تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كل الناس ضحايا



المراسل الإخباري
10-05-2023, 03:20
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
جرائم الاحتيال المالي تصل فاتورتها إلى 5 % من حجم التجارة العالمية، وتوجد شركات تقوم بها من خارج المملكة، وتوظف لأجلها واجهات وطنية «مفبركة»، كالشركات الاستثمارية السعودية، المسجلة والمدرجة في السوق المالية، ما يجعل الشخص يثق فيما يعرض عليه، وكل شخص مرشح لأن يدخل في قائمة الضحايا، بصرف النظر عن ذكائه ومؤهلاته وخبرته الاقتصادية..
في الأول من أكتوبر الجاري أعلنت النيابة العامة السعودية خبراً مهماً، جاء فيه أنها أوقفت سبعة سعوديين، بينهم محامون قاموا بالاحتيال المالي والتزوير وغسل الأموال وجرائم معلوماتية، وكل هؤلاء ارتكبوا جرائمهم ضد مواطنين من كبار السن، وقد وظفوا في تجاوزاتهم حبكات درامية تعطيها طابعاً نظامياً، واستطاعوا عن طريقها الاستيلاء على أموال ضخمة من الرجل المسن، تقدر قيمتها بأكثر من ستة ملايين ومئة وثلاثة وثلاثين ألف دولار، وكشفت دراسة أجرتها جامعة نايف العربية بالتعاون مع الإنتربول عام 2021، أن إجمالي الزيارات العربية لمواقع الاحتيال المالي تصل إلى أكثر من مئة وسبعة وثلاثين ألفا في اليوم الواحد، ما يعني أنها ستكون أربعة ملايين ومئة وعشرة آلاف في الشهر، وحوالي 49 مليونا 320 ألفا في العام، وهو رقم غير مريح بطبيعة الحال، لأنه يفيد أن المبالغ المتحصل عليها من وراء هذه الزيارات عالية جداً، فلو افترضنا مجازا وبأقل تقدير تورط مليون شخص في العام، والاحتيال عليهم بمبالغ لا تتجاوز الألف دولار، فإن أموال الاحتيال العربية لن تقل عن مليار دولار، وهذا التقدير متفائل بدرجة كبيرة، والمتوقع يفوقه بمراحل.
بالإضافة لما سبق وفي حالات الاحتيال التقليدي، يوجد هناك سعوديون يقبلون فتح حسابات بأسمائهم، وإعطاء غيرهم الحرية الكاملة للتصرف فيها، مقابل أجور شهرية لا تزيد على 1330 دولارا، ما يشير إلى أنهم لا يدركون تماما المخاطر المترتبة على أفعالهم، لأنهم ضحايا ثقافة لم تكن تزن الأمور بميزانها الصحيح، وصنفت التجاوزات في خانة (المرجلة) والفحولة، ولا بد من إعادة تأهيلهم لفهم طبيعة الواقع النظامي الجديد، مثلما يحدث مع مدمني المخدرات والمؤثرات العقلية، لأنهم ما زالوا في ضلالة لن يخرجوا من قيدها، إلا بـ(قرصة أذن) أو صفعة قوية بحسب ظروف الحالة وحدتها.
الاحتيال وفق نظامه ومواده الإحدى عشرة، تتراوح عقوباته في حدها الأقصى، ما بين سبعة أعوام سجن، وغرامة قدرها مليون وثلاث مئة وأربعة وثلاثين ألف دولار، ومعهما التشهير، ويُعفى المبلغون من المساءلة، ولعلها تحتاج لإعادة نظر، حتى تتعامل مع الاحتيالات الضخمة، كفضيحة بنك (ويلز فارجو) في أميركا عام 2016، الذي استطاع أحد موظفيه فتحَ ملايين الحسابات الوهمية، لمواجهة ضغوط زيادة المبيعات، وترتب على تجاوزه تغريم البنك مليار دولار، أو كما حدث في فبراير من العام الحالي، عندما تورط والد وابنته من عرب الشمال، في عملية احتيال مالي على ثلاث من شركات التأمين، بغرض الحصول على ما قيمته مليوني دولار، واستخدموا في ذلك شهادة وفاة مزورة ودمية وقبر يحمل شاهدا باسم الابنة، وقد ضبطا واتهما بالاحتيال والتزوير.
ذكر تقرير للاتحاد الأوروبي أن إجمالي التجارة غير المشروعة من عمليات الاحتيال المالي، يقارب مئة وعشرة مليارات يورو، ولم يسترد من السابق إلا واحد في المئة، أو أقل من مليون يورو، ووصل الأمر بالمحتالين، إلى استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة، لتقليد أصوات زعامات دولية وشخصيات مهمة ومشاهير، وبمجرد أخذ لقطة صوتية لا تتجاوز مدتها ثلاث ثوانٍ، وبدقة تطابق بصمة الصوت المستهدف، مع إمكانية إضافة بعض المشاعر على النص المنطوق، وكل ما سبق ينجز في عشر دقائق، وهذه التقنية خطيرة وقابلة للاستغلال في جرائم الابتزاز والاحتيال المالي، ولا توجد ضوابط عالمية تحكمها، إلى جانب التحايل العاطفي في أميركا، واستغلال العلاقات الرومانسية لتحقيق منافع مالية، فقد ذهب ضحيتها سبعون ألف أميركي في 2022، وكلفت خسائر تجاوزت المليار وثلاث مئة مليون دولار.
جرائم الاحتيال المالي تصل فاتورتها إلى 5 % من حجم التجارة العالمية، وتوجد شركات تقوم بها من خارج المملكة، وتوظف لأجلها واجهات وطنية مفبركة، كالشركات الاستثمارية السعودية، المسجلة والمدرجة في السوق المالية، ما يجعل الشخص يثق فيما يعرض عليه، ومعظم جرائم الاحتيال تعمل على طريقة تشارلز بونزي، التي ما زالت تسجل نجاحات متوالية منذ أكثر من 120 عاماً، أكثرها وضوحا ما قام به المحتال الأميركي برنارد مادوف قبل 14 عاما، واستطاع من خلاله تكوين ثروة قدرها خمسة وستين مليار دولار.
هذا المخطط العجيب لا يمكن لأحد مقاومته، وكل شخص مرشح لأن يدخل في قائمة ضحاياه، بصرف النظر عن ذكائه ومؤهلاته وخبرته الاقتصادية، وهو يقوم على أربعة أمور، أولها السياق الظرفي، بمعنى أن المحتال يختار زبائنه بعناية، ويؤسس لسمعة جيدة ومعطاءة في محيطه، والثاني أنه يعطل تطبيق المعرفة الموجودة في عقل الشخص، ويجعله ينحاز إلى قرارات آخرين سبقوه في الاستثمار، لأنهم أكثر خبرة ومعرفة منه، والثالث شخصيات الضحايا وتطلعاتها أو تحرجها من الرفض، والرابع شحن العاطفة والتوجس من تفويت الفرصة المتخيلة، وبالتالي فإن كل الناس - بلا استثناء - مرشحون لأن يكونوا ضحايا للاحتيال المالي، والحل في التجاهل التام من البداية.




http://www.alriyadh.com/2036251]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]