المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا يكرهنا الغرب؟



المراسل الإخباري
10-14-2023, 05:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
جزء كبير من الأزمة التي تعيشها الأمة هي الهزيمة النفسية الحادة نتيجة للتراجع الحضاري والعلمي والضعف العسكري، هذه الهزيمة تعمق جراحنا وتدفع بالكثير منا إلى الاستسلام، الغرب يكرهنا لأننا كنا ننافسه ونحن الوحيدين بين الأمم الذين وصلنا إليه في قعر داره وهددنا وجوده..
يجب أن أذكر في البداية أنني لست منحازاً إلى الفريق الذي يدّعي أن العالم يتآمر على العرب والمسلمين، فقد وجدت أن كثيراً من أبناء العرب والمسلمين يتآمرون ويدمرون شعوبهم أكثر من الأعداء. كما أنه لا يمكن لأي متآمر أن ينجح في مسعاه إذا كانت الأمة متماسكة وواثقة من نفسها وقادرة على المشاركة في صنع العالم. أي أننا من نسمح للمتآمر أن ينتصر علينا وأن يفرقنا ويضعفنا. في الوقت نفسه تولّدت لدي قناعات أن "الغرب يكرهنا"، يكره ثقافتنا وديننا ويكره وجودنا، وهذا القناعة لم تبنَ على مجرد أحاسيس بل على شواهد وحقائق تاريخية لا يرقى لها الشك. الغرب، وربما العالم يكرهنا، ونحن نتساءل لماذا؟ ما الذنب الذي جنيناه حتى يتعامل العالم معنا بهذه القسوة والكراهية؟ الأحداث الحالية في غزة، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، كشفت الوجه القبيح للغرب، الذي صار ينكشف كثيراً في الأعوام الأخيرة، لأنه في جوهره قبيح ويظهر قبحه الطبيعي عندما ينكشف، انحياز غير أخلاقي للكيان الصهيوني الغاصب واستعداد لتجييش الجيوش من أجل دعم الظلم والاغتصاب. شخصياً لم أقتنع بكل نظريات الأخلاق التي سطرها الغرب، هو بارع في التنظير، لأن كل ما كتب مجرد كلام رغم أن بعض الأفراد في الغرب لهم مواقف مشرّفة، لكنهم مجرد أفراد لا حول لهم ولا قوة.
قبل أيام من أحداث غزة، كنت أقول لبعض الأصدقاء إنني أكره الهزيمة، وذكرت لهم أنني مهتم بقراءة التاريخ، لكن أشعر بتململ وثقل عندما أقرأ عن أي حدث تراجعنا فيه أو أصبنا بهزيمة عسكرية، ولا أذكر أنني شاهدت فلماً أو مسلسلاً تلفزيونياً تحدث عن هزيمة عربية أو إسلامية. ذات مرة سألني أحد طلابي عن الكاتب الفلسطيني "وليد سيف"، فقلت إنني لا أعرفه، فقال لي إنه مؤلف "التغريبة الفلسطينية"، فقلت له لذلك لا أعرفه، فأنا حتى الآن لا أقرأ عن الكوارث التي مرت علينا في التاريخ، وكأن هناك شيئاً داخلياً يحرضني على رفض كل ما يرتبط بالهزيمة. ما يحدث هذه الأيام في غزة مؤلم ويجرح القلب ويشوش العقل، رغم أنني لا أراه "هزيمة" فجعل العدو في حالة قلق وعدم اطمئنان أمر مطلوب، حتى لو تكالب علينا العالم كما يتكالب الأكلة على القصعة.
جزء كبير من الأزمة التي تعيشها الأمة هي الهزيمة النفسية الحادة نتيجة للتراجع الحضاري والعلمي والضعف العسكري، هذه الهزيمة تعمق جراحنا وتدفع بالكثير منا إلى الاستسلام، الغرب يكرهنا لأننا كنا ننافسه ونحن الوحيدين بين الأمم الذين وصلنا إليه في قعر داره وهددنا وجوده. إنها كراهية تنافس ووجود وليست كراهية عابرة، لكنه استطاع في القرنين الأخيرين أن ينقل هذه الكراهية إلى الأمم الأخرى، بل وحتى إلى بعض بني جلدتنا، وعمل وثابر كي يشككنا في ثوابتنا، ورغم أنني قلت إنني لا أؤمن بالمؤامرة، إلا أنني لا أنفي وجودها، فمن حق عدوك أن يتآمر عليك، ومن حقك أن تأخذ جميع احتياطاتك كي تصده وترد عليه. أي أن فعالية تأثير أي مؤامرة بيدك وبقدرتك على المواجهة وصد أي تهديد لوجودك، المشكلة تكمن فينا وفي قدرتنا على التماسك الداخلي، كما أنها مرتبطة بالثقة في أنفسنا، في ثقافتنا ووجودنا.
"لا بارك الله في الضعف"، يفكك الأمم ويفقدهم الثقة في أنفسهم ويشككهم في تاريخهم وثوابتهم، ويجعلهم لا يؤمنون بأهمية وجودهم، امتهان الضعف والرضا به، كارثة وجودية نعيشها ونشعر بتبعاتها، ويفترض أن نتعلم من دروس غزة المتكررة أننا مهددون وجودياً، وأن الغرب مهما كان إيجابياً معنا، في بعض المواقف، إلا أنه يكره وجودنا، وإذا لم نتعلم كيف نعتمد على أنفسنا فنحن مهددون بالفناء. الأمم تنهض عندما تُشخّص عللها وأمراضها فتبدأ في البحث عن علاج لهذه العلل، وفي اعتقادي إننا يمكن اعتبار خيبات الأمل التي مرت على العالم العربي خلال العقود الأخيرة كافية أن تقول لنا "ما حك جلدك مثل ظفرك"، وأن التعلّق بالغرب هو كالغريق الذي يتعلّق بقشة. يجب أن نعي أنه لن ينفعنا استجداء حب الغرب، فهو لن يرضا عنا وسيكون منحازاً ضدنا مهما أبدينا له من مودة وصداقة.
لن أنكر أنني أشعر بغصة وأنا أتابع أحداث غزة، وأشعر بخيبة أمل من العالم الذي لا يعرف معنى الأخلاق والعدل، وأشعر بالضعف الشديد، لأني مؤمن بأن الحق ينتزع ولا يُستجدى. الضعف يتحول إلى جزء من الجينات المتوارثة عندما تصل الأمة إلى قناعة أنها لا تستطيع أن تغير من حالها. السؤال الذي أردده لأكثر من أربعين عاماً هو: هل سنصل في يوم ما إلى قناعة أن القوة تكمن داخلنا، وأنه لا يمكن طلبها من الآخر لأنها ستكون قوة زائفة؟




http://www.alriyadh.com/2037851]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]