وتبنت ودعمت التنظيمات والجماعات المُتطرفة والمليشيات المُسلحة التصنيفات الدولية وحققت أدنى المراتب في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والأمنية. نعم، لقد أبدعت المجتمعات والدول العربية عندما ركزت على بناء وتنمية اقتصاداتها وصناعاتها، وعملت على تحصين وحماية أبنائها، وسعت بجد إلى تقوية وحدة صفها الداخلي واستقرار مجتمعاتها، وخططت بهدوء لمستقبلها بعيداً عن الانشغال بسياسات الهدم والخراب والتطرف التي أُريد لها أن تتبناها لتتعطل تنميتها وتتفتت وحدتها. نعم، إنها الحقيقة التي يجب أن يؤمن بها كل مواطن عربي حيث المستقبل المُشرق هو الهدف المنشُود بعد قرون من التجهيل والتدمير والتخريب والاستعمار الأجنبي الذي عانت منه المجتمعات العربية.
http://www.alriyadh.com/2015029]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
لقد أبدعت المجتمعات والدول العربية عندما ركزت على بناء وتنمية اقتصاداتها وصناعاتها، وعملت على تحصين وحماية أبنائها، وسعت بجد إلى تقوية وحدة صفها الداخلي واستقرار مجتمعاتها، وخططت بهدوء لمستقبلها بعيداً عن الانشغال بسياسات الهدم والخراب والتطرف..
السيادة الكاملة - السياسية والقانونية - حقٌ أصيلٌ لكل دولة مُستقلة تمارسها كيفما تشاء داخل حدودها الجغرافية وتجاه المجتمع الدولي.. إذاً نحن أمام مبدأ أصيل في العلاقات الدولية حيث التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو التأثير على قراراتها الخارجية، مسألة غير مقبولة سياسياً وأمر مُجرم من الناحية القانونية، فإذا كان ذلك هو المبدأ الأصيل، فإن العمل به يتطلب الاحترام الكامل لسيادة الدول بعدم التدخل في شؤونها الداخلية مهما كانت المبررات، والابتعاد عن التأثير على قراراتها الخارجية مهما كانت الظروف والأحوال. نعم، هذه هي النظرة المُفترضة للعلاقات بين الدول المستقلة، وهذه هي النظرة الطبيعية كما كفلها القانون الدولي ووافقت الدول جميعها على تبنيها والعمل بها عندما قبلت الانضمام للمنظمة الدولية - الأمم المتحدة - وما تضمنته وثيقتها التأسيسية من تعهدات ومواثيق أكد عليها القانون الدولي، فإذا أخذنا بهذه النظرة المُفترضة والطبيعية نحو العلاقات الدولية بين الدول، فذلك يعني أن التفاؤل واجب الأخذ به عند النظر للعلاقات بين الدول بحيث يجعلنا نؤمن بأن جميع أطراف المجتمع الدولي تعمل للسَّلام، وتدعم الاستقرار، وتسعى للازدهار من خلال التكامل الاقتصادي، وتخدم سياسات بعضها البعض حتى يعم الرخاء والأمن المجتمعات والدول بمختلف حضاراتها وثقافاتها وقيمها ومبادئها. نعم، هذه هي النظرة المتفائلة التي تسمعها الشعوب خاصة الفقيرة والبسيطة، وهذه هي النظرة المتفائلة التي تُصدقها بعض المجتمعات خاصة ضعيفة التنمية وقليلة الإمكانات، وهذه هي النظرة المتفائلة التي يُراد لبعض المجتمعات المتطلعة للمستقل أن تُصدقها وتؤمن بها وتتبناها، وهذه هي النظرة المتفائلة التي تسوقها المجتمعات والقوى الدولية ذات الإرث الاستعماري وصاحبة التطلعات التوسعية الإقليمية والدولية. فإذا قلنا إن هذه هي النظرة المُتفائلة عند النظر للعلاقات بين الدول، فهل ذلك يعني أنها نظرة غير صحيحة عند النَّظر لواقع العلاقات الدولية؟ بمعنى آخر، هل هذه النَّظرة المُتفائلة بكامل عناصرها يُصادق عليها واقع العلاقات بين الدول سواءً في الماضي أو في وقتنا الراهن؟!
قد يبدو أن الإجابة عن هذه التساؤلات مسألة سهلة أو يسيرة بالقول المُباشر نعم، أو بالقول الصريح لا، إلا أن الإجابة عن هذه التساؤلات أمر مُعقد ومسألة صعبة انطلاقاً من واقع العلاقات الدولية وموقع كل دولة في النظام الدولي، بالإضافة لطبيعة تكوين الرأي العام وقدرته على التأثير في التوجهات السياسية للمجتمعات والدول. نعم، إنه أمرٌ مُعقد ومسألة صعبة. فإذا نظرنا لطبيعة العلاقات الدولية بشكلها العام، نجد أن واقع الغالبية العُظمى من المجتمعات والدول - ومنها المجتمعات والدول العربية - تلتزم التزاماً بالمواثيق والتعهدات والقرارات التي أكد عليها القانون الدولي حرصاً منها على الوفاء بأُسس العلاقات الدولية التي أقامتها، وإيماناً منها بأهمية تعزيز حالة السلم والأمن والاستقرار في المجتمع الدولي، ورغبةً في تحقيق التكامل الاقتصادي والصناعي والاجتماعي والتنموي المُحقِق للازدهار والرَّخاء مع الدول الأخرى التي ترتبط معها بعلاقات طبيعية. نعم، إنها نظرة مُتفائلة تؤمن بها الغالبية العظمى من أطراف المجتمع الدولي، كما أنها نظرة مُبررة وقائمة على أُسس صحيحة عِمادها خدمة المصالح وتعزيز المنافع للمجتمع والدولة. وهذه النظرة المتفائلة حتماً ستجد من يحاكمها محاكمة مباشرة بالتساؤل: إن كانت هذه الغالبية العظمى من المجتمعات والدول المتفائلة باحترام تعهداتها الدولية لا ترى تدخل بعض الدول والقوى الدولية والتوسعية في شؤونها الداخلية؟! بمعنى آخر، هل هذه الدول المتفائلة ترضى بالتدخل في شؤونها الداخلية متنازلة عن سيادتها الكاملة؟! والإجابة عن هذه التساؤلات واضحة وسهلة ومُباشرة لأنه لا يوجد أية مجتمع أو دولة ترضى بأن يتم التدخل في شؤونها الداخلية، ولا يمكن ان تجد مجتمع أو دولة تجهل تصرفات وسياسات الدول والقوى الدولية تجاهها. فإذا كان الأمر كذلك، فإن علينا إدراك أن لكل مجتمع ودولة سياساتها التي تتبناها عند التعامل مع أطراف المجتمع الدولي بحيث تحافظ على سيادتها بالطريقة التي تراها، وتحقق منافعها وتخدم مصالحها بالشكل والأسلوب والهيئة التي تؤمن بها. وبالإضافة إلى هذه النظرة المتفائلة التي تؤمن بها الغالبية العظمى من أطراف المجتمع الدولي في علاقاتها مع الدول الأخرى، هناك نظرة متفائلة واسعة النطاق والقياس يؤمن بها الرأي العام في معظم المجتمعات والدول انطلاقاً من حرص الرأي العام على العيش بأمن وسلام واستقرار، وتطلعاً للازدهار والرخاء، الذي لن يتحقق إلا بعلاقات طبيعية واحترام متبادل بين المجتمعات والدول.
وفي مقابل هذه النَّظرة المُتفائلة التي تؤمن بها الغالبية العظمى من المجتمعات والدول، بالإضافة لغالبية الرأي العام في المجتمع الدولي، هناك نظرة سلبية تتبناها بعض الدول الإقليمية والقوى التوسعية عِمادها عدم الوفاء بالتعهدات والمواثيق والقرارات التي وقعت عليها عند انضمامها للمنظمة الدولية - الأمم المتحدة -، وسياساتها تتجاهل تماماً أُسس القانون الدولي المُنظم للعلاقات بين الدول، وهدفها التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وغاياتها خِدمة أيديولوجياتها التوسعية والهدامة والتخريبية بغض النَّظر عن تبعات ذلك على الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. نعم، إن السياسات السلبية التي تتبناها بعض الدول الإقليمية ذات الأيديولوجيات الفوضوية، وبعض القوى الدولية ذات الإرث الاستعماري، تجعل نظرة التشاؤم حاضرة عند النَّظر لطبيعة العلاقات بين الدول انطلاقاً من سعى هذه الدول للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى سواءً بشكل مُباشر بالتأثير على قراراتها والضغط عليها أو احتلال أراضيها، أو بشكل غير مُباشر عن طريق دعم وتمويل ورعاية تنظيمات إرهابية، وجماعات متطرفة، ومليشيات مُسلحة، وعناصر تخريبية، وزرع عملاء ومرتزقة، هدفهم الرئيس زعزعة أمن وسلم واستقرار المجتمعات الآمنة، وهدم وتخريب واسقاط النُظم والدول المُستقرة. وكما تسببت هذه السياسات السلبية والهدامة بجعل نظرة التشاؤم حاضرة عند النَّظر لطبيعة العلاقات الدولية، فإنها أيضاً جعلت بعضاً من الرأي العام في المجتمعات غير المُستقرة ينظر نظرة تشاؤم لعلاقات دولته مع الدول الأخرى قياساً على ما يسمع من تدخلات في شؤون مجتمعه ودولته، وعلى ما يُشاهد من غياب أمن داخلي وعدم استقرار سياسي.
فإذا وضعنا ذلك كله في عين الاعتبار، فإننا نُدرك تماماً أهمية ما تضمنه "إعلان جدة" في ختام أعمال الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة (قمة جدة)، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد، رئيس مجلس وزراء المملكة العربية السعودية، في 19 مايو 2023م، حيث نص في البند الـ6 على الآتي: "نشدد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، ونؤكد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتثخن في تدمير منجزاتها وتحول دون تحقيق تطلعات مواطني دولنا." ونص البند الـ9 على ما يلي:" نعبر عن التزامنا واعتزازنا بقيمنا وثقافتنا القائمة على الحوار والتسامح والانفتاح، وعدم التدخل في شؤون الآخرين تحت أي ذريعة مع التأكيد على احترامنا لقيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها واعتبار التنوع الثقافي إثراء لقيم التفاهم والعيش المشترك ونرفض رفضا قاطعا هيمنة ثقافات دون سواها، واستخدامها ذرائع للتدخل في الشؤون الداخلية لدولنا العربية." لقد مثل هذان البندان غاية الحكمة والعقلانية السياسية في التعامل مع طبيعة العلاقات الدولية وواقع السياسة الإقليمية والعالمية بالشكل الذي يحفظ للدول العربية سيادتها الكاملة – سياسياً وقانونياً –، وبالأسلوب الذي يُعزز ويقوي وحدة الصف العربي والأمن القومي المشترك، وبالطريقة التي توصل للمجتمع الإقليمي والدولي رسالة المجتمعات العربية بكل هدوء واتزان ورصانة.
وفي الختام من الأهمية القول إن المجتمعات والدول – ومنها العربية – التي احترمت التزاماتها الدولية حققت مستويات متقدمة من الأمن والسلم الاجتماعي، والتنمية الشاملة، والازدهار والرخاء لشعوبها، بينما تذيلت تلك المجتمعات والدول التي خانت تعهداتها الدولية وتبنت ودعمت التنظيمات والجماعات المُتطرفة والمليشيات المُسلحة التصنيفات الدولية وحققت أدنى المراتب في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والأمنية. نعم، لقد أبدعت المجتمعات والدول العربية عندما ركزت على بناء وتنمية اقتصاداتها وصناعاتها، وعملت على تحصين وحماية أبنائها، وسعت بجد إلى تقوية وحدة صفها الداخلي واستقرار مجتمعاتها، وخططت بهدوء لمستقبلها بعيداً عن الانشغال بسياسات الهدم والخراب والتطرف التي أُريد لها أن تتبناها لتتعطل تنميتها وتتفتت وحدتها. نعم، إنها الحقيقة التي يجب أن يؤمن بها كل مواطن عربي حيث المستقبل المُشرق هو الهدف المنشُود بعد قرون من التجهيل والتدمير والتخريب والاستعمار الأجنبي الذي عانت منه المجتمعات العربية.
http://www.alriyadh.com/2015029]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]