المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «كونغرس» العمارة



المراسل الإخباري
07-08-2023, 02:07
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
من يتتبع تاريخ المؤتمرات العامة للاتحاد الدولي للمعماريين سوف يجد أن العمارة العربية ومن يشتغل عليها خارج الصورة وعلى الهامش، والمجتهدون الذين استطاعوا أن يلتحقوا ببعض لجان الاتحاد لم يستطيعوا أن يكونوا عرباً بوضوح وينقلوا ثقافتهم لهذه المؤسسة..
اعتاد الاتحاد الدولي للمعماريين UIA أن يعقد مؤتمره العام كل ثلاثة أعوام، واُتفق أن يكون الاجتماع هذا العام في عاصمة العمارة "كوبنهاغن"، وهذا اللقب ليس منحة من عندي بل هو اختيار اتحاد المعماريين واليونسكو. تم كذلك اختيار مدينة برشلونة الإسبانية لتكون عاصمة العمارة القادمة حيث سُيعقد الكونغرس القادم فيها عام 2026م. لا أذكر أنه تم أو حتى سيتم اختيار مدينة عربية لتكون عاصمة العمارة في المستقبل القريب، والأسباب تبدو معروفة للجميع، فالمدن العربية مترهلة، وتفتقر للمعايير الإنسانية، وتكتسيها فوضى معمارية عارمة، وتطغى عليها الرسملة العقارية، بينما مدينة مثل "كوبنهاغن" تشكل ظاهرة متفردة في المدن الإنسانية وتستطيع التعرف عليها مشياً على الأقدام، مدينة تجذبك للفضاء العام المتنوع. يجب أن أقول إن "الكونغرس" هذه المرة يصادف مرور 75 عاماً على تأسيس الاتحاد الدولي للمعماريين، علماً أننا في المملكة لم نصبح أعضاء رسميين إلا قبل عدة سنوات، وباجتهاد منفرد من الجمعية السعودية لعلوم العمران التي أخذت على عاتقها هذه المهمة. وبالتأكيد لا يزال الطريق أمامنا طويلاً لتجاوز عتبات الاتحاد والدخول في عمق نشاطاته المهنية والعلمية.
في العام 2005م كانت أول مشاركة لي في "كونغرس العمارة" وكان اللقاء في مدينة إسطنبول، في ذلك المؤتمر تجمع عدد كبير من المعماريين الذين كانوا يشكلون بداية تطور ظاهرة "نجوم العمارة" Starcchitecture أذكر منهم زها حديد -رحمها الله-، و"روبرت فنتوري" وزوجته "سكوت براون"، و"تداو أندو"، و"بيتر أيزمان"، و"موشيه صفدي"، وغيرهم كثير، وجميعهم قابلتهم وأجريت معهم مقابلات نشرت في حينها. هذه المرة لم أجد نجوماً في العمارة، إذا ما استثنيت "شتيل ثوروسون" من مكتب "سنوهيتا" النرويجي الذي صمم مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي في الظهران، والدنماركي "يان غيل" المعروف بتوجهه الإنساني في تخطيط المدن. بالطبع كانت هناك أسماء عديدة لكنها لم تكن جاذبة بما يكفي، أذكر أن محاضرة زها حديدة في الكونغرس عام 2005 جعلت الشوارع تكتظ حول قاعة المحاضرة لكنني هذه المرة لم أشهد حركة غير عادية، أو أن هناك حرصاً من قبل الحضور على متابعة المحاضرات الكبيرة.
في اعتقادي إن ظاهرة "نجوم العمارة" بدأت في التراجع، وربما هذا يرتبط بشكل مباشر بما ذكرته في مقال الأسبوع الفائت حول اختفاء الدهشة في عمارتنا المعاصرة.
أثناء المؤتمر التقيت بالصديق المعمار العراقي خالد السلطاني، فقد كان مشاركاً معي في ورشة العمل التي نظمتها جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد حول استدامة المساجد المعاصرة، وهو موضوع الكونغرس هذه المرة، والدكتور خالد أحد كتاب العمارة المشهود لهم بالرصانة والبحث الميداني، وقد أصر على أن يأخذني في جولة معمارية في "كوبنهاغن". قال لي إني سأكون المرشد المعماري، وليس السياحي لهذه الجولة. بالنسبة لي التعرف على "الظاهرة الكوبنهاغنية" برفقة خبير معماري عاش في المدينة أكثر من عشرين عاماً وأحد أساتذة مدرسة "كوبنهاغن" للعمارة السابقين يعتبر فرصة سانحة للدخول بعمق في تفاصيل مدينة تمثل أحد متاحف العمارة المعاصرة. وبالفعل بدأنا من مركز اتحاد المعماريين الدنماركيين وانتهينا بالميناء القديم المكتظ بالمرتادين مروراً بعدد من المباني الحديثة، مثل: المكتبة الملكية أو الماسة السوداء ودار الأوبرا، والمباني التاريخية، مثل: البورصة القديمة والبرلمان والقصور الملكية، وغيرها من الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها هنا. اعتبرت هذه الجولة الجزء الأهم في "الكونغرس" بعد مشاركة جائزة المساجد وبناء شبكة العلاقات المعمارية حول العالم.
الجدير بالذكر أن المشاركة العربية كالعادة لا تكاد تذكر، كما أنه خلال الخمسة عقود الأخيرة لا يوجد معماري عربي يمكن التوقف عنده ونقول إنه لفت أنظار العالم لتوجهاته الفكرية، ليس لأنه لا يوجد هناك من يمكن أن يقوم بهذا الدور، بل لأن المناخ المهني والفكري المعماري في الدول العربية لا يصنع نجوماً. لا يذكر المعماريون المعاصرون أحداً من العالم العربي، حتى حسن فتحي لم يعرفه من سألتهم عنه، وهو المعماري الذي توقف تاريخ العمارة العربية عند عتباته. بقدر ما فتح هذا اللقاء عينيّ على توجهات العمارة المستقبلية "المرسملة" والخالية من المحتوى الفكري العميق، بقدر ما أحزنني هذا الغياب شبه الكامل، إلا من التبعية والانقياد، للمعماريين والأكاديميين العرب.
من يتتبع تاريخ المؤتمرات العامة للاتحاد الدولي للمعماريين سوف يجد أن العمارة العربية ومن يشتغل عليها خارج الصورة وعلى الهامش، والمجتهدون الذين استطاعوا أن يلتحقوا ببعض لجان الاتحاد لم يستطيعوا أن يكونوا عرباً بوضوح وينقلوا ثقافتهم لهذه المؤسسة، من حضر اللقاء ربما تجاوز 7000 معماري حول العالم، ربما لم يتجاوز العرب منهم الـ50 أو يزيد قليلاً، كما أنني لا أذكر أنه ترشح عربي لرئاسة الاتحاد قبل ذلك وحتى هذه المرة، بينما كان هناك عيسى محمد من ماليزيا رأس الاتحاد سابقاً. هذه الخواطر ليست من أجل جلد الذات، لكنها إشارات واضحة أننا لا نزال ندور في حلقة مفرغة لم نستطع الخروج منها، ليست في العمارة فقط بل في مجالات كثيرة يصعب إحصاؤها.




http://www.alriyadh.com/2021366]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]