المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشِّعرُ المُوَازِنُ بَيْنَ شُعَرَاء



المراسل الإخباري
10-28-2023, 03:16
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png تعد الموازنة مبدأ من مبادئ النقد والتقويم على مستويات عدة؛ لذلك يستعين الإنسان بها في كثير من أمور حياته، ولا سيما في الجوانب المتشابهة، وتدخل الموازنة في مجالات مختلفة؛ ولذلك نراها في الحقل الإنساني، وغير الإنساني، كما نجدها في النظريات العلمية: الرياضية، والإحصائية، والكيميائية، والفيزيائية، والطبية، وغيرها، ومن هنا فإن الموازنة بين طرفين أداة فاعلة للحكم على الأشياء من خلال معيار تقابلي، يجمع بين اثنين، ويوازن بينهما، فيُظهِر أحدهما على الآخر، وتتجلى الفوارق بينهما.
وقد أشار اللغويون المعاصرون إلى التفريق بين الموازنة، والمقارنة، وما يشابههما، ففي الفتوى اللغوية الصادرة عن مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية برقم (2191): «المُوازنَةُ: مصدر الفعل (وازَنَ يُوازنُ)، ووازنَ بينَ الشيئينِ مُوَازَنَةً ووِزانًا، وهذا يُوازِنُ هذا إِذا كان على زِنَتِه، أَو كان مُحاذِيَهُ. والمُقابَلة: المُواجَهَة. قابلَ الشيءَ بالشيءِ: واجهه به، والتقابُل مثله. والمُقايَسة: مُفاعَلَة من القياس؛ وهي مصدر الفعل (قايَسَ يُقايِسُ)، وقايسَ الشيءَ بالشيءِ: إِذا قدَّرَه على مِثاله. والمُقارَنَةُ: مَصدر الفعلِ (قارَنَ يُقارنُ)، وقارنَ الشيءُ الشيءَ مُقارَنةً وقِرانًا: اقْتَرَن به وصاحَبَه. والمُقارِنُ والقَرِينُ: المُصاحِبُ. أمّا المُقارنةُ المُستعملة اليومَ فتُطلقُ ويُرادُ بها الموازنة، وهو النظرُ في الأشباه والفُروق بين الشيئَيْن، كما في كتُب الموازنات البلاغية والنقدية. ولعلَّ الذين أطلقوا المُقارنةَ على المُوازنةِ إنّما تَرجموها عن المصطلح الإنجليزي (Comparison)».
ولأن الموازنةَ أدقُّ لغويّاً ونقديّاً من المقارنة، ولأنها تعني تلمّس الفوارق بين شيئين متشابهين في مجال واحد؛ فقد استعملناها هنا لكي نبيّن أنها مصطلح نقدي استعمله البلاغيون القدامى من أمثال: أبي القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي (ت 370هـ) في كتابه (الموازنة بين أبي تمام والبحتري)، عندما راح يوازن بين شاعرين كبيرين، دون أن ينتصر لأحدهما على الآخر، وإن مال إليه.
كما استعمل النقاد في العصر الحديث الموازنة، كما في كتاب (الموازنة بين الشعراء) للدكتور زكي مبارك الذي وازن بين مجموعة شعراء، ويغلب على تلك الموازنات القديمة والحديثة خلوها من الحكم النهائي، أو النتيجة الأخيرة، ومحاولة الوصول إلى نقطة جوهرية، بيد أن الموازنة إنما يكون الغرض منها إظهار نقاط القوة هنا وهناك، وإبراز مكامن الضعف بين جانبين، وأظن أن أكثر كتب النقد القديمة والحديثة التي اعتمدت الموازنة معياراً نقديّاً لها، قد دأبت على ذلك النهج.
غير أن الذي يلفت الانتباه ليس ما يعقده النقاد من موازنات بين الشعراء -فذلك من أهم ممارساتهم النقدية- وإنما ما يقدمه الشعراء في أشعارهم من موازنة بين شاعرين وأكثر، كما في قول الفرزدق (ت 110هـ) مثلاً: «وَهَبَ القَصائِدَ لي النَوابِغَ إِذ مَضَوا / وَأَبو يَزيدَ وَذو القُروحِ وَجَروَلُ = وَالفَحلُ عَلقَمَةُ الَّذي كانَت لَهُ / حُلَلُ المُلوكِ كَلامُهُ لا يُنحَلُ»، وقد استرسل الشاعر في هذه القصيدة في ذكر شعراء آخرين، وإن لم يكن موازِناً بينهم في الدرجة الأولى.
لكننا حين نذهب إلى شاعر آخر وهو (الصلتان العبدي ت 80هـ) نجده أكثر موازنة في شعره بين شاعرين عظيمين، وهما: (الفرزدق وجرير)، إذ يقول فيهما في إحدى قصائده: «أرى الخطفي بذّ الفرزدقَ شعرُهُ / ولكن علتهُ الباذخات الفَوارعُ = جريرٌ أشدُّ الشاعِرين شكيمةً / ولكن علتهُ الباذخاتُ الفوارعُ»، ويمكن أن نطلق على هذا اللون من الشعر: (الشعر الناقد)؛ لأنه ينطلق من مبدأ نقدي يقوم على الموازنة.




http://www.alriyadh.com/2040338]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]