تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خيال مالبورو



المراسل الإخباري
07-08-2023, 02:07
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png بعد رحلة لي مع التدخين امتدت لأكثر من أربعة عقود كنت فيها مدخّنًا شرِهًا، حيث ربطت كل طقوسي الحياتية على اختلافها بسيجارة تحترق لأحترق بها، فلا قصيدة ولا قهوة ولا شاي بدون سيجارة يتطاير دخانها حول رموش عيني وتعج رائحتها بكل مكان وجدت فيه.. بعد هذه الرحلة أقلعت عنه أخيراً على الرغم من تعلّقي به، وأدخلت معاناتي بترْكه باب الصبر والثبات وقوة الإرادة حين بدا لي أنه أثقل من وهن العمر وأبشع من أن أستمرّ معه وبه، هذه الحالة من التعلّق دفعتني للبحث بتاريخه ومصائبه منذ اكتشافه أول مرة مرتبطًا بطقوس دينية مزاجية ومن ثم مسكّنًا للألم ومنعشًا للروح كما توهّم السكان الأصليون لأميركا حين أهدوه لكولومبس بعد اكتشاف قارتهم، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بكل أوجاعها والموت الكثير فيها الذي تحمّل واحتمل تاريخها المرعب، انكشف العالم على حقيقة التبغ كموتٍ أكبر وإن كان بطيئاً، فالعالم يفقد بسببه أكثر مما يفقده في الحروب بما فيها تلك الحرب التي تعدّ الأكبر في التاريخ الإنساني، جاء هذا الاكتشاف وبشكل أساس في دول الغرب الصناعية، حيث برز التدخين كممارسة سلبية بشكل حاسم، ومع تعاقب توابع التبغ الصحية، أثبتت الدراسات الطبية أن التدخين يعد من العوامل الرئيسة المسببة للعديد من الأمراض مثل: سرطان الرئة، النوبات القلبية، ومن الممكن أن يتسبب أيضًا في حدوث عيوب خلقية، لكنّ العوائد المالية الكبرى من تجارة التبغ وتصنيعه في عصرٍ رأس مالي وظّف لعجلته المحمومة حتى الإنسان، أوجدت حملات إعلانية مضادّة لهذه الحقيقة وظهر ما عرف في العالم بـ(خيال مالبورو)، وتعود حكايات هذا الخيال القاتل لعام 1926م حينما قدّم لويس فيليب مالبورو صاحب مصنع التبغ الشهير في نيويورك حملات إعلانية تظهر نساء الصفوة يدخنّ السيجارة ليكملن أناقتهن في المجتمع الراقي، وكانت إعلانات السجائر تشبه إلى حد كبير إعلانات الموضة، وتلا ذلك وضع شريط أحمر على نهاية السيجارة لإخفاء علامة أحمر الشفاه!
ومع تزايد الدراسات التي تربط بين التدخين والأمراض القاتلة رغب الكثير من المدخنين تجربة أنواع أخرى أكثر أماناً لعدم استطاعتهم التوقف عن التدخين، وعندئذ رآها فيليب موريس مالبورو فرصة ذهبية لإعادة تقديم السيجارة مرة أخرى على أنها السيجارة الأكثر أماناً بتقديم الفلتر، على أن ذلك لم يخدم الموقف لأن الفلتر كان لا يزال رمزاً للأنوثة التي التصقت أساساً بمالبورو.. جمح خيال هذا القاتل الجديد للعالم حيث كان في جلسة عمل لصناعة إعلان مؤثر فتساءل عن أكثر الأشكال الموحية بالذكورية والفحولة فأشير عليه براعي البقر ليجعله تعويذة الموت الجديدة على علبة مالبورو، وعلى مدى أربعين عاماً أثبت خيال مالبورو أنه أكثر الشخصيات شعبية بين الشخصيات الأخرى، ولعب دوراً حيوياً في تعريف الناس بالفلتر، وكيف أنه لا يؤثر على طعم السيجارة المعهود، وأغرى النساء بتجربة السيجارة الرجالية، وروج للعلبة الجديدة التي ساهم لونها الأحمر وغلافها القلاّبي بقبولها بين الناس، وأصبحت العلبة موضة وشكلاً من أشكال الأناقة، ومع حلول عام 1992 أصبحت مالبورو العلامة رقم 1 في العالم بقيمة سوقية تبلغ 32 مليار دولار أميركي، وأصبحت تباع في 180 بلداً، ولديها 38 % من حصة السوق في الولايات المتحدة الأميركية، وأكثر السجائر مبيعاً في العالم، وفي المركز العاشر من حيث القيمة الإجمالية لمنتجات العالم، وإذا ما ربطنا بين هذه الإحصائية وبين الإحصائية الطبية التي تؤكد على أن العالم يفقد 10 ملايين نسمة كل عام بسبب التدخين فإننا بذلك نجزم بأن لويس فيليب مالبورو وخياله، هو الرجل الذي أعاد قتل العالم ولا يزال يفعل!




http://www.alriyadh.com/2021358]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]