المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حُزْنُ الشَّجَرِ



المراسل الإخباري
09-16-2023, 19:29
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png ذاتَ يومٍ وجدتُ شجرتي مخضّرةً مورقة، كانت بهيّة الطلعة، ممشوقة العُود، لكنني حينما عدتُ إليها بعد أيام قليلة، ألفيتها مطرقةً، شاحبةً، كأن الحزن يعتصرها، والألم يعتورها، فتأثرتُ لحالها، وفكّرتُ في رثائها، وقلتُ في نفسي: هل يحزن الشجر؟ ثم تذكّرت أن الأدب تعبير إنساني عن الكون، والحياة، ومظاهر الطبيعة؟! ألم يرثي الشعراء الحيوان، والطير؟! ألم يحزن الشعراء على ما هو أبعد من الكائنات الحية؟ ألم يبكوا على الأطلال، والأماكن، والجمادات؟! إذن فالبكاء على الشجر، أو الحزن عليه، قد يكون داخلاً في هذا المسلك، وإن كان رثاء النبات في الأدب قليلاً -في ظني- إذا قيس بغيره.
ولأن في الأدب العربي رقّة؛ فهو لم يغفل الاهتمام بالنبات، سواء في جانبه العاطفي البهيج، الذي يطرب للأشجار، وحركتها، وخفتها، ونضارتها، وألوانها، وعبيرها، أو في جانبه العاطفي الحزين الذي يتطرّق لمعاناتها، ولوعتها، وحزنها؛ وقد قالت الشاعرة قديماً: «أيا شجر الخابور مالك مورقاً؟ / كأنكَ لم تجزع ...»، والخابور: نهر في الجزيرة الفراتية، وقولها: مالك مُورِقاً: توبيخ للشجر لأنه أورق، وكأن الأولى به أن يحزن مع حزن الشاعرة، وهذا الأسلوب عند البلاغيين يُعرف بـ(تجاهل العارف)؛ لأن الشاعرة تعلم أنّ الشجر لم يجزع، ولكنها تجاهلت، فاستعملت الأداة (كأنّ) الدالة على الشك والظن، وفي هذا دليل على أن الشعر كان ينظر إلى الشجر نظرة إنسانية، وكأنه يحزن مثل حزن الإنسان.
وعندما ننتقل إلى الأدب العربي الحديث، ونتوغل كثيراً في أدبنا المعاصر، نجد إحساساً حزيناً من قبل بعض الأدباء نحو الشجر، وفي أدبنا السعودي نماذج تستحق الوقوف والتأمل، فعلى الصعيد الشعري يطالعنا الشاعر السعودي محمد الثبيتي (2011م) في ديوانه (قراءات لأحزان شجرة)، حيث يقول: «كفكفي وجع الريح / يا هودجاً أمويّاً / تغادره الشمسُ / مغسولةً بالريح وماءِ المطر»، ويقول في قراءة أخرى: «يا خضراء / يا مدجّجة بالسراب والعشقِ ../ يا ظلاً نابتاً على شرفات زمنٍ / مغلق .. / وبين أغصانكِ المعقّرة بالمسك / تتعثر أعراس البلابل ..», ويقول أيضاً في قراءة أخرى مصرّحاً بالحزن: «حين أقرأ حزنكِ / أفتح نافذةً على السماء / وأعبر أحداق مدينة..».
وعلى الصعيد السردي القصصي، يطالعنا القاص جار الله الحميد (2022م) في مجموعته القصصية (أحزان عشبة برية) بشيء من حزن الشجر، يقول مثلاً في خضم قصته: «الأعشاب الخضراء دليل على قوة الحياة، وعلى البركة، ولكن بعضها كان يابساً، لا بد من ذلك، فالحياة كما تعلم، فيها أخضر ويابس، وحامض ومرّ، ووردي وقاتم (...) لكن قل لي: ما معنى العشبة البرية التي رأيتها تبكي؟».
إن حزن الشجر ليس أمراً غريباً، ولهذا نراه حتى في الدروس التربوية التي يتعلمها أبناؤنا الصغار، ففي الفصل الثالث من كتاب (لغتي) للصف الأول الابتدائي، يكشف الدرس الثالث من الوحدة الثامنة عن نصٍّ بعنوان (الشجرة الحزينة)، على هذا النحو: «في يوم العيد السعيد تجمّع الأطفال في الحديقة يلعبون. وبينما كانت العصافير تطير فرحة، لاحظ أحد العصافير أن الشجرة تبكي، فقال: لماذا تبكين في يوم العيد؟ قالت الشجرة: جميعكم تلعبون، وأنا لا أستطيع الحركة. فكّر العصفور في طريقةٍ يُسعد بها الشجرة. نادى العصفور أصدقاءه، وأخذتِ العصافير تتراقص فوق الشجرة حتى تحرّكت أغصانها. فرحت الشجرةُ وقالت: شكراً لك أيها العصفورُ اللطيف».




http://www.alriyadh.com/2032943]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]