تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الولوع بالتشويش



المراسل الإخباري
08-24-2023, 16:00
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
الثغرات التي يُؤتى منها الـمُولعُ بالتشويش أنه يحتكر لنفسه الفهم الصائب، وينطلق من قاعدةٍ فاسدةٍ مفادها أن كل من لم يشاركه القناعة والأسلوب فلا بد أنه مخطئ، وهذا خطأ فادح، لا سيما إذا تفاقم حتى وصل إلى درجة أنه يتصور أن الناس من حوله في عمايةٍ من أمرهم..
يحتاج الإنسان إلى التشمير والجدِّ في أعماله الدنيوية والأخروية، وتَحكُمُهُ فيما يأتي من ذلك وما يذر أوامرُ ونواهٍ شرعية يجب عليه الوقوف عند حدودها، وبالانقياد لها فعلاً وتركاً تتحقق المصالح وتندفع المفاسد، كما تضبطُهُ أنظمةٌ وقوانينُ تُنظِّمُ أعمال الناس، وتُسيِّرُ أحوالهم على حسب ما يقتضيه التعايش، وللإنسان الجادِّ في تحصيل المنافع مساحةٌ واسعةٌ جداً داخل دائرة المسموح به والممكن شرعاً ونظاماً وعرفاً، ويُمكنه أن يجرِّب مهارته في الإبداع والابتكار والريادة ما لم يخرج من تلك الدائرة، ومن شمَّرَ ساعده للعمل والإنجاز استحق التشجيع والتحفيز، وينبغي على من حوله أن يُحسن به الظن وأن ينظر إليه نظرةَ إنصافٍ، فيستحسن الجانب الإيجابي منه، ولا يُشوِّش عليه بما لا بد منه من التقصير والخلل، هذا هو التصرف السليم النابع عن حبِّ الخير للعامة والخاصة، وأدنى الأحوال أن يتركه وشأنه، ويكفَّ عنه لسانه فلا يتناوله بتأييدٍ ولا تهوينٍ، وليس وراء هذا إلا التصرف السلبي الخطير المتمثل في الولوع بالتشويش عليه، ومحاولة عرقلته بأساليب ظاهرها الحرص على التقويم، وباطنها تبييت الهدم والتقويض، ولي مع الولوع بالتشويش وقفات:
الأولى: من الثغرات التي يُؤتى منها الـمُولعُ بالتشويش أنه يحتكر لنفسه الفهم الصائب، وينطلق من قاعدةٍ فاسدةٍ مفادها أن كل من لم يشاركه القناعة والأسلوب فلا بد أنه مخطئ، وهذا خطأ فادح، لا سيما إذا تفاقم حتى وصل إلى درجة أنه يتصور أن الناس من حوله في عمايةٍ من أمرهم، وهو صاحب الرأي السديد، فينشأ له عن ذلك غرورٌ وتعالٍ واحتقارٌ لغيره من الناس ورؤية الفضل لنفسه عليهم، ولا أساس لكل هذا إلا الوهم المحض، وأخطر أنواعه أن يمارسه الإنسان ضد المجتمعات والأمم والدول، بل وضد التاريخ الضارب بجذوره في عمق الثبوت والأصالة، فبعض المولعين بالتشويش لا تَشبَعُ نهمته الجامحة بمجرد التشويش على فلانٍ وفلانٍ، بل تمتد إلى محاولة التشويش العام وإثارة البلبلة في الشؤون العليا الموكولة إلى أهل الحل والعقد، وفي القضايا الدينية المتقررة، وقيم المجتمعات الراسخة، وعلى المسلم أن يحذر من الانخراط في هذا المنحى، فما هو إلا علامةٌ على هلاك من انتهجه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" أخرجه مسلم، وهذا الهلاك هو الذي يحيق برؤوس الفرق والأهواء وقادة التحزبات المدمرة.
الثانية: جميع الأساليب السائغة للتصويب والتقويم مباينة تماماً لأسلوب الـمُولع بالتشويش، وهذا التباين واضحٌ في كيفية المعالجة وأساليبها ووسائلها ومنطلقها؛ فمن الطبيعي أن تختلف الثمرة المترتبة على كلٍّ منها، فالتصويبُ محكومٌ بالعقل والشرع والنظام والعرف، منظورٌ به وقت الحاجة، فإن رأى الـمُصوِّب أن أخاه الجادَّ تدعو الحاجة إلى تصويب مساره في عمله أو تعلمه أو في أي نشاطٍ من أنشطته، ولم يلزم من تصويبه إشكالٌ أرجح من المصلحة أتى من التصويب بالقدر المطلوب على الوجه المطلوب، ومن منطلق حرصه على أن يُتِمَّ المصوَّب له مسيرته بتفادي الخلل الحاصل؛ ولهذا لا يلجأ إلى النقد إلا مضطراً وبالقدر المحقق للغرض فقط، كما يضطر إلى اللجوء إلى تناول العلاج بقدره النافع، وأيضاً الـمُصوِّبُ لأخيه من شأنه أن تسمعه يستحسن الجوانب الحسنة من عمل أخيه، ويُثني عليه خيراً فيما أتقنه، والـمُشوِّشُ بخلاف ذلك؛ إذْ لم ينطلق من هدفٍ صحيحٍ أصلاً، ولو اُفترض أنه رأى إساءةً مرجوحةً مغمورةً فهو يجهد لكي يجعلها تطفو على السطح، ثم إذا بدأ بعلاجها حسب زعمه بالغ في صنيعه، فيجلب الضرر.
الثالثة: يجمع الـمُشوِّشُ بين خصالٍ مذمومةٍ شرعاً وعرفاً، منها الكذب والرياء والغش والجبن والحسد الكامن، فهو يتظاهر بأنه يتكلم ليُصلح، لكن واقعه أنه يضع الحواجز والأشواك في طريق الناجحين، وليس له من الشجاعة ما يُجرِّئهُ على أن يُفصح عن نيته جهاراً، فلا يجرؤ على أن يُظهر ما بداخله من الحسد والغيرة المذمومة، ولا تطاوعه نفسه على أن يُواجه الناجح بالخصومة الواضحة، فيوهمه أنه يريد له الصلاح وتصحيح المسيرة، ويدسُّ له سمَّ الغشِّ في عسل النصائح المغشوشة، وحسبك من سوء هذه الفعلة الجامعة لهذه الخصال، ومن الخصال السيئة التي يتصف بها الـمُشوِّشُ ضيق الأفق وسطحية التفكير، فهو يظن بنظره القاصر أن حظوظ غيره إنما وجدت على حساب حظه، فإذا تعثروا انتعش حظه وتحسنت حاله، ولو اهتدى إلى الصواب لأدرك أن نجاح معارفه وأقاربه مظنةُ أن يجلب له الخير، وأن نجاح الفرد لبنة الأساس لنجاح المجتمع، ومن حرص على مصلحة مجتمعه حرص على مصالح أفراده.




http://www.alriyadh.com/2028937]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]