تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كُن عابراً لطيفاً



المراسل الإخباري
08-08-2023, 12:58
http://www.alriyadh.com/media/thumb/f2/ea/800_ae11c48107.jpg يقول الشاعر والكاتب جبران خليل جبران؛ أحد رواد النهضة في المنطقة العربية، ومن كبار الأدباءِ الرمزيين: "ما بين سوء الفهم، وسوء التصرف وسوء الظن، تلاشت أعمق العلاقات، وظلم أنقى الأشخاص". ومضمون هذا القول حقيقة لا تغيب على أحد، وواقع معاش قل من لا يعيشُه.
ومن أقواله أيضاً: "من حسنات الناس أنّهم لا يستطيعون إخفاء سيئاتهم طويلًا".
وهذهِ لطيفة من ألطاف الله على خلقه، وأيضاً صورة مألوفة تترجمها عوارض الأيام وخفايا الليالي.
لا أدري إلى أين يقودني القلم، فكثيراً ما تتيه الأفكار وتتشتت المعاني، وأحياناً تولد الفكرة في غضون دقيقة وبضع ثوانٍ، إلا أنّ ذلك يسهل في آنٍ ويستعصي في آخر. لكنني الآن أميل إلى سبر أغوار تلك الغيمة التي تسبح في قلبِ السماء، لأدون بعض الهمساتِ التي تشرق منها، وتفضي إلي بأسرارها التي ترقبها عن بني البشر، إذ لا يتاح للإنسان كثيراً السباحة معها أو محادثتُها، أو رسمها بريشته، فتقول:
"يمتلكُ البسطاء أرواحاً نادرة جداً، ربما تجدهم في مظهر لا يفشي عن جوهر نادر ومحتوى واسع الإدراك والمعرفة، وسلوك راقٍ لا يلفت نظرك من الوهلة الأولى، ناهيك عن أنهم ينعمون بهدوء النفس وراحة البال التي لم يعد لها في الوجود وجود؛ لأنهم يمتلكون كنز القناعة ومفتاح الرضا.
فقلتُ لها أعي ذلك جيدًا، فما الجديد؟؛ فأشارت لي بالصمت.. لتكمل:
"على الجانبِ الآخر، تجد كثيرًا من المترفين الذين يرفلون في زحامٍ من النِّعم، تبدو ظواهرُهُم براقةً لافتة، إلا أنهم يعانُون خواءَ الجوهرِ وفراغَ العقلِ وقلةَ الإدراكِ، وربما سواد القلب، كما أنَّ سلوكياتِهم تنبئُ عن سوء تقدير للعلاقات والمواقف".
فإذا بي لوني يتغير، وتظهر علي علامات الأسى، فرفعت يدي بأنَّ هذا يكفي اليوم..
لم أكن أعلمُ أننا مراقبون من العالم العلويِّ بكل تفاصيله، ولم يَدُرْ بخَلَدِي يومًا أن منبعَ الإلهامِ والشاعرية، يكون هو عينُه منبعَ أليمِ الذكريات، إذ إنه من بين السطور التي ترتسم على سويداء القلب، ساعات الصفاء والمودة التي جمعتنا برفاقٍ لنا، خِلنَاهُم صفْوةَ الأخلَّاءِ، وجادتْ أرواحُنا عليهِم بسَيْلٍ من أمْوَاج الحُبِّ والمودَّة، وسكنُوا أرواحَنا قبل قُلوبِنا، وبَنَوا لأنْفُسِهِم قُصُورًا من القربِ والإخَاء والحُبِّ..
ودونَ سَابقِ إنْذَارٍ، سَكنَتْ سِهَامُ غدْرِهِم صُدُورَنَا، ونالَ سُوءُ صَنِيعِهِم من أرواحِنا، وبدَّدَ سوادُ قُلوبِهم بِيضَ ليَالِينا..
وربيعُ العُمْرِ لا يمضِي بنا على وتيرة واحدة، فهناك صفحاتٌ تلوَّنت بأزماتِ المواقف، وثمة أوراق تخضَّبتْ بألوانِ قلوبِ البشر، أدمَتْ بقسوتِها ملامح الروح، فلا يستطيعُ ماءُ زمزمَ أن يبرئ ما أخذته منها، ولا يمحو ما تركته منقوشًا في جوهرِها.
لذا نلوذُ بالصمتِ رغم دواوين الكلامِ التي تئن، وتريد الخروج إلى النور لتطرقَ الآذان والمسامع.
إلا أن عزاءنا أنه لا يوجد ما يستحقُّ الندم، سوى الدقائق التي سُرِقت منا في هذا الندم، ويأتي النسيانُ نعمةً عظيمة، ليكتسحَ كلَّ غبارِ تلكَ المواقف التي ترسَّبت على جُدرانِ الأيام، ويعيدُها برّاقةً شفافةً كما كانت، وما النسيانُ إلا محوُ صفحةٍ من كتابِ العمر، ورسمُها من جديدٍ تحتَ ضوءِ القمَر.
نحنُ جميعًا نعلمُ أنَّ الأيامَ دُوَل، ولن يستطيعَ كائنٌ من كان أن تكونَ له الإرادةُ التامةُ في نقل اسمِه من سجلِّ الأيام، وتدوينِه في كيانٍ آخر.
لذَا عليكَ أيَّها العابرُ أن تعيَ قولي وتتدبَّرَ الأمر، ولتبحثْ عنْ أملِكَ المنشودِ. وظلِّك البشرِيِّ الذي تفتقدُهُ روحُك. ويأنسُ به قلبُك. كنْ كمَا قال جُبران: "كنْ عابرًا لطِيفًا، إنْ لمْ تنفعْ فلا تضُر".




http://www.alriyadh.com/2026428]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]