المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوضى والعُنف بين التبرير والتجريم



المراسل الإخباري
07-12-2023, 03:24
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
ترى دول الغرب في دعوات الفوضى والاضطرابات وممارسة العنف وإثارة الشغب الشعبي والفتنة الداخلية في المجتمعات الأخرى أمراً إيجابياً ومسألة ترتبط بحقوق الإنسان وتستحق الدعم والتأييد والمساندة على جميع المستويات الدولية، بينما جميع هذه المسائل تعتبر إرهاباً وتطرفاً وخروجاً على النظام عندما تحدث على أراضيها..
الفوضى، العنف، الاختلال، الاضطراب، الشَغَب، التوتر، الفتنة، الأزمة، زعزعة الاستقرار، غياب الأمن، الصراع الاجتماعي، فقدان النِّظام، فقدان التنظيم، جميعها صفات وسمات سلبية في معانيها وأهدافها وغاياتها النهائية، وهذه السلبية الناتجة عن تلك المصطلحات بمعانيها وصفاتها وسماتها المختلفة تتصاعد في درجاتها لتعبر صراحةً عن حالة من التطرف الفكري، والسلوك العنصري، والممارسة الإرهابية، المدمرة للدول والنظم السياسية المعتدلة، والمخربة للمجتمعات الآمنة والمستقرة، فإذا كانت هذه السلبيات ظاهرة وواضحة وجلية سواءً بمعانيها وأهدافها وغاياتها النهائية، وإذا كانت هذه السلبيات العظيمة جَهَّلَت شعوباً كانت متعلمة ومتحضرة، وفتت مجتمعات كانت متماسكة ومسالمة، وأسقطت نظماً كانت منتجة وبناءة، ودمرت دولاً كانت متطورة ومتقدمة، فحتماً ستقف جميع الشعوب والمجتمعات والنظم والدول صفاً واحداً ضد هذه السلبيات التي عبرت عنها المصطلحات والصفات والسمات المسببة للدمار والخراب. فإذا افترضنا هذا الافتراض البناء المؤدي لإيجابيات عظيمة نتيجة لوقوف المُجتمع الدولي صفاً واحداً ضد الفوضى والعُنف وما ينتج عنها من سلبيات عظيمة، فإننا نفترض أيضاً أن هذا المجتمع الدولي سيكون مثالاً للتعاون البناء والإيجابي الذي يحقق للشعوب والمجتمعات والدول سيادة النظام وتحقق الأمن والأمان والسلام والاستقرار والاطمئنان والهدوء والراحة والسكينة، فإذا كانت هذه هي الافتراضات، فهل يمكن إثباتها بالاختبار على أرض الواقع، أم أنها افتراضات أقرب للأمنيات منها للحقيقة القائمة؟
إن الذي يُجيب عن هذا التساؤل المُركب والمُعقد هو واقع المُجتمع الدولي بأحداثه المتراكمة ووقائعه التاريخية المتتالية سواءً في الماضي البعيد أو في العصور الحديثة أو في وقتنا الحاضر. نعم، إن واقع المُجتمع الدولي بسلوكياته وممارساته المُتعاقبة على مدى التاريخ البعيد والمتوسط والقريب يخبرنا صراحةً أن الكثير من السلبيات سببها السياسات المتخذة من المجتمعات والدول تجاه بعضها البعض، وأن الكثير من حالات الفوضى والعنف في المجتمعات وبين الدول سببها التدخلات الخارجية وتجاوز الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية، وأن الكثير من النزاعات والحروب المدمرة سببها الأطماع الاستعمارية والتوسعات العسكرية وسرقة ثروات وخيرات الشعوب المستعمرة، وأن الكثير من الصراعات الداخلية والحروب الأهلية سببها التدخلات السلبية في الشؤون الداخلية للمجتمعات والدول لزرع الفتنة وتفريق الصفوف الداخلية، وذلك بدعم الصراعات السياسية والحزبية والطائفية والدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية والفئوية وغيرها من عوامل تخرب تلك المجتمعات وتسقط أنظمتها السياسية وتدمر مستقبل الدول، فإذا كان ذلك الحال الصعب والقاسي بكل سلبياته هو واقع المجتمع الدولي في الماضي البعيد والقريب والحاضر، فإننا نجد أنفسنا أمام واقع يفرض علينا عدم الأخذ بالافتراض أو الافتراضات القائلة إن المجتمع الدولي متفق تماماً على محاربة الفوضى والعنف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمجتمعات والدول، وبأنه يسعى لتعزيز حالة الأمن والأمان والاطمئنان في جميع المجتمعات والدول. فإذا كانت هذه هي النتيجة القائمة بسلبياتها المتعددة التي أثبتها حال المجتمع الدولي في مراحله التاريخية المختلفة، فهل يمكن تأكيدها في وقتنا الحاضر؟ بمعنى آخر، كيف يمكننا القول إن واقع المجتمع الدولي متناقض بين ما يقوله ويدعو إليه، وبين ما يمارسه ويقوم به على أرض الواقع؟
إن الذي يدعونا لطرح هذه التساؤلات هو حال وواقع المجتمع الدولي في وقتنا الراهن حيث نرى التناقض صريحاً ومباشراً وظاهراً في السياسات التي تتخذها المجتمعات والدول، خاصة القوى الرئيسية في المجتمع الغربي تجاه المجتمعات والدول البعيدة عنها جغرافياً وسياسياً ودينياً وعرقياً ومذهبياً وحضارياً. نعم، هكذا هو حال المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر حيث التصنيف للسلبيات والايجابيات يختلف باختلاف الأوقات والأماكن والأقاليم والأديان والعرقيات وألوان الشعوب، وحيث المواقف السياسية تختلف باختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية، وحيث المواقف الاقتصادية والتنموية والمساعدات المادية والتنموية تختلف باختلاف المصالح والمنافع المكتسبة والمنتظرة. نعم، هكذا هو حال المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر حيث ترى دول الغرب في الخروج على النظام والقانون والدعوة لإسقاط النظم السياسية في المجتمعات الأخرى أمرا إيجابيا ومسألة قانونية ومشروعة وتستحق الدعم والمساندة والتأييد، أما عندما تحدث هذه المسائل على أراضيها فإنها تعتبرها سلبيات عظيمة تستحق المواجهة القوية والتصدي الصلب. وهكذا هو حال المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر حيث ترى دول الغرب في دعوات الفوضى والاضطرابات وممارسة العنف وإثارة الشغب الشعبي والفتنة الداخلية في المجتمعات الأخرى أمرا إيجابيا ومسألة ترتبط بحقوق الإنسان وتستحق الدعم والتأييد والمساندة على جميع المستويات الدولية، بينما جميع هذه المسائل تعتبر إرهاباً وتطرفاً وخروجاً على النظام عندما تحدث على أراضيها وفي مجتمعاتها الغربية. وهكذا هو حال المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر حيث ترى دول الغرب في دعوات الصراع الاجتماعي وزعزعة الأمن واختلاق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتصعيد حالة التوتر والخلل داخل المجتمعات الأخرى أمرا إيجابيا ومسألة تعبر عن مطالب وحريات وحقوق الأفراد والجماعات وتستحق الدعم والتأييد والمساندة على جميع المستويات الدولية والأممية، بينما جميع هذا المسائل تعتبر تجاوزا للأنظمة والقوانين المعتمدة التي يجب احترامها وطاعتها ومحاسبة ومحاكمة من يقف وراءها أو يدعمها أو يؤيدها. نعم، هكذا هو حال المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر حيث ترى القوى الدولية المؤثرة في المجتمع الغربي أن من حقها اتخاذ السياسات والسلوكيات والممارسات التي تخدمها داخلياً وخارجياً وتجاه أي مجتمع من المجتمعات، بينما تُحرم ذلك كله على المجتمعات الأخرى لتصفها بالمجتمعات المتأخرة؛ وترى أن من حقها أن تستخدم قوتها الأمنية والعسكرية داخلياً وخارجياً متى شاءت وأينما أرادت لخدمة مصالحها وتوجهاتها وأيديولوجيتها، بينما تُحرمها على المجتمعات الأخرى لتصفها بالمجتمعات غير المتحضرة؛ وترى أن من حقها أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لإثارة الفوضى وتشجيع الخروج على النظام ودعم وتأييد الأحزاب والتيارات التابعة لها فكرياً وأيديولوجياً وسياسياً، بينما تحرمها على المجتمعات الأخرى لتصفها بالمجتمعات المُتخلفة.
نعم، هكذا هو حال القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، خاصة المجتمعات والدول الغربية، حيث التناقض في المواقف والسياسات والمبادئ والقيم أصبح أصلاً من الأصول حيث لا قيم راسخة يمكن الاعتماد عليها، ولا مبادئ أصيلة يمكن الاستناد إليها، وإنما المصالح هي الأصل للتبرير أو للتجريم.
وفي الختام من الأهمية القول إن الأحداث السياسية السلبية التي تمر بها وتعاني منها بعض المجتمعات الغربية تعبر صراحةً عن تناقض عظيم في القيم التي تقوم عليها تلك المجتمعات الغربية، خاصة عندما بررت لنفسها استخدام القوة والعنف تجاه مواطنيها لفرض النِّظام والقانون ووقف الفوضى، بينما تُجرم ذلك السلوك في المجتمعات الأخرى المختلفة عنها عرقياً ودينياً وحضارياً وثقافياً. نعم، إن حالة التناقضات العظيمة التي يعيشها المجتمع الدولي، خاصة القوى الغربية والاستعمارية بسبب غياب القيم الراسخة والمبادئ الأصيلة التي تبرر للفوضى والعنف وزعزعة الأمن والاستقرار تسببت بتشريد عشرات الملايين من الشعوب الآمنة والمطمئنة، وتفتيت الكثير من المجتمعات المسالمة، وتدمير الكثير من الدول المستقرة.




http://www.alriyadh.com/2021985]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]