المراسل الإخباري
06-10-2023, 03:21
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png المحادثة مهارة من مهارات القول، أو فنّ من الفنون اللغوية التي تعرفها جميع لغات العالم، لا جرم أنها أصل مهم في العملية التخاطبية، والتواصل مع الآخرين؛ فالإنسان يستمع للحديث، ويتحدث إلى المستمع، ومن هنا ارتبط الحديث ارتباطاً وثيقاً بالاستماع، كما أن الاستماع متعلق به، فالعلاقة بينهما ليست علاقة جدلية اعتباطية، بل هي علاقة أساسية تبادلية، ومن خلالها تتضح قيمة الاستماع، وأهمية المحادثة.
وللمحادثة لونها وفنها في كونها أول ما يصدر من الإنسان، أو يكشف عنه، والأصل فيها أن تكون مهارة قائمة على وجود دافع في الكلام، مع تنظيم العبارات والأفكار وفقاً لنظام صوتي مخصوص، قد يزيد وينقص بحسب طبيعة الموقف، ومكانة المخاطب، وسياق الحديث، وهو ما يجعل من المحادثة فناً ذا أصول تداولية، وقواعد بلاغية، تهتم بكل شيء، حتى حركات الجسد، من إشارات، وإيماءات، وتعابير، ونحوها.
ولم يغفل الأقدمون هذا الفن، وإن توسّع فيه المتأخرون من حيث التأليف المخصوص، على نحو ما قام به الغربيون اليوم في هذا الحقل، وتحديداً في ميدان تطوير الذات؛ لهذا رأينا عندهم مؤلفات من قبيل: (فن الحوار والحديث إلى أي شخص) لروزالي ماجيو، و(فن المحادثة، غيّر حياتك بالتواصل الواثق) لجودي آبس، و(قوة المحادثة) لجيمس ك. فان فلييت، و(فن التحدث والإقناع) لوليم ج. ماكولاف، وغيرها من الكتب التي تحتفي بالمحادثة، وتنظر إليها بوصفها فنّاً ذا طابع مهاري.
ولعلي أبتعد بالمحادثة هنا إلى معنى تداولي أكثر فلسفة وعمقاً؛ فلقد نظر إليها بعض الأقدمين نظرة مختلفة، وذلك عن طريق الشاعر الفقير الذي لم يملك ما يجده في خدمة ضيفه، فراح يستعمل المحادثة بوصفها وليمةً يقدمها لسد النقص الذي يعتريه، يقول أمير الصعاليك عروة بن الورد: (فِراشي فِراشُ الضَيفِ وَالبَيتُ بَيتُهُ / وَلَم يُلهِني عَنهُ غَزالٌ مُقَنَّعُ) (أُحَدِّثُهُ إِنَّ الحَديثَ مِنَ القِرى / وَتَعلَمُ نَفسي أَنَّهُ سَوفَ يَهجَعُ)، فالحديث عنده هنا ليس حديثاً عابراً، أو حديثاً عاديّاً، بل هو حديث ذو طابع نفسي عاطفي، وربما كان أنفس من محادثة ذات تأثير وإقناع، أو تسلية وإمتاع، ولا سيما أن الشاعر نصّ عليه بأنه حديث مادي يقوم مقام الكرم والضيافة.
وقد احتفت كتب الأدب قديماً بالحديث، وتعرّضت لأهمية المحادثة، فمن ذلك ما جاء في كتاب (الإمتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي (414هـ)، حيث يقول في الليلة الأولى من ليالي الكتاب: «ولفوائد الحديث ما صنّف (أبو زيد) رسالة لطيفة الحجم في المنظر، شريفة الفوائد في المخبر، تجمع أصناف ما يقتبس من العلم، والحكمة، والتجربة في الأخبار والأحاديث، وقد أحصاها واستقصاها، وأفاد بها، وهي حاضرة، فقال: احملها واكتبها، ولا تمل إلى البخل بها على عادة أصحابنا الغثاث، قلت: السمع والطاعة».
وفي الليلة ذاتها يقول: «إنّ في المحادثة تلقيحاً للعقول، وترويحاً للقلب، وتسريحاً للهمّ، وتنقيحاً للأدب، قال: صدق هذا الإمام في هذا الوصف، إن فيه هذا كلّه. قلت: وسمعت أبا سعيد السيرافيّ يقول: سمعت ابن السّرّاج يقول: دخلنا على ابن الروميّ في مرضه الذي قضى فيه، فأنشدنا قوله: (ولقد سئمت مآربي/ فكأنّ أطيبها خبيث) (إلّا الحديث فإنّه / مثل اسمه أبدا حديث)؛ ولهذا فالمحادثة ليست أثراً تواصلياً فحسب، وليست مهارة كلامية فقط، بل قد تتعدى ذلك الأثر إلى أن تصبح عاطفةً تنبض بالحياة.
http://www.alriyadh.com/2016812]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
وللمحادثة لونها وفنها في كونها أول ما يصدر من الإنسان، أو يكشف عنه، والأصل فيها أن تكون مهارة قائمة على وجود دافع في الكلام، مع تنظيم العبارات والأفكار وفقاً لنظام صوتي مخصوص، قد يزيد وينقص بحسب طبيعة الموقف، ومكانة المخاطب، وسياق الحديث، وهو ما يجعل من المحادثة فناً ذا أصول تداولية، وقواعد بلاغية، تهتم بكل شيء، حتى حركات الجسد، من إشارات، وإيماءات، وتعابير، ونحوها.
ولم يغفل الأقدمون هذا الفن، وإن توسّع فيه المتأخرون من حيث التأليف المخصوص، على نحو ما قام به الغربيون اليوم في هذا الحقل، وتحديداً في ميدان تطوير الذات؛ لهذا رأينا عندهم مؤلفات من قبيل: (فن الحوار والحديث إلى أي شخص) لروزالي ماجيو، و(فن المحادثة، غيّر حياتك بالتواصل الواثق) لجودي آبس، و(قوة المحادثة) لجيمس ك. فان فلييت، و(فن التحدث والإقناع) لوليم ج. ماكولاف، وغيرها من الكتب التي تحتفي بالمحادثة، وتنظر إليها بوصفها فنّاً ذا طابع مهاري.
ولعلي أبتعد بالمحادثة هنا إلى معنى تداولي أكثر فلسفة وعمقاً؛ فلقد نظر إليها بعض الأقدمين نظرة مختلفة، وذلك عن طريق الشاعر الفقير الذي لم يملك ما يجده في خدمة ضيفه، فراح يستعمل المحادثة بوصفها وليمةً يقدمها لسد النقص الذي يعتريه، يقول أمير الصعاليك عروة بن الورد: (فِراشي فِراشُ الضَيفِ وَالبَيتُ بَيتُهُ / وَلَم يُلهِني عَنهُ غَزالٌ مُقَنَّعُ) (أُحَدِّثُهُ إِنَّ الحَديثَ مِنَ القِرى / وَتَعلَمُ نَفسي أَنَّهُ سَوفَ يَهجَعُ)، فالحديث عنده هنا ليس حديثاً عابراً، أو حديثاً عاديّاً، بل هو حديث ذو طابع نفسي عاطفي، وربما كان أنفس من محادثة ذات تأثير وإقناع، أو تسلية وإمتاع، ولا سيما أن الشاعر نصّ عليه بأنه حديث مادي يقوم مقام الكرم والضيافة.
وقد احتفت كتب الأدب قديماً بالحديث، وتعرّضت لأهمية المحادثة، فمن ذلك ما جاء في كتاب (الإمتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي (414هـ)، حيث يقول في الليلة الأولى من ليالي الكتاب: «ولفوائد الحديث ما صنّف (أبو زيد) رسالة لطيفة الحجم في المنظر، شريفة الفوائد في المخبر، تجمع أصناف ما يقتبس من العلم، والحكمة، والتجربة في الأخبار والأحاديث، وقد أحصاها واستقصاها، وأفاد بها، وهي حاضرة، فقال: احملها واكتبها، ولا تمل إلى البخل بها على عادة أصحابنا الغثاث، قلت: السمع والطاعة».
وفي الليلة ذاتها يقول: «إنّ في المحادثة تلقيحاً للعقول، وترويحاً للقلب، وتسريحاً للهمّ، وتنقيحاً للأدب، قال: صدق هذا الإمام في هذا الوصف، إن فيه هذا كلّه. قلت: وسمعت أبا سعيد السيرافيّ يقول: سمعت ابن السّرّاج يقول: دخلنا على ابن الروميّ في مرضه الذي قضى فيه، فأنشدنا قوله: (ولقد سئمت مآربي/ فكأنّ أطيبها خبيث) (إلّا الحديث فإنّه / مثل اسمه أبدا حديث)؛ ولهذا فالمحادثة ليست أثراً تواصلياً فحسب، وليست مهارة كلامية فقط، بل قد تتعدى ذلك الأثر إلى أن تصبح عاطفةً تنبض بالحياة.
http://www.alriyadh.com/2016812]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]