المراسل الإخباري
07-10-2023, 03:01
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png كنتُ إلى عهدٍ قريب، أحد الرافضين لمسألة تفضيل شاعر أو كاتب على سائر الشعراء والكتاب تفضيلاً مطلقاً، وأرى أن لا جدوى من تفضيل أي مبدع نظراً لاختلاف أذواق المتلقين ونسبية الأحكام وقابليتها للتغيّر بمرور الزمن وباتساع دائرة اطلاع صاحب الحكم على تجارب المبدعين. ومما شجعني على الاستمرار في الرفض وكتابة عدد من المقالات عن قضية المفاضلة بين الشعراء، في الأدبين: الفصيح والعامي، وجود نقاد كبار، منهم القدماء كابن قتيبة، ومنهم المعاصرون كزكي مبارك يميلون إلى رفض تفضيل شاعر من الشعراء للأسباب السابقة ولأسباب أخرى غيرها.
والعامل الرئيس الذي ساهم في تخفيف حدّة موقفي من مسألة المفاضلة بين الشعراء، وجعلني أنظر إليها من زاوية أوسع، قراءة المقال الموجز والجميل (آراء قوية) للطبيب والأديب المبدع عدي الحربش، وهو مقال رائع مهّد لحديثه عن المفاضلة بقصة تصوّر طفلين (ولد وفتاة) يركضان في بهجة بحثاً عن "ملكة الأزهار"، فكان كل واحد منهما يشير بحماس إلى نوع من الأزهار قائلاً: "هذه"، ويعيدان ما فعلاه من دون الاستقرار على نوع تكون منه "ملكة الأزهار"، وقد اعترض على تصرفهما رجل يقف بالجوار خاطبهما بجدّية مفرطة: "ليس هناك ملكة في عالم الزهور.. وما الفائدة المتوقعة من تفضيل زهرة على زهرة"؟
بعد قراءة تلك القصة التي تضمّنها مقال الحربش تذكرت على الفور الخبر الذي أورده ابن قتيبة في الشعر والشعراء، واستشهدت به في كتابي (خرافات الشعر العربي)، وتحديداً في خرافة: أشعر شعراء العرب؛ للتأكيد على هشاشة الحكم بتفضيل شاعر معين. ويقول الخبر: "أُنشد مروان بن أبي حفصة لزُهير فقال: زُهير أشعر الناس، ثم أُنشد للأعشى فقال: بل هذا أشعر الناس، ثم أُنشد لامرئ القيس فكأنما سمع به غِناءً على شراب، فقال: امرؤ القيس والله أشعر الناس". فقد رأيتُ بأن هذا النص يدعم الرأي الذي أميل إليه، وأن أحكام ابن أبي حفصة مثال بالغ الوضوح على أحكام التفضيل التي سرعان ما يتخلى عنها صاحبها ويستبدلها بغيرها، ولكن ربط هذا النص بقصة الطفلين جعلني أتخيل أن مروان هو الطفل نفسه بعد أن كبُر واستمر في ممارسة لعبة التفضيل التي أحبها منذ صغره. وقد نبّه الحربش بحسّه النقدي المرهف إلى أن غاية نقاد العرب القدامى كأبي عبيدة أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وغيرهم حين يستخدمون عبارات على غرار: "فلان أشعر المضريين"، أو "فلان أبرع الجاهليين" هي "فتح باب القول" للخوض في حديث ممتع عن الشعر والشعراء، وذكر أنه يتعمّد ممارسة هذا اللعبة النقدية مع أصدقائه، وتكون النتيجة الدائمة الدخول في "نقاش طويل ممتع" لا تكون فيه عبارة التفضيل "مقصودة لذاتها وإنما هي عذر لفتح باب القول".
إذن فاستعمال عبارة تفضيل شاعر محدد على شاعر آخر، أو على جميع الشعراء، هو المفتاح الذي يشرع الباب على مصراعيه لبدء حوارات أدبية ممتعة ومفيدة تبدد الصمت والجمود في ساحة النقد، وتخلق حراكاً نقدياً يشجع على العودة إلى تجارب الشعراء والتمعن فيها واكتشاف جمالياتها.
http://www.alriyadh.com/2021632]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
والعامل الرئيس الذي ساهم في تخفيف حدّة موقفي من مسألة المفاضلة بين الشعراء، وجعلني أنظر إليها من زاوية أوسع، قراءة المقال الموجز والجميل (آراء قوية) للطبيب والأديب المبدع عدي الحربش، وهو مقال رائع مهّد لحديثه عن المفاضلة بقصة تصوّر طفلين (ولد وفتاة) يركضان في بهجة بحثاً عن "ملكة الأزهار"، فكان كل واحد منهما يشير بحماس إلى نوع من الأزهار قائلاً: "هذه"، ويعيدان ما فعلاه من دون الاستقرار على نوع تكون منه "ملكة الأزهار"، وقد اعترض على تصرفهما رجل يقف بالجوار خاطبهما بجدّية مفرطة: "ليس هناك ملكة في عالم الزهور.. وما الفائدة المتوقعة من تفضيل زهرة على زهرة"؟
بعد قراءة تلك القصة التي تضمّنها مقال الحربش تذكرت على الفور الخبر الذي أورده ابن قتيبة في الشعر والشعراء، واستشهدت به في كتابي (خرافات الشعر العربي)، وتحديداً في خرافة: أشعر شعراء العرب؛ للتأكيد على هشاشة الحكم بتفضيل شاعر معين. ويقول الخبر: "أُنشد مروان بن أبي حفصة لزُهير فقال: زُهير أشعر الناس، ثم أُنشد للأعشى فقال: بل هذا أشعر الناس، ثم أُنشد لامرئ القيس فكأنما سمع به غِناءً على شراب، فقال: امرؤ القيس والله أشعر الناس". فقد رأيتُ بأن هذا النص يدعم الرأي الذي أميل إليه، وأن أحكام ابن أبي حفصة مثال بالغ الوضوح على أحكام التفضيل التي سرعان ما يتخلى عنها صاحبها ويستبدلها بغيرها، ولكن ربط هذا النص بقصة الطفلين جعلني أتخيل أن مروان هو الطفل نفسه بعد أن كبُر واستمر في ممارسة لعبة التفضيل التي أحبها منذ صغره. وقد نبّه الحربش بحسّه النقدي المرهف إلى أن غاية نقاد العرب القدامى كأبي عبيدة أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وغيرهم حين يستخدمون عبارات على غرار: "فلان أشعر المضريين"، أو "فلان أبرع الجاهليين" هي "فتح باب القول" للخوض في حديث ممتع عن الشعر والشعراء، وذكر أنه يتعمّد ممارسة هذا اللعبة النقدية مع أصدقائه، وتكون النتيجة الدائمة الدخول في "نقاش طويل ممتع" لا تكون فيه عبارة التفضيل "مقصودة لذاتها وإنما هي عذر لفتح باب القول".
إذن فاستعمال عبارة تفضيل شاعر محدد على شاعر آخر، أو على جميع الشعراء، هو المفتاح الذي يشرع الباب على مصراعيه لبدء حوارات أدبية ممتعة ومفيدة تبدد الصمت والجمود في ساحة النقد، وتخلق حراكاً نقدياً يشجع على العودة إلى تجارب الشعراء والتمعن فيها واكتشاف جمالياتها.
http://www.alriyadh.com/2021632]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]