تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاِبتِسَامَةُ مَوضُوعاً أَدَبِيِّاً



المراسل الإخباري
08-26-2023, 10:14
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png الابتسامةُ عنوانٌ جميل في الحياة، يصحّ أن تكون شعاراً وإطاراً، أو بروازاً وطرازاً، إنها الحل الأجمل، والأمثل، والأفضل، لمن فقد كل الحلول، ولولا فضل الابتسامة، ومفعولها الناجع، وأثرها النافع، لما حثَّت عليها الأعراف الجميلة، والأخلاق الطيبة، والخصال الحميدة، بل لقد جاء ذكرها في القرآن الكريم، في قوله تعالى: «فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ».
وقد نظر ديننا الحنيف إلى الابتسامة بوصفها باباً يفضي إلى الصدقة؛ ولهذا جاءت الإشارة إليها، والحضّ عليها، في الحديث النبوي الشريف، ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: «وتبسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة»، وفي حديث آخرَ حَسنٍ، أخرجه مسلم باختلاف يسير: «قلتُ لجابر بن سمرة رضي الله عنه: أكنتَ تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه ربما يتناشدون الشعر في المسجد، وذكروا أمورهم في الجاهلية وهم يضحكون، وربما ابتَسَمَ معهم».
ولقد أبدع الشعراء والناثرون منذ القديم في ذكر الابتسامة، وما تفعله من اتصال فعّال مع الآخر، ولو رمنا إحصاء النماذج الأدبية الدالة على ذلك لعزّ علينا الأمر، وطال بنا السير، لكننا نشير إليها، وننبه عليها؛ لنبيّن كيف أنها أصبحت معادلاً موضوعياً، فالمتنبي - مثلاً - الذي هو (شاعر العربية) تفنّن في توظيف الابتسامة توظيفاً مختلفاً، فرأى أن قليلها قد يفعل مالا يفعله غيرها، فمن ذلك قوله: «أَدنى ابتِسامٍ مِنكَ تَحيا القَرائِحُ // وَتَقوى مِنَ الجِسمِ الضَعيفِ الجَوارِحُ»، وهو الذي يقول: «وَلمّا صَارَ وُدّ النّاسِ خِبًّا // جَزَيْتُ على ابْتِسامٍ بابْتِسَامِ»، والابتسامة عند شعراء العرب، وكتّابهم، أكثر من أن تحصى، وهي عند المتنبي لوحده معادل موضوعي يستحق أن يفرد بالوقوف والتأمل.
وكان للأدباء غير العرب عنايتهم بموضوع الابتسامة، فهذا الأديب الفرنسي (فولتير) يقول: «الابتسامة تذيب الجليد، وتنشر الارتياح، وتبلسم الجراح، إنها مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية»، ويقول الأديب الإنجليزي (وليم شكسبير): «أن تشقّ طريقاً بالابتسام، خير من أن تشقّها بالسيف»، ويقول الأديب الفرنسي (جان دي لا برويير): «ليكن وجهك بسّاماً، وكلامك ليّناً، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة»، وتقول الحكمة التايلاندية: «الابتسامة طريقك الأقصر إلى قلوب الآخرين»، وتقول الحكمة الهندية: «لتكن البسمة على وجوهنا؛ كيما نزرع الفرح في قلوب الآخرين»؛ وقد رأى أحدهم (جيسل) أن «الابتسامة واجب اجتماعي»، واستعراض ما قيل في الابتسامة عند غير العرب يطول.
ولو تأملنا في أدبنا العربي الحديث لوجدنا عند مصطفى صادق الرافعي – مثلاً – عالماً زاخراً بالابتسامات، وهو ما يشير إلى تفاؤل هذا الأديب، وجمال روحه الأدبية التي تشعر بكل ما حولها، انظر إليه في كثير من مؤلفاته كيف ينقل لنا الابتسامات اللطاف هنا وهناك، يقول في (السحاب الأحمر) مثلاً: «وتبسم بوجهها كله نوعاً من الابتسام..»، وفي (أوراق الورد) وضع (رسالة الابتسامة)، يقول من ضمنها: «لا يمكن القلب أن يعانق القلب، ولكنهما يتوسلان إلى ذلك بنظرة تعانق نظرة، وابتسامة تضم ابتسامة»، وفي (حديث القمر) نصوص باسمة كثيرة، كقوله: «بل ألقى عليَّ ابتسامة في نظرة ضاحكة تشابه الابتسام، كأن إحداهما أخت الثانية..»، وحضور الابتسامة في أدب الرافعي من الوفرة بحيث لا يمكن استقصاؤه.




http://www.alriyadh.com/2029304]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]