تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عجيبة هذه "الكلمة"، وغريب أمرها..



المراسل الإخباري
07-09-2023, 03:37
http://www.alriyadh.com/media/thumb/20/ee/800_4dbc85c66a.jpg الكلمة وما أدراك ما الكلمة! أي قوة هائلة تضمّها الكلمة بين دفّتيها، وأي تأثير عميق هذا تُضمرِه بين طياتها وتُحدثه في النفس؟ وأي سحر يسكنها فيجعلها تمتلك خاصية الهدم والبناء في آن واحد، ويمنحها القدرة الاستثنائية على أن تنتحل غضب الرصاصة ووداعة الفراشة؟!
عجيبة هذه "الكلمة"، وغريب أمرها .. كيف لها أن تتسلل إلى مشاعرك فتحكم أفعالك وتطلق العنان لتصرّفاتك، تشعلك حينًا وتطفئ لظى غضبك حينًا آخر. تتنقل بين ناقلاتك العصبية فتجهدك وتستنزف صبرك وتحرّض عقلك وعاطفتك ليكونا أسيرا الخوف والقلق والحزن، أو قد تسارع إلى ترويضهما ليعيشا في راحة وسكينة وسلام واسترخاء!
عرّفها البعض بأنها مفتاح القلوب والقبول وبأنها إذا ما أسيء منطوقها كانت حائط الصد وجلابة المتاعب.
فتحدّث العلماء على أن في الدماغ خلايا "مرآوية" تنشط أثناء بناء العلاقات العاطفية والاجتماعية والتواصلية مع الناس، وتتفاعل تلقائيًا مع أصحابها والطرف الآخر.
فإلقاء تعبير إيجابي في وجه شخص ما يدفعها إلى إفراز نواقل عصبية وهرمونات تمنح حالة السرور والراحة، وعند التعبير السلبي يصدر عنها ما يمنحك عكس ذلك الإحساس، ما يجعل من أمر التحكّم في المشاعر الإيجابية والكلمة الطيبة أثرًا فاعلًا في بناء وإنجاح التواصل وبناء العلاقة مع الآخر وشرطًا مسبقًا للحفاظ على استمراريتها.
في المخزون التراثي يسود المثل الشعبي "الكلمة الطيبة تكسر الحجر" وهي دلالة فطرية تلقائية على أثر "الكلمة" في بناء التواصل مع الآخر وإشاعة قيم التواد والتعايش، وكيف لها بالمقابل أن تكون مدخلًا للفتن والتباغض والأحقاد.
إذ كان لـ "كلمة" أن تشعل نزاعًا وكان لها أيضًا أن تخمد نارًا، كان لـ "كلمة" أن تقطع رحمًا وكان لها أن توصله، كان لـ "كلمة" أن تبني أمّة، وكان لها أن تهدمها، كان لـ "كلمة" أن تلمّع سمعة وكان لـ "كلمة" أن تلطّخها، وكم من "كلمة" علت بصاحبها وكم من "كلمة" هوت به. فلا تستهين بالكلمة ولا تستصغرنها مهما بلغت قوة علاقتك مع الطرف الآخر، فوحدها من تبقى راسخة في النفس ويبقى أثرها حيًا لا يموت.
وليس هناك ما هو أدلّ على تأثير "الكلمة" وقوتها في النفس من كتاب الله المحكم حين أرشد الله تعالى نبيه موسى وأخوه هارون أن يذهبا إلى فرعون ويجعلا من القول اللين والكلمة الطيبة عنوان الخطاب إليه ولغة التواصل معه، رغم ما به من عتو واستكبار "إذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولًا ليّنًا لعلّه يتذكر أو يخشى"، في وصفة اتصالية إلهية بأن الكلام اللين أوقع في النفوس وأبلغ أثرا، وأن "الكلمة" هي الأقدر على ملامسة الروح والعقل والقلب معًا.
ليس غريبًا إذًا أن تتعاظم أهمية "الكلمة" في فن "الإتصال والتواصل" لأنها وببساطة لغته وعموده الفقري، على فقراته تتراصف مداد الكلمات لتؤلف إيقاعًا يطرب له الآخر فتكون حصيلته الوصول إلى المبتغى وإصابة الهدف وإحداث الفارق.
لذلك كان "إثراء" اللغة وتغذية مخزونها بالمفردات لتبقى زاخرة، مع إلباسها الثوب الملائم للتعبير ومهارة النطق أولوية ومتطلبًا أساسيًا لمن يطمح لأن يكون كائنًا إجتماعيًا وإتصاليًا ناجحًا، قادرًا على بناء العلاقات مع الآخرين، والتأثير فيهم، ورسم تجربة حياتية وربما مهنية غنية وديناميكية.
الأمر ذاته ينساب حتى على الصعيد الوظيفي، وكيف يمكن لـ "الكلمة" أن تدفع بمستوى الإنتاجية حين تُلقى إلى نفس الآخر بإيجابية، فتعزز معنوياته، وتحفّز تفانيه، وتدفعه إلى الابتكار والذهاب بعيدًا في إبداعاته، وكيف يمكن لـ "الكلمة" في المقابل إذ ما غلّفتها السلبية أن تكبح جماح طموحه، وتخذل حماسته، وتقيّد اندفاعه وتفانيه، وتبعث الإحباط واليأس والجمود في ذهنه، فتحوله إلى مجرد أداة تنفيذ منزوعة من خاصية التدبير والتفكير!.
فلنجعل "الكلمة الطيبة" متلازمة العقل واللسان، منبتها القلب ومبتغاها القلب، متطابقة المقال والحال، فنغلّفها بحال الصدق لا النفاق أو التحايل والتدليس، دون أن نطوّعها للتلوّن ونحوّلها لقناع يخفي ورائه الخداع والاستغلال.
ولنعلم أن لسانك مرآة معدنك، وأن الأقوال تتممها وتصدّقها الأفعال، وأن الكلمات تتلقّفها الأعماق، وأن القول السيء مهما بلغ أشدّ إيلامًا وفتكًا من بطش اليد، وأن ندوبه تبقى غائرة في النفس والروح قد يغفو أثرها، فينشط تلقائيًا ويتردد صداه كلّما تهيأت الظروف أو انتعشت الذاكرة لجرح غائر لا يسعفه تراجع ولا يمحيه ندم ولا يتجاوزه زمن، فكم من كلمة قالت لصاحبها دعني!
فجودوا بالكلام الطيب ما استطعتم، واجعلوا منه غذاء السعادة والبهجة للآخرين وبوابة العبور إلى نفوسهم .. اجبروا الخواطر بالكلمة الطيبة، واشرحوا بها الصدور، وبددوا الأحزان، وأزيحوا الهموم، واشكروا الناس على معروفهم واعتذروا عن هفواتكم دون تردد، وصححوا أخطاءكم دون تأخر واجعلوا لها فعلًا معاكسًا قربانًا للمحبة.
انتقوا ألفاظكم بعناية، تفحّصوها – كما الجواهر - بعقولكم وكما تودوا سماعها، قلّبوا جوانبها ذات اليمين وذات الشمال، تأملوها عميقًا وتحققوا من معدنها ومعانيها ومآلاتها، قبل أن تلقوا بها من بين فكيكم ...
فكما قيل: "بين منطوق لم يقُصَد، ومقصود لم يُنطَق، تضيع الكثير من المحبة".




http://www.alriyadh.com/2021507]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]