المراسل الإخباري
06-10-2023, 03:21
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png العنوان مُقتبس من اسم برنامج إذاعي كان يُقدّمه لفترة طويلة الشاعر الأستاذ «فاروق شوشة»، وكان البرنامج يتميّز بفخامة اللغة، وثراء المُفردات، والصوت الرخيم.. البرنامج الذي صاحب أجيالاً من عُشّاق اللغة العربية.
وكان البرنامج يبدأ بإلقاء بيت من قصيدة تُعتبر من أجمل ما قيل في وصف اللغة العربية للشاعر الكبير «حافظ إبراهيم»:
أنا البحر في أحشائه الدُرّ كامنٌ
فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي؟
لغة الضاد التي أبدع الأستاذ «مصطفى صادق الرافعي» في وصفها عندما قال:
(لا يتّصل بروحها شيء إلا نبت واخضرّ، ثم نوّر وأزهر، كأنّ طبيعة الجَمال خبّأتْ في قلبها سِرّ الربيع)!
فاللغة تُعدّ من أهمّ الملامح التي تُكوّن هويّة الأمّة وتُميّزها عن غيرها من الأُمم، واللغة إلى جانب الدّين؛ هُما العُنصران المركزيان لأيّ ثقافة أو حضارة، كما يؤكّد ذلك «صمويل هنتنجتون» في كتابه «صدام الحضارات».
واللغات تحيا وتقوى بحياة المُتكلّمين بها وقوّتهم، فإن كانوا أقوياء مُتقدّمين مُنافسين للأُمم الراقية في العلوم والأعمال كانت لغتهم مثلهم، وإن كانوا ضُعفاء عاجزين مُتأخّرين عن ركب المدنية والحضارة كانت لغتهم كذلك.
والشواهد على ذلك كثيرة، فاللغة الإنجليزية والألمانية قبل خمسمائة سنة مثلاً، لم يكُن لها وجود حقيقي في الأدب العالمي والعلوم، فقد كان الأوروبيون يكتبون ويؤلّفون باللغة اللاتينية، ولا يكادون يستعملون لغاتهم الخاصّة، ثم نشأت اللغة الفرنسية فحلّتْ محلّ اللاتينية ردحاً من الزمان، ثم أخذت اللغات الحديثة الأخرى تتقوّى، إلى أن صارت الإنجليزية والألمانية في هذا العصر من أعظم اللغات انتشاراً، ودُوّنت بها العلوم والآداب.
أما اللغات القديمة كالسنسكريتية، ولغات ساميّة كالعبرانية والسريانية والآشورية؛ فقد هرمتْ وأكل عليها الدهر وشرب، و(أخنى عليها الذي أخنى على لُبد)، وفنيَتْ بفناء أهلها، فلا توجد هذه الأُمم اليوم. أما اللغة العربية فقد بقيت بعد زوال لداتها القديمة، لأن لديها مزيّة امتازت بها وضمنت لها البقاء؛ ألا وهي القُرآن الكريم والشريعة الإسلامية، التي لا يُدين بها العرب فقط، بل تُدين بها وتُقدّسها أُمم كثيرة غير عربية، لا يقوم دِينها إلا بالقُرآن الكريم والسٌنّة المُطهّرة، ولا يقوم القُرآن والسُنّة إلا باللغة العربية.
والحقّ أن اللغة العربية لا تعيش أزهى عصورها في الوقت الحاضر، لعدّة أسباب تطرّق إليها الدكتور «أحمد الضبيب» في كتابه: «اللغة العربية في عصر العولمة»، فقال: (إن التحدّي الذي يواجه اللغة العربية في هذا العصر سببه الشعور المُبالغ فيه بأهميّة اللغة الأجنبية، والظنّ الزائف بأن التقدّم لا يأتي إلا عن طريق إتقان اللغة الأجنبية، والتحدّث بها بين العرب أنفسهم، ومعروف رأي «ابن خلدون» في مثل هذه الحالة التي يُعجَب فيها المغلوب بالغالب، فيتشبّه به في شعاره وزيّه ونِحلته وسائر أحواله وعوائده)، ويقول: (ويبدو التحدّي سافراً للغة العربية في المجتمع بفعل العولمة، والتشبّه الساذج بالأجنبي، عندما تُجاهر كثير من المحلّات التجارية والمؤسّسات الخاصة والشركات بكتابة لافتاتها بالأجنبية، وتسطّر تقاريرها وصياغة عقودها وإصدار تعليماتها إلى العاملين فيها، وإن كانوا عرباً، بالأجنبية!).
ولكن الأمل بازدهار اللغة العربية كبير، فقد سبق عصرنا الحاضر عصور كانت أشدّ وطأة على لغة الضاد، وانصراف أهلها عنها وافتتانهم بالرطانات الأجنبية، فهذا «ابن منظور» صاحب أشهر المعاجم العربية، وهو «لسان العرب»، في القرن الثامن الهجري، يقول: (جمعتُ هذا الكتاب، في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعتُه كما صنع نوح الفُلك، وقومه منه يسخرون!).
وبعد مئة عام من زمن «ابن منظور»، يأتي «الفيروز أبادي» مؤلّف «القاموس المحيط»، ليشكو من حال اللغة في عصره، ويشير إلى ضعف الإقبال على دراستها، فيقول: (وهذه اللغة الشريفة، وإن دارت الدوائر على ذويها، وأخنَت على نضارة رياض عيشهم تذويها، حتى لا لها اليوم درسٌ سوى الطلل في المدارس، ولا تجاوب إلا الصدى ما بين أعلامها الدوارس!).
ولذا فإن كثيراً من الباحثين يرون أن التحدّي الراهن لا يمكن أن يواجَه إلا بمزيد من الثقة بالذات، فاللغة العربية اليوم هي اللغة الرسمية لأكثر من عشرين دولة، وقد أصبحت لغة دولية مُعترَفاً بها في أرفع المؤسّسات العالمية.
اللغة العربية ليست مُجرّد وسيلة اتصال، أو وعاء لنقل الأفكار والمعاني، بقدر ما هي مُكوّن ثقافي وحضاري من روافد الثقافة العربية، وبالتالي لا يُعدّ الحفاظ عليها والدعوة إلى حمايتها ترفاً فكرياً، بل ضرورة قومية تتطلّب تكاتف جميع الجهات المعنية لضمان الحفاظ على هويّة المجتمع، وتوفير بيئة صحية تُساعد اللغة على النموّ والتطوّر لاستيعاب مستجدّات العصر، من دون قطع صِلاتها بالتراث المجيد.
http://www.alriyadh.com/2016811]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
وكان البرنامج يبدأ بإلقاء بيت من قصيدة تُعتبر من أجمل ما قيل في وصف اللغة العربية للشاعر الكبير «حافظ إبراهيم»:
أنا البحر في أحشائه الدُرّ كامنٌ
فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي؟
لغة الضاد التي أبدع الأستاذ «مصطفى صادق الرافعي» في وصفها عندما قال:
(لا يتّصل بروحها شيء إلا نبت واخضرّ، ثم نوّر وأزهر، كأنّ طبيعة الجَمال خبّأتْ في قلبها سِرّ الربيع)!
فاللغة تُعدّ من أهمّ الملامح التي تُكوّن هويّة الأمّة وتُميّزها عن غيرها من الأُمم، واللغة إلى جانب الدّين؛ هُما العُنصران المركزيان لأيّ ثقافة أو حضارة، كما يؤكّد ذلك «صمويل هنتنجتون» في كتابه «صدام الحضارات».
واللغات تحيا وتقوى بحياة المُتكلّمين بها وقوّتهم، فإن كانوا أقوياء مُتقدّمين مُنافسين للأُمم الراقية في العلوم والأعمال كانت لغتهم مثلهم، وإن كانوا ضُعفاء عاجزين مُتأخّرين عن ركب المدنية والحضارة كانت لغتهم كذلك.
والشواهد على ذلك كثيرة، فاللغة الإنجليزية والألمانية قبل خمسمائة سنة مثلاً، لم يكُن لها وجود حقيقي في الأدب العالمي والعلوم، فقد كان الأوروبيون يكتبون ويؤلّفون باللغة اللاتينية، ولا يكادون يستعملون لغاتهم الخاصّة، ثم نشأت اللغة الفرنسية فحلّتْ محلّ اللاتينية ردحاً من الزمان، ثم أخذت اللغات الحديثة الأخرى تتقوّى، إلى أن صارت الإنجليزية والألمانية في هذا العصر من أعظم اللغات انتشاراً، ودُوّنت بها العلوم والآداب.
أما اللغات القديمة كالسنسكريتية، ولغات ساميّة كالعبرانية والسريانية والآشورية؛ فقد هرمتْ وأكل عليها الدهر وشرب، و(أخنى عليها الذي أخنى على لُبد)، وفنيَتْ بفناء أهلها، فلا توجد هذه الأُمم اليوم. أما اللغة العربية فقد بقيت بعد زوال لداتها القديمة، لأن لديها مزيّة امتازت بها وضمنت لها البقاء؛ ألا وهي القُرآن الكريم والشريعة الإسلامية، التي لا يُدين بها العرب فقط، بل تُدين بها وتُقدّسها أُمم كثيرة غير عربية، لا يقوم دِينها إلا بالقُرآن الكريم والسٌنّة المُطهّرة، ولا يقوم القُرآن والسُنّة إلا باللغة العربية.
والحقّ أن اللغة العربية لا تعيش أزهى عصورها في الوقت الحاضر، لعدّة أسباب تطرّق إليها الدكتور «أحمد الضبيب» في كتابه: «اللغة العربية في عصر العولمة»، فقال: (إن التحدّي الذي يواجه اللغة العربية في هذا العصر سببه الشعور المُبالغ فيه بأهميّة اللغة الأجنبية، والظنّ الزائف بأن التقدّم لا يأتي إلا عن طريق إتقان اللغة الأجنبية، والتحدّث بها بين العرب أنفسهم، ومعروف رأي «ابن خلدون» في مثل هذه الحالة التي يُعجَب فيها المغلوب بالغالب، فيتشبّه به في شعاره وزيّه ونِحلته وسائر أحواله وعوائده)، ويقول: (ويبدو التحدّي سافراً للغة العربية في المجتمع بفعل العولمة، والتشبّه الساذج بالأجنبي، عندما تُجاهر كثير من المحلّات التجارية والمؤسّسات الخاصة والشركات بكتابة لافتاتها بالأجنبية، وتسطّر تقاريرها وصياغة عقودها وإصدار تعليماتها إلى العاملين فيها، وإن كانوا عرباً، بالأجنبية!).
ولكن الأمل بازدهار اللغة العربية كبير، فقد سبق عصرنا الحاضر عصور كانت أشدّ وطأة على لغة الضاد، وانصراف أهلها عنها وافتتانهم بالرطانات الأجنبية، فهذا «ابن منظور» صاحب أشهر المعاجم العربية، وهو «لسان العرب»، في القرن الثامن الهجري، يقول: (جمعتُ هذا الكتاب، في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعتُه كما صنع نوح الفُلك، وقومه منه يسخرون!).
وبعد مئة عام من زمن «ابن منظور»، يأتي «الفيروز أبادي» مؤلّف «القاموس المحيط»، ليشكو من حال اللغة في عصره، ويشير إلى ضعف الإقبال على دراستها، فيقول: (وهذه اللغة الشريفة، وإن دارت الدوائر على ذويها، وأخنَت على نضارة رياض عيشهم تذويها، حتى لا لها اليوم درسٌ سوى الطلل في المدارس، ولا تجاوب إلا الصدى ما بين أعلامها الدوارس!).
ولذا فإن كثيراً من الباحثين يرون أن التحدّي الراهن لا يمكن أن يواجَه إلا بمزيد من الثقة بالذات، فاللغة العربية اليوم هي اللغة الرسمية لأكثر من عشرين دولة، وقد أصبحت لغة دولية مُعترَفاً بها في أرفع المؤسّسات العالمية.
اللغة العربية ليست مُجرّد وسيلة اتصال، أو وعاء لنقل الأفكار والمعاني، بقدر ما هي مُكوّن ثقافي وحضاري من روافد الثقافة العربية، وبالتالي لا يُعدّ الحفاظ عليها والدعوة إلى حمايتها ترفاً فكرياً، بل ضرورة قومية تتطلّب تكاتف جميع الجهات المعنية لضمان الحفاظ على هويّة المجتمع، وتوفير بيئة صحية تُساعد اللغة على النموّ والتطوّر لاستيعاب مستجدّات العصر، من دون قطع صِلاتها بالتراث المجيد.
http://www.alriyadh.com/2016811]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]