المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حفظ العهد



المراسل الإخباري
06-08-2023, 04:36
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
آكد المواثيق المأخوذة بين الناس العهدُ المعطَى لوليِّ الأمر بموجبِ حقِّه في السمع والطاعة على عموم الرعية، وفي الوفاء بهذا العهد محافظةٌ على مصالح العباد والبلاد الدينية والدنيوية، كما أن في الإخلال به إفساداً وتضييعاً للحقوق..
من مستلزمات عمارة الأرض وصلاحها ارتفاق بعض الناس ببعض، فالإنسانُ كائنٌ اجتماعيٌّ بطبيعته، وما من أحدٍ من البشر إلا وتتعلق مصالحه بالآخرين بشكلٍ أو بآخر، ويمكن أن تتعلق به مصالحهم في الجملة، وإن كان يَعرِضُ لبعض الناس إهمالٌ للدور الذي ينبغي أن يقوم به، فلا يُرجى منه نفعٌ، وتتسع دائرة تبادل المنافع لتشمل التعاملات العامة التي لا يتعلق الغرض بالتعارف بين الأطراف المتبادلة لها، وتضيقُ ليتجسَّد فيها التعامل الخاص الذي ينتقي له الإنسان من يراه أهلاً لأن يأتمنه، وتستدعي ضرورية انسياب كل من النوعين أن تكون للناس مبادئ وأسس بها يُنظِّمون معاملاتهم وعلاقاتهم، ومن المبادئ المرسومة لذلك حفظ العهد، فقد أوجبته الشريعة، وقررته أعرافُ وقيمُ النبلاء من الناس؛ لما ينبني على الوفاء بمتطلباته من رعاية الحقوق الأكثر أهمية والمحافظة على المصالح التي يُرادُ تحصينها، وجريان أمور الطرفين على وجه السداد، وما يترتب على الإخلال به من ضياع الحقوق، ووضع الأشياء في غير مواضعها اللائقة بها، وانهيار جدار الثقة بعد قيامه، ولي مع أهمية المحافظة على العهد وقفات:
الأولى: الوفاءُ بالعهد واجبٌ شرعيٌ على العموم، وقد قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}، وآكد العهود على الإطلاق العهد والميثاق الذي أخذه الله على بني آدم بتوحيده فأقروا به، فعلى المسلم أن يظلَّ مثابراً على هذا العهد، أما إذا انتقلنا إلى العهود والمواثيق بين الناس فآكد المواثيق المأخوذة بينهم العهدُ المعطَى لوليِّ الأمر بموجبِ حقِّه في السمع والطاعة على عموم الرعية، وفي الوفاء بهذا العهد محافظةٌ على مصالح العباد والبلاد الدينية والدنيوية، كما أن في الإخلال به إفساداً وتضييعاً للحقوق، وبقدر ما يُخلُّ بها الإنسان يأخذ نصيبه من وصف البغي والمشاقة للمسلمين، وينزلق في حضيض الفتن والأهواء؛ ولهذا ورد الوعيد الشديد في التنكر لهذا العهد، ففي حديث عَبْدِ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم، ومن العهود العامة التي يجب الوفاء بها العهود التي يُبرمها ولي الأمر مع دولةٍ أخرى، فلا يجوز لآحاد الناس المساسُ بها، بل يجب عليه أن يفي بها على حسب ما تقرر فيها، وقد جاء الوعيد في الإخلال بها كما في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً» أخرجه البخاري.
الثانية: العهد الواجب حفظه بين الناس لا فرق بين أن يكون صريحاً يتلفظ به الإنسان أو يكتبه أو يوقع عليه، وبين أن يكون ضِمنيّاً تقتضي المعاملة الحاصلة بين الطرفين وجوبه شرعاً أو عرفاً، ومن المواثيقِ الأكثرِ أهميةً الصلةُ بين الزوجين، وقد بين الله تعالى أهميته بتسميته ميثاقاً غليظاً فقال: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، فلهذا العقد حقوقٌ كثيرةٌ تترتب على الطرفين بمجرد عقده، ولا تحتاج إلى أن تُذكر أصلاً؛ لأن الزواج عبارةٌ عنها، وتتأكد بمرور الوقت بمقتضى مكارم الأخلاق وما يتطلبه حق الصحبة، فيستحق كُلٌّ من الطرفين على الآخر حقوقاً بعضها تزول بانتهاء الزواج، بموت أحد الطرفين أو الطلاق، وبعضها لا ينتهي بانتهاء الزواج، وهو النوع الراجع إلى مراعاة ماضي الصحبة وحفظ العهد، والمحافظة على سمعة الصاحب، والحرص على نصاعة صورته، فهذه أمورٌ لا يُمكنُ أن يجد أحدُ الزوجين نفسه في حلٍّ من مراعاتها، ولو زال النكاح، لا سيما إذا حصلت فيها الذرية؛ لأن الرجل والمرأة إذا كانت لهما ذرية انضافت إلى حقوقهما في المراعاة حقوقُ الذرية في مراعاة مشاعرها وأحاسيسها، ومعلومٌ أن كلا الوالدين جزءٌ من شرف الولد وشخصيته الاعتبارية، فإذا قلَّلَ أحدُ الزوجين من شأن الآخر بالمقال أو الأفعال فقد قلَّلَ من شأن الأولاد، وجعلهم عرضةً للحرج والمعاناة.
الثالثة: للمحافظة على المواثيق المتبادلة بين الناس في معاملاتهم المالية أهمية بالغة؛ لعموم الحاجة إليها لا سيما في واقعنا المعاصر الذي أصبحت الوظيفة فيه أساساً حيوياً، وللوفاء بمحتوى العقود في معاملة الناس أثرٌ حسنٌ يعود بالإيجاب على حسن تعايشهم وتبادلهم للاحترام والمودة، وبالمقابل ينشأ عن التلاعب بالعقود شيوع الشنآن والضغائن؛ لأن النفوس مجبولة على الانقباض ممن تنكَّر لها، وللتملص من العهود علاقة وثيقة بالفساد والرشوة وسائر التصرفات المخالفة للشرع والنظام والتي من شأنها الإضرار بالناس في أمنهم ومعاشهم؛ إذ هذه السلبيات كُلُّها مظهرٌ من مظاهر عدم احترام العهد.




http://www.alriyadh.com/2016473]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]